البرلمان الأفغاني وندم لا يجدي
على أعقاب تدهور الأوضاع الأمنية خاصة في شمال أفغانستان، طلب عدد من أعضاء البرلمان الأفغاني من مجلسَيْه إعادة النظر في الاتفاقية الأمنية بين أمريكا وأفغانستان. ويرى هؤلاء النواب بأن الاتفاقية الأمنية مع أمريكا لم تنفع أفغانستان بشيء، بل وسبب تصاعدا في وتيرة الحرب أيضا.
قبل توقيع الاتفاقية قام “مركز الدراسات الاستراتيجية والإقليمية”، بعقد جلسات عدة حضرها عدد من المراقبين الحقوقيين، تمت فيها مناقشة الاتفاقية بأسلوب حيادي، واستمرت الجلسات لبضعة أسابيع. ونُشرت نتائج هذه المناقشة في رسالة استراتيجية، ولُخّصت في أن هذه الاتفاقية لا تنهي الحرب فحسب بل تُشعل نارها أكثر، وأن أولوية الحكومة الأفغانية ينبغي أن تكون أنهاء الحرب وإحلال السلام، وأن تتم تلك الخطة بإجراء المفاوضات مع المعارضة المسلحة. ولكن للأسف لم يعر حينا لا رئيس البلد ولا البرلمان أي اهتمام بهذه النتيجة.
تقرير الوفد الأفغاني في المفاوضات مع أمريكا
تم إعداد مسودة الاتفاقية وتوقيعها في فترة حكم حامد كرزاي. وبعد ترتيب المسودة صرّح اكليل حكيمي السفير الأفغاني وقتها لدى أمريكا ورئيس الوفد الأفغاني المفاوض في تقرير للرئيس الأفغاني بأن هذه الاتفاقية لا توفر الضروريات الاستراتيجية العسكرية لأفغانستان كبلد حر ذي سيادة وطنية.
وجاء في هذا التقرير: إن ما عرفناه نحن (الوفد الأفغاني) من المفاوضات على نص هذه الاتفاقية الأمنية الدفاعية بين أفغانستان وأمريكا هو أن الجانب الأمريكي لا يريد أن يلتزم بأي شيء للجانب الأفغاني بتوقيعها، كما ولا يعطي أي ضمانة أمنية في أفغانستان. إن هذه الاتفاقية تتخلص في ضمانة زمانية غير الزامية لاستمرار تأييد القوات الأمنية الأفغانية.
يضيف التقرير إن القسم الفني في هذه الوثيقة والذي يُعَرّف الحضور النظامي الأمريكي في أفغانستان بعد عام 2014م، هو في الحقيقة “توافق حالة القوات”، على أساسها وقّعت أمريكا اتفاقية مع 122 بلد. لذلك لا يمكن للجانب الأمريكي أن يعدل الأقسام الفنية في هذه الوثيقة.
في القسم الآخر من هذا التقرير صرّح الوفد الأفغاني في المفاوضات بأن هذه الوثيقة هي وثيقة إلزامية للقوة التنفيذية، لذلك تتجنب أمريكا من أي تعهد يلزمها بشيء ويكون تحققها قيد الكونغرس الأمريكي.
وأما بشأن المساعدة للقوات الأفغانية، يأتي في التقرير التالي:
لا تستطيع الولايات المتحدة الأمريكية أن تجعل أي تعهد مالي لتأييد القوات الأمنية الأفغانية ضمن نص اتفاقية التعاون الأمني الدفاعي.
حامد كرزاي والاتفاقية الأمنية
مع أن الموالين لحامد كرزاي يدعون بأن الرجل كان على معرفة بأضرار هذه الاتفاقية لأفغانستان ولذلك امتنع عن توقيعها، إلا أن المعطيات الأرضية الحقيقية تقول غير ذلك.
وقد وصل تقرير الوفد الأفغاني المفاوض إلى الرئيس الأفغاني قبل عقد مجلس الأعيان أو الـ”لويا جركا”، إلا أن الرجل ورغم ما وصله من حقيقة الموقف الأمريكي عبر السفير الأفغاني في أمريكا استدعى مجلس الأعيان وتمت إليه دعوة أفراد موالين لأمريكا.
لو كان كرزاي يخالف توقيع هذه الاتفاقية حقا، ما كان عليه أن يستدعي مجلس الأعيان هذا، والذي استدلت أمريكا بقرارها معبرا أن الشعب الأفغاني يؤيد هذه الاتفاقية، وفي مقدمة الاتفاقية تمت الاستناد إلى قرار مجلس على أهمية هذه الاتفاقية لأفغانستان.
بناءً على ذلك يمكن أن نعتبر مخالفة كرزاي مع هذه الاتفاقية مخالفة مسرحية، لأن قرار مجلس الأعيان الذي دعاه كرزاي كان دليلا لدى أشرف غني بأن يوقع الاتفاقية فور وصوله إلى سدة الحكم.
مجلس الأعيان والاتفاقية الأمنية
بعد توقيع الاتفاقية من قبل مندوبي الحكومة الأفغانية والسفير الأمريكي في كابول، صوّب البرلمان الأفغاني هذه الاتفاقية مع عقد بقاء الناتو في أفغانستان بعد عام 2014م، بخسمة آراء مخالفة وثلاثة آراء ممتنعة، وحتى خلافا للمعتاد في البرلمان والذي يعقد جلساته يومي الأثنين والأربعاء، عُقدت جلسة في يوم الأحد وصوب البرلمان الاتفاقية.
إن الموالين لتوقيع الاتفاقية كانوا يستدلون بأن الاتفاقية سوف تنفع أفغانستان في التخلص من التدخلات الأجنبية وخاصة تدخلات الدول الجارة، إلا أن السفير الأمريكي وفي بداية الأمر أوضح موقف بلده وقال إن الهدف من توقيع الاتفاقية ليس الدفاع عن الحدود الأفغانية أمام الإعتداء الأجنبي.
مع نشر الشائعة بأن توقيع هذه الاتفاقية سيتم بين رئيسَيْ البلدين، إلا أنه ومنذ البداية كان واضحا بأن أمريكا لا تريد أن يكون توقيع الاتفاقية على هذا المستوى. وتوقيع الاتفاقية من قبل السفير الأمريكي في كابول يعني أن الجانب الأمريكي خفّض تعهدها الأخلاقي في هذه الوثيقة إلى أدنى حد ممكن.
تعزيز القوات الأفغانية
وكان أملا معقودا آخر في الاتفاقية هو مساعدة أمريكا التسليحية للقوات الأفغانية بالعتاد العسكري الثقيل، إلا أن حقيقة أخرى ظهرت، أظهرت أن أمريكا لا تنوي حقا تسليح القوات الأفغانية. كشفت “منظمة تقييم المساعدات الأمريكية لأفغانستان”، أن 20 طائرة حمل عسكرية اشترتها أمريكا للقوات الأفغانية خرُبت 16 طائرة منها، وتم بيعها في السوق بسعر الحديد، ومن المقرر أن يحدث نفس الأمر للطائرات الباقية. وكان يبلغ إجمالي سعر الطائرات أكثر 400 مليون دولار. يقال إن هذه الطائرات كانت قديمة وغير قابلة للاستفادة، وامتنعت الحكومة الأفغانية استلامها.
وفي هذه الاتفاقية لم تتعهد أمريكا بأي التزام مالي لتأييد القوات الأمنية الأفغانية.
النتيجة
كل اتفاقية وثيقة حقوقية وفي حال الضرورة يتم إرجاعها إلى المراجع القضائية، ولذلك ينبغي أن يكون مفادها واضحا وجليا كي لا يتوسل الطرفان إلى التأويلات. وفي حال درج كلمة ذات معاني في نص الاتفاقية، يمكن لكل طرف أن يستند بتأويل لتلك الكلمة على ما يقوم به.
إن مفردات مثل “يحاول الطرفان”، و”يعمل الطرفان”، و”يسعى الطرفان”، هي مفردات ذات معاني كثيرة في الاتفاقيات الثنائية، وهنا نسرد مثلا من الفقرة الثالثة في المادة الثانية من الاتفاقية الأمنية:
يعتقد الطرفان أن إحلال الأمن والاستقرار في أرض أفغانستان مسؤولية القوات الدفاعية والأمنية الوطنية الأفغانية. ويعمل الطرفان معا على إنماء القدرات لدى القوات الدفاعية والأمنية الوطنية الأفغانية من أجل مواجهة التهديدات الداخلية والخارجية. حسب مطالبة أفغانستان تقوم الولايات المتحدة على الفور بتشخيص المساعدة التي تكون مستعدة لتقديمها للقوات الدفاعية والأمنية الوطنية الأفغانية.
في هذه الفقرة يمكن لمفرد “العمل”، من أجل “مواجهة التهديدات الداخلية والخارجية”، أن يُستعمل لعدة معانٍ، والتأييد يبقى شريط أن تكون أمريكا مستعدة لتقديمها. ومثل هذه الشروط لا تلزم أمريكا بأي شيء. لذلك لم تقبل أمريكا بأي تعهد ملزم طلبه البرلمان.
النهاية