أفغانستان والجلسة الثامنة عشرة لمنظمة سارك
انعقدت الجلسة الثامنة عشرة لمنظمة سارك أي (اتحاد جنوب آسيا للتعاون الإقليمي)، خلال يومين في العاصمة النيبالية كاتماندو والتي انتهت في 28 من نومبر/كانول الأول. وتكون أفغانستان من آخير أعضاء المنظمة وتمر على عضويتها سبع سنوات.
شارك في هذه الجلسة نيابة عن أفغانستان الرئيس الأفغاني أشرف غني والتقى على هامشها مع رؤساء الدول الأعضاء في المنظمة.
الخلفية
تعتبر سارك منظمة إقليمية ذات أهمية ورابطا قويا للتقارب الاقتصادي بين دول جنوب آسيا. وجرت المحاولات لتأسيس هذه المنظمة ثلاث مرات (في أعوام 1947م، و1950م، و1954م)، ولكن تلك المحاولات باءت بالفشل، ولكن بعد انفصال بنغلاديش من باكستان، أظهر الرئيس البنغالي ضياء الرحمن أثناء زيارته إلى الهند رغبته في تكامل اقتصادي بين دول جنوب آسيا.
وعندها لقيت محاولة ضياء الرحن ترحيبا حارا من قبل دول جنوب آسيا[1]، إلا أن الهند وباكستان كانتا تحسان بريبة في الأمر. وقلقت الهند أن تجتمع معها عبر هذه المنظمة دول صغيرة فيما أقلق باكستان أن تكون الهند وراء كل المحاولات لتجد طريقا نحو جميع أسواق جنوب آسيا وأن تعززها دورها في المنطقة.
وأخيرا ورغم كل ذلك، انعقدت أولى جلسات منظمة سارك، عام 1985 وأخذ حلم التقارب الاقتصادي بين دول جنوب آسيا تتحقق شيئا فشيئا.
وتقع أفغانستان حيث يعتبر جزء منها من آسيا الوسطى وجزء آخر من آسيا الجنوبية وجزء آخر من الشرق الأوسط. أثناء انضمام أفغانستان إلى سارك اشتد الجدال بأن أفغانستان تتعلق بآسيا الوسطى ولا يمكنها الانضمام إلى سارك، ولكن المنظمة وفي الجلسة الثالثة عشرة منها عام 2005م، اعتبرت أفغانستان من دول جنوب آسيا، وحصلت على عضوية المنظمة عام 2007م، في جلسة سارك المنعقدة في دلهي الجديدة.
الأعضاء والمراقبون
لهذه المنظمة ثمانية أعضاء وهي أفغانستان، وباكستان، والهند، وسريلانكا، وبنغلاديش، وبوتان، ومالديف، ونيبال. وهناك دول مراقبة لهذه المنظمة كأمريكا، واليابان، والصين، وإيران، والاتحاد الأوروبّي، وأستراليا، وماريتيوس، وكوريا الجنوبية.
يبدو أن ميانمار تقترب من عضوية المنظمة كما تم اقتراح دول تركيا وأفريقا الجنوبية وروسيا لعضوية المراقبة.
مجالات التعاون بين دول المنظمة:
- تحسين مستوى المعيشة لدى سكان جنوب آسيا.
- تسريع عجلة الرقي الاقتصادي، والرفاه الاجتماعي والرقي الثقافي.
- إحداث التكافل بين دول جنوب آسيا.
- التعاون المشترك بين دول المنظمة في المجال الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والتقني والعلمي.
- تعزيز التعاون مع الدول الصاعدة.
- التعاون الدولي حسب المصالح المشتركة.
وتواجه دول المنظمة شحا في مجال الكهرباء تشكل لبعضها تحديا كبيرا، ولذلك تم في اليوم الأخير من الجلسة توقيع اتفاقية ولكن اتفاقيات أخرى في مجال النقل والتجارة لم يتم توقيعها بسبب الخلافات الموجودة بين الهند وباكستان.
وتكمن أهمية هذه الاتفاقيات لأن هذه المنظمة تم تأسيسها من أجل الرقي الاقتصادي والتقارب التجاري في المنطقة وفي حال استمرار الخلافات الهندية الباكستانية قد تواجه المنظمة فشلا ذريعا.
جلسة سارك وظلال الخلافات الهندية الباكستانية
رغم اعتبار سارك منظمة غير نشيطة حتى السنوات القريبة الماضية، ولكن بعد وصول ناريندرا مودي إلى سدة الحكم في الهند، دعى مودي رؤساء دول المنظمة ومعهم نواز شريف رئيس وزراء باكستان، إلى حفل تنصيبه، وهدف بذلك تنشيط المنظمة. وعندما التقى السفير الباكستاني مع زعماء كشمير باءت محاولة مودي للفشل. وازدادت الفجوة بعدها بين الهند وباكستان على إثر اشتباكات حدودية بين البلدين، وأخيرا أثرت هذه الخلافات سلبا على الجلسة الأخيرة للمنظمة.
أسست المنظمة من أجل تكامل اقتصادي، ويتم رفض بعض الاقتراحات بسبب خلافات الهند وباكستان. وفي البرنامج الطويل لتأسيس (سارك) كانت المنافسة ظاهرة بين باكستان والهند (القوتين النوويتين)، وبناءً على هذه الخلافات لم تشارك باكستان في الجلسة المنعقدة للمنظمة عام 2012م، في الهند.
ويبقى العامل الأبرز في تخلف (سارك) عن قمة (آسيان)، أو (الاتحاد الأوربّي)، هي الخلافات الموجودة بين الهند وباكستان، وتحتاج المنظمة لعلاقات جيدة بين هاتين الدولتين لتكمل مسيرتها نحو رقي شامل لأعضائها. وفي حال استمرار الخلافات بين باكستان والهند لن تصل المنظمة إلى أهدافها.
في الجلسة الأخيرة للمنظمة كان من المقرر توقيع بعض الاتفاقيات، إلا أن العلاقات الهندية الباكستانية المتدهورة أجّلت توقيعها إلى ثلاثة شهور أخرى.
علاقات أفغانستان مع دول المنظمة
انشغل الرئيس الأفغاني في الجلسة الثامنة عشرة للمنظمة بتحسين العلاقات مع دول المنظمة. التقى فيها مع رؤساء الوزراء لدول بنغلاديش، والهند، وبوتان، كما التقى مع الرئيس السريلانكي، ورئيس مالديف.
وكانت أبرز اللقاءات ذلك الذي جرى مع رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، وحسب وسائل الإعلام الهندية استمع مودي بدقة إلى حديث أشرف غني ومقترحاته بشأن إحلال السلام في أفغانستان.
وبدوره وعد مودي للرئيس الأفغاني بدعمه وأضاف أن الهند لا تترك أفغانستان، واقترح على الرئيس أشرف غني زيارة الهند التي قد تأتي في الشهر الأول من العام الميلادي الجديد حسب بعض المصادر المؤثقة.
“لا نريد حربا توكيلية في أفغانستان”
أفغانستان منذ سبعينيات القرن الماض، وبالذات منذ التسعينيات أصبحت ميدانا للحرب التوكيلية بين الهند وباكستان. في التسعينينات أيّدت باكستان حركة طالبان كما أيّدت الهند تحالف الشمال. وهذه المنافسة أضافت وقودا للحرب الأهلية في أفغانستان. ولكن بعد أحداث سبتمبر/أيلول 2001م، أصبح الموقف الهندي تجاه أفغانستان إيجابيا إلى حد ما ووصل دعمها المادي لأفغانستان مليارَيْ دولار تقريبا، وشرعت في مشارع كثيرة وبنت لنفسها مكانة في عقول الأفغان.
وأما باكستان في هذه الفترة كانت مترددة وطلبت بمشاركة حركة طالبان في مؤتمر بن وأقلقها دخول تحالف الشمال إلى كابول، وإلى جانب ذلك تحدثت عن دعم حكومة كرزاي أيضا.
وإبان حكم كرزاي كانت العلاقات الباكستانية الأفغانية متقلبة جدا، واتهمت كابول إسلام آباد بنهج السياسة المزدوجة، فهي تتعهد بالتعاون من جهة وتدعم طالبان من جهة أخرى. كما وأحس الجانب الباكستاني بقلق شديد بشأن علاقات كابول مع دلهي وخاصة بعد توقيع الاتفاقي الاستراتيجية بين الهند وباكستان وطلب حامد كرزاي من الهند بيع أسلحة ثقيلة لأفغانستان، رأت باكستان إلى كل ذلك تصاعدا للقوة الهندية في أفغانستان وأقلقها أن تُستخدم كابول ضد باكستان.
وبعد وصول أشرف غني إلى سدة الحكم في أفغانستان، رأى الطرفان أن فرصة كبيرة لتحسين العلاقات قد سنحت، ولكن بعد زيارة أشرف غني إلى باكستان أبدى سرتاج عزيز مستشار الأمن الوطني الباكستاني تصريحات أثارت شكوكا لدى الأفغان من نوع جديد للإزدواجية في السياسة الباكستانية، مع أنه وضح تصريحات بطريقة أو بأخرى.
بعد تصريحات سرتاج عزيز، قال برويز مشرف الرئيس الباكستاني الأسبق ورئيس أركان الجيش الباكستاني سابقا، إن الانسحاب الأمريكي من أفغانستان تتبعها حرب توكيلية بين الهند وباكستان. وفي ردة فعل لهذا التصريح سبق حامد كرزاي الرئيس الأفغاني السابق الجميع، وقال إن كابول لا تسمح أن تصبح أرض أفغانستان ميدانا للحرب التوكيلية بين الهند وباكستان.
وأبدى أشرف غني تصريحا بهذا الشأن، ولكن في جلسة منظمة سارك ليصل موقفه مباشرة إلى الدولتين (باكستان والهند)، فقال أمام رئيس وزراء الهند ورئيس وزراء باكستان: “إننا لا نسمح لأي أحد أن يستغل أرضنا ضد أي جار، كما لا نسمح لأي أحد أن يبدأ حرب توكيلية في بلدنا”. النهاية
[1] نيبال، وسريلانكا، وبوتان، ومالديف، وبنغلاديش.