الصين، باكستان وأفغانستان.. صداقة استراتيجية
في 9 من فبراير/شبّاط 2015م، عقد مستشارو وزارات الخارجية للصين وباكستان وأفغانستان جلسة ثلاثية فجّرت آمالا كبيرة بشأن الدور الصيني الإيجابي في أفغانستان. يرى كثير من المحللين بأنه وإلى جانب عوامل أخرى تحظى الصين بتأثير كبير على باكستان، ويمكنها أن تلعب دورا إيجابيا في ملف أفغانستان.
وبعد الجلسة الثلاثية في 9 من فبراير في كابول، زار وزير الخارجية الصيني مع وفد رفيع المستوى العاصمة الباكستانية إسلام آباد لتبادل الآراء حو قضايا ثنائية وإقليمية.
وتحظى الصين في المنطقة بعلاقات جيدة مع كل الدول، وتُعتبر دولة تريد الاستقرار لجميع دول المنطقة، ولذلك قامت الصين بتوسيع نطاق دورها في بعض القضايا الإقليمية.
الخلفية
هناك علاقات حسنة بين أفغانستان والصين، وتصل جذور هذه العلاقات إلى قبل الميلاد. ويقال إن الصين أرسلت أول سفير لها إلى أفغانستان أثناء حكم “إمبراطورية كوشان”، وكانت هناك علاقات تجارية، وثقافية واسعة بين البلدين. كانت انتشار الديانة البوذية في الصين عبر أفغانستان، كما أن أفغانستان كانت معبرا للحرير الصينية، رمز التجارية الصينية في تلك الفترة.
وعبر التاريخ مناطق كثيرة من باكستان كانت خاضعة لأفغانستان، وفي القرن 19 تم دمج مناطق كثيرة من بلوشستان، مع إقليم خيبربختونخواه إلى الهند البريطانية على أساس اتفاقية ديوراند وكندمك.
فبعد استقلال باكستان كان هناك جدل بشأن خضوع هذه المناطق لحكم باكستان، ومن هناك صوّتت أفغانستان في الأمم المتحدة ضد عضوية باكستان في المنظمة. مع أن أفغانستان سحبت صوتها سريعا وأرسلت سفيرا إلى باكستان أيضا، إلا أن العلاقة الثنائية بين البلدين منذ تلك الفترة وحتى الآن بقيت متدهورة، ما جعل الحكومة الأفغانية الجديدة تعمل على تحسينها في محاولات مع الجانب الصيني.
أفغانستان وباكستان.. العلاقات والتغييرات الأخيرة
منذ ستة عقود مضت، جرّبت أفغانستان في علاقتها مع باكستان منحنيات كثيرة، كانت القليل منها في جوء حسن. وكان السبب وراء ذلك الأمور الخارجية المتصادمة للبلدين، نذكر منها قضية بختونستان من منظار أفغانستان والعمق الاستراتيجي من منظار باكستان، قضيتان لعبتا دورا كبيرا في تدهور العلاقة بين البلدين.
وعندما دفع أشرف غني في زيارته الأخيرة إلى باكستان بعض التنازلات للجانب الباكستاني[1]، وبعد أن حدث هجوم على مدرسة تابعة للجيش الباكستاني في بيشاور، ظهر في لقاءات سرية ومن زيارات المسؤولين الباكستانيين، أن باكستان غيّرت موقفها إلى حد ما. ولكن العلاقات الأخيرة توحي بأن أفغانستان تكون قد وقعت مرة أخرى في سذاجة من أمرها.
وهناك من يرى بأن أفغانستان لم تحصل بعد على أي تنازل من قبل باكستان، ولكن باكستان وفي عملية السلام حصلت على التالي:
- تعليق أفغانستان اتفاقية شراء الأسلحة من الهند،
- إرسال بعثة من الجنود الأفغان إلى باكستان للتدريب،
- تسليم لطف الله محسود إلى باكستان،
- تقليل إتاوة النقل على الأمتعة الباكستانية من قبل أفغانستان،
- القرار بطرد لاجئين أفغان رغم الاتفاقية الموجودة بين باكستان والأمم المتحدة.
إلى جانب ذلك، هناك توقعات لظهور بعض آثار التغيير على السياسة الباكستانية. وهناك عوامل أخرى كثيرة تعمل وراء هذا منها إشراك الصين في العملية، ولأن الأمن في أفغانستان سيكون له أثر كبير على باكستان وبما أن مشروعا كبيرا[2]، يتوقف على ذلك وعلى أمن بعض المناطق مثل المناطق القبلية في باكستان وكلكت وبلتستان.
الصداقة الاستراتيجية بين الصين وباكستان
عندما وقفت الهند أمام الصين في معركة على منطقة “أكسجن”، ظهرت أهمية باكستان للصين أكثر من ذي قبل. وبعد ذلك دخلت الصين مع باكستان في اتفاقية غير معلنة. والآن وبعد ميلان أمريكا إلى توفير الأرضية للهند بأن تظهر كقوة بارزة ومنافسة للصين تم تعزيز هذه الصلة بين الصين وباكستان.
العلاقات الأفغانية الصينية
منذ ستة عقود مضت كانت هناك علاقات بين أفغانستان والصين، حتى عام 1978م، كانت قوية ثم تأثرت ببعض التغييرات وأصبحت الصين لم تعر اهتماما كبيرا للعلاقة مع أفغانستان.
كانت العلاقات الأفغانية الصينية ما بين (1955م-1978م) أقوى من فترة ما بين (1978م-2001م). ففي الفترة الأولى أرادت الصين أن تقلص من تأثير الهند وروسيا في أفغانستان[3]، ولكن في الفترة الأخيرة ابتعدت الصين عن أفغانستان بسبب الغزو السوفيتي على أفغانستان ومن ثم اندلاع الحرب الأهلية في البلد.
وفي بداية الدورة الثانية لحكم حامد كرزاي توجهت العلاقات الأفغانية الصينية نحو تحسن، انصب هذا التحسن على اتفاقيات “طاقة آمو”، و”نحاس عينك”، كأكبر استثمار أجنبي[4] في البلد.
وفي الصين أيضا، وبعد تولي “زي جينبينك” الحكم، ظهرت علائم تغيير في السياسة الخارجية. فأطلق خطته المسماة بـ”نحو الغرب”، اهتم فيها كثيرا على طريق الحرير، وعلى إنشاء مشارع اقتصادية في الهند، وبنغلاديش، وباكستان. ولأن السلام في أفغانستان يكون من أساسيات هذه الخطة، زار عام 2012م، وبعد 46 عاما عضو رفيع في الحزب الشوعي الصيني أفغانستان.
يحاول أشرف غني حاليا، أن يجلب الدور الصيني أكثر من قبل إلى أفغانستان وأن يعزز ذلك، وأن يجعل الصين نظرا لتأثيرها على باكستان أن تلعب دورا في عملية السلام الأفغانية.
خارجية الصين تجاه أفغانستان
بدأت الصين في 2012م، عقد مؤتمرات بين مراكز الدراسات في أفغانستان، والصين وباكستان، أجريت الجولة الثانية منها عام 2014م، في إسلام آباد على أن تجرى الجولة الثالثة العام المقبل في أفغانستان.
بشكل عام أظهرت الصين في سياستها الخارجية أهمية كبيرة لأفغانستان، ورفع في هذا الاتجاه الخطوات الآتية:
أولا: كانت للصين مع طالبان علاقة حتى أثناء إمارتهم، ولكن يقال إن المسؤولين في الصين التقوا مع مندوبين من حركة طالبان في العام الماض مرتين. صرحت حركة طالبان بأن الهدف من الزيارة كان إخبار الصين من موقفها، إلا أن تفاصيل هذه اللقاءات تبقى حتى الآن غامضة.
ثانيا: هناك علاقة حسنة بين الصين والحكومة الأفغانية، ويبلغ الاستثمار الصيني في أفغانستان مبلغا كبيرا. وفي الجلسة الثلاثية الأخيرة تعهدت الصين ببناء سد للماء والكهرباء في ولاية كونر الأفغانية، وتريد توصيل أفغانستان وباكستان بخط سكة الحديد. وهو أمر يجلب لأفغانستان مصلحة تجارية إذ يجعلها ضمن مشروع طاقة الصين-باكستان،
ثالثا: قامت الصين في بضع شهور الماضية بإجراء محادثات سرية مع أمريكا والحكومة الأفغانية، حول الأزمة الأفغانية، أمر يظهر الميلان الصيني بأن تلعب دورا في آسيا الوسطى وخاصة في أفغانستان.
تتم هذه الجسلة واللقاءات مع حركة طالبان، فيما أثارت ظهور “الدولة الإسلامية”، في المنطقة تهديدات كبيرة، وقد قتل تنظيم الدولة عدد من أتباع الصين.
وتحس أمريكا بقلق كبير من أن تظهر الصين كقوة عظمى، ومن جهة أخرى تحس الصين بتهديد حول ملف “شينغيانغ”، وأن تستغله بقية الدول في وضع اللوم على الصين.
من جهة أخرى، إن تدهور الأوضاع الأمنية في ولاية بدخشان الأفغانية، وإعلان القاعدة الحرب على الصين، مشروع طاقة الصين وباكستان، وطريق الحرير الجديدة، عوامل جعلت كابول تأمل من الصين أن تلعب دورا كبيرا في إنماء الاقتصاد الأفغاني، وفي عملية السلام وتحسين العلاقة مع باكستان. النهاية
[1] قدّم أشرف غني تنازلات كثيرة للجانب الباكستاني، ومنها تعليق شراء الأسلحة من الهند وإرسال جنود أفغان للتدريب إلى باكستان.
[2] مشروع طاقة باكستان والصين، ويبلغ استثماره 45 مليار دولار.
[3] في بداية الخمسينيات كانت لدى الصين علاقات جيدة مع روسيا والهند، ولكن العلاقة مع روسيا تدهورت منذ الستينيات، وفي 1969م، حدثت بينهما حرب على الحدود أيضا. وتدهورت العلاقة مع الهند منذ 1959م، عندما نفذت الصين عمليات في (تبت)، وفي 1962م، دخل البلدان في مواجهة على منطقة أكسيجن.
[4] Foreign Direct Investment (FDI)