ذكرى انسحاب الجيش الأحمر من أفغانستان
الخامس عشر من فبراير/شبّاط يمثل الذكرى السادسة والعشرين لانسحاب الجيش الأحمر من أفغانستان. ففي شتاء عام 1979م، هاجم الاتحاد السوفيتي أفغانستان، وقتل حفيظ الله أمين الديكتاتور الشيوعي من جناح “الشعب” في الحزب الشيوعي ليحتل مكانه ببرك كارمل من جناح “الراية” في الحزب. منذ بدء الثورة الشيوعية في ربيع 1978م، إلى هجوم الجيش الأحمر في شتاء 1979م، قتل النظام الشيوعي في أفغانستان أكثر من ثلاثين ألف من مختلف أطياف شعب أفغانستان.
وأخيرا مثّل الحراك الشعبي خطرا للنظام، وسببت الخلافات الداخلية في الحزب الشيوعي التابع لموسكو أزمات داخلية لها، فقرر الاتحاد السوفيتي أن يجتاح أفغانستان للحفاظ على الحكومة العميلة له في أفغانستان.
خسائر الحرب
وفي هذه الحرب قُتل ما يقارب مليون ونصف مليون من الأفغان، فيما اضطر الملايين إلى اللجوء إلى بلدان أخرى. واستمرت الحرب الروسية في أفغانستان إلى عشر سنوات، ودفع الاتحاد السوفيتي في هذه الحرب ثمنا باهضا وثقيلا.
وبين عامَيْ 1979م، و1989م، قُتل في أفغانستان 14453 جنديا روسيا، 9511 منهم أثناء الحروب و2387 منهم ماتوا جرّاء الجراحات الحرجة أو الأمراض، أو انتحروا. وأثناء الحرب ضاع 417 جنديا روسيا أو أسروا. أطلق سراح 119 جنديا، فيما لجأ 22 آخرون إلى دول أخرى.
الحرب ظاهرة حمّالة للمصائب، ولكن بالنسبة للأفغان فإن نهاية الحرب كانت أفجع وأوجع من الحرب نفسها، وذلك بسبب ما حدث من قادة المجاهدين من أخطأ فادحة، أزالت نتيجة دماء أمة بأكملها. وفشل قادة المجاهدين في إرساء نظام يجلب للأمة سلاما واستقرارا وحياة أفضل، وانشغلوا في حرب شرسة دامية بينهم.
يمكن لنا أن نشير إلى إنجاز الشعب الأفغاني في الحرب مع روسيا، أن هذا الشعب هزم القوات المحتلة. ويرى كثير من الأفغان أن انهيار الاتحاد السوفيتي كان بسبب تضحية الشعب الأفغاني، وأنهم خلّصوا الشعب الروسي نفسه من ظلم نظام جشع، ولكن تواجد قوت أكثر من 50 دولة في أفغانستان بعد أحداث 11 سبتمر، يطرح سؤالا يقول، ألم يذهب الأفغان ضحية حرب تحرير من أجل حرية الآخرين؟
أخطأ قادة المجاهدين
عندما ننظر إلى الماض، ندرك أن الشعب الأفغاني في معركته مع قوات الجيش الأحمر من أجل تحرير البلد وإقامة نظام إسلامي وقع في أخطأ كثيرة، فبعدها وبعد تحرير البلد بدلا من وصوله إلى السلام والاستقرار وقع في دوامة من الاضطرابات والحروب، فتلاشت الآمال التي من أجلها ضحّت الأمة بكل غالٍ ونفيس، ومن هذه الأخطأ، التالي:
- انقسام المجاهدين إلى مجموعات مختلفة، كانت بينها منافسة عسكرية وسياسية قوية. المنافسة من أجل السيطرة على المناطق المحررة، والمنافسة من أجل الحصول على المساعدات الأجنبية، أمر سبب كثيرا من النزاعات والتقاتل. وظهرت العداوة وانعدام الثقة بسبب ذلك في أبشع صورة لها أثناء اقتراب المجاهدين من أبواب كابول.
- في مؤتمر “جنيف”، الذي وفر الأرضية لانسحاب القوات الروسية من أفغانستان، لم يشارك المجاهدون فيه بسبب حضور الحكومة الأفغانية فيه، ومثّلهم مندوب باكستان في مؤتمر هام تجاه مستقبل البلد. إن إعطاء هذه الفرصة لباكستان أطلق عنان ساسة باكستان في أفغانستان، وبدورها رحّبت أمريكا بالأمر.
- كانت الحرب الباردة قد انتهت، ولكن المجاهدين الأفغان كانوا يقيسون الأمور بمعايير زمن الحرب الباردة. كانوا يفكرون أن المنافسة بين الشرق والغرب لا زالت موجودة، وأن الغرب لا تزال تحتاج إلى المجاهدين الأفغان في مواجهتها مع روسيا.
- أثناء الحرب جميع مجموعات المجاهدين كانوا يتحدثون عن ضرورة إقامة النظام الإسلامي في أفغانستان، ولكن لم يتم طيلة 14 سنة من الجهاد أي نقاش جاد بشأن تفاصيل هذا النظام، فلم يقع أي تفاهم أو انسجام تجاه هذه القضية. وعلى سبيل المثال لم يكن هناك توافق حول الانتخابات. كان حكمتيار يؤكد على أهمية الانتخابات، أما بقية القادة إما آثروا الصمت أو كانوا يخالفون. وكان مولوي محمد يونس خالص يرى أن الانتخابات أمر مخالف للشرع. كما أن المجاهدين لم يتفقوا على تعليم النساء أيضا.
- لم تكن لدى المجاهدين رؤية واضحة بشأن الغيير الذي حدث بعد سقوط حكومة نجيب، ورغم وجود فرصة كبيرة أماهم إلا أنهم فوجيئوا بالأمر. كما أن أمريكا لم تدعم بالجاد مقترح “بنين سيوان”، في الأمم المتحدة، لانتقال السلطة بطريقة سلمية في أفغانستان، ففشل المقترح.
- لم يكن برأي المجاهدين أي دور لحكومة نجيب في مستقبل أفغانستان. بعبارة أخرى لم يستغل المجاهدون الفرصة كما كان ينبغي. حتى القادة الذين كانوا يرون إلى التفاهم مع نجيب كخيانة لآمال الجهاد، فيما بعد اتفقوا على العمل مع مليشيات نجيب لتضعيف منافسيهم من المجاهدين.
- كانوا يرون إلى القوات العسكرية الوطنية كعدو للبلد ينبغي حلها، مع أن الشعب كان يشكل أساس هذه القوة، وكان من الممكن استغلالها في الحفاظ على سلامة البلد بتغيير رموزها فقط. ولم تكن هذه القوة نتاج النظام الشيوعي فحسب بل أنتجتها قدرات البلد طيلة سنوات طويلة.
- كان المجاهدون يرون أنهم خدموا الغرب بما يكفي وأن أمريكا والغرب ستقومان بجانبهم، وكان ذلك خطأ. فإن أمريكا وحتى قبل سقوط حكومة نجيب كانت ترى بأن الحرب قد انتهت من منظار المصالح الأمريكية.
- إن الفوز في المعركة أثار غرورا كبيرا لدى المجاهدين، فلم يفكروا في جلب ثقة الدول الجارة، ودول المنطقة، فبعد سقوط حكومة نجيب انجروا إلى حرب نيابية بين تلك الدول.
إلى جانب هذه الأخطأ، لم تكن التغييرات الإقليمية والدولية في صالح الشعب الأفغاني أيضا. منها انهيار الاتحاد السوفيتي والذي كان من أهم الدول الملتزمة بتعهدات “جنيف”.
إنجازات الحرب على السطلة
وكان الهدف من وراء إشعال نيران الحرب بين المجاهدين التالي:
- سد إقامة النظام الإسلامي في أفغانستان.
- إزالة آثار الجهاد من ذاكرة الأمة الإسلامية، أو إشعال حرب أهلية في البلد ووضع الجهاد في لباس التطرف والإرهاب.
- تدمير مخازن الأسلحة في أفغانستان في الحرب الأهلية. (إن قوات الجيش الأحمر تركت ورائها، على أساس بعض الإحصاءات، أكثر من 2500 دبابة، و500 طائرة حربية ونقلية، وصواريخ اسكاد ولونا، وأكثر من 5000 وسيلة نقل عسكرية، وكمية كبيرة من الأسلحة الثقيلة، ضاعت كلها في الحرب الأهلية).
- تغيير وجوه المجاهدين الأفغان من أناس قاتلوا من أجل النظام الإسلامي إلى أناس قاتلوا مع الروس من دون أي هدف آخر.
كانت الحرب في أفغانستان، بعد انهيار حكومة نجيب مصيبة للأمة الإسلامية كلها. والذين جاءوا إلى أفغانستان من أقصى العالم الإسلام تمت ملاحقتهم فيما بعد، فسُجنوا وعُذبوا وقُتل الكثير منهم.
تعلمنا الحرب الأهلية بأن طرد المحتل ليس هو الفوز النهائي، ولا يمكننا أن نتحدث عن الفوز إلا إذا عقب طرد المحتل استقرار في البلد، وسلام وعيش عزيز. النهاية