الحرب الأمريكية في أفغانستان

خلفية الهجوم الأمريكي على أفغانستان

أثناء الغزو السوفيتي لأفغانستان، اقتربت أمريكا مع الشعب الأفغاني للسد أمام عدو مشترك، وقامت الولايات المتحدة بمساعدة الحركة الشعبية الجهادية ضد الروس. وبعد الانسحاب السوفيتي من أفغانستان، انتقل الاهتمام الأمريكي إلى أوروبّا الشرقية، حيث ضعف الدور الروسي وهُدّم جدار برلين وحصلت دول على استقلالها. ولكن من جهة أخرى وبعد الانسحاب الروسي من أفغانستان اندلعت في البلد حرب أهلية، تصدرت صفحتها بعد ثلاث سنوات حركة طالبان بدءً من ولاية كندهار. وحينما تشكلت إمارة طالبان الإسلامية، كان بعض العرب وعلى رأسهم أسامة بن لادن ورفاقه موجودين في أفغانستان، وكانوا تحت رعاية حكومة الأستاذ رباني قبل الإمارة الإسلامية.

وفي عام 1998م، بدأ نزاع حاد بين طالبان وأمريكا من جهة وبين طالبان والسعودية من جهة أخرى، أسفر هذا النزاع قصفا صاروخيا أمريكيا على أفغانستان لمرات عديدة. وبعد أحداث 11 سبتمبر في الولايات المتحدة، أخذ النزاع على أسامة بن لادن طابعا حادا، وبسببه هاجمت أمريكا على أفغانستان.

وبعد أحداث 11 سبتمبر قدّم جورج بوش، الرئيس الأمريكي في 20 من سبتمبر 2001م، المقترحات التالية لطالبان:

  • على طالبان أن تسلّم جميع أعضاء القاعدة لأمريكا.
  • على طالبان أن تطلق سراح جميع السجناء الأجانب[1].
  • على طالبان وبأسرع وقت إغلاق جميع مراكز التدريب للمقاتلين.
  • ينبغي تسليم أي “إرهابي”، ومن يؤيده إلى المسؤولين المعنيين.
  • السماح لأمريكا بأن تصل إلى مراكز تدريب “الإرهاب”، وتحقق بشأن ذلك[2].

وأما طالبان وفي 21 من سبتمبر رفضت جميع المقترحات، وكبرهان للجانب الأمريكي أكّدت عدم تدخل أسامة بما حدث في أمريكا، وأنهم لا يسلموه لأمريكا.

بعد ذلك وفي 4 من أكتوبر، اقترحت طالبان للجانب الأمريكي بأنها مستعدة لتسليم أسامة إلى باكستان، وبأن تتم محاكمته في باكستان على أساس الشريعة الإسلامية وتحت إشراف محكمة دولية، إلا أن برويز مشرف رفض هذا المقترح[3].

وفي 7 من أكتوبر اقترحت طالبان مرة أخرى، أنهم مستعدون لمحاكمة أسامة في داخل أفغانستان[4]. ولكن وفي نفس اليوم قامت الولايات المتحدة بشن هجومها على أفغانستان. وفي 14 من أكتوبر صرّحت طالبان بأنه لو تقدم أمريكا شهادات تثبت تدخل أسامة في أحداث 11 سبتمر فإنهم سيسلمونه لدولة ثالثة[5]. إلا أن أمريكا رفضت كل هذه المقترحات وأكدت مرارا بأن الحل الوحيد يكمن في تسليم أسامة إلى أمريكا، وإلا ستفوت الآوان لطالبان. وهكذا وصلت محادثات أمريكا وطالبان إلى الطريق المسدود وأطلقت أمريكا عنان حربتها العسكرية في أفغانستان.

الهجوم الأمريكي والقوانين الدولية

أصدر المجلس الأمن للأمم المتحدة قرارَيْن بشأن أحداث 11 سبتمبر2001م. ولم يسمح أي من القرارَيْن بالهجوم على أفغانستان، ولم تكن لهما لهجة هجومية أيضا، بل كان التنديد بشكل عام، بـ”الأحداث الإرهابية”، و”الإرهاب”، فقط.

وفي القرار الأخير “1373”، صرّحت الأمم المتحدة بأنها تعتبر الإرهاب أزمة عالمية، وترى ضرورة التعامل معها وتم فيها إعلان مساعدة قوية مع الشعب الأفغان وبأن يتم دعمهم لإرساء نظام حكم انتقالي. وأما قرار “1386”، شمل إحداث قوات “الأيساف”، لتؤدي مهمة أمنية في كابول والمناطق القريبة، إلا أن هذا القرار جاء متأخرا في 20 من ديسمبر 2001م، بعد أسابيع عدة من الهجوم الأمريكي على أفغانستان[6].

وفي القوانين الدولية أيضا إنه أصل متفق عليه، أن كل شخص يكون مسؤولا عن أعماله الذاتية، وهو ما يؤكده الإسلام تماما. تنص المادة 14 من القانون الدولي بأنه لو قامت حركة في داخل بلد ما بأي عمل فإن ذلك لا يعتبر موقف الدولة نفسها.

وأما أحداث 11 سبتمبر فلم يكن من الأفغان فيها مشارك، ولم تقدم أمريكا شهادات تثبت تدخل المتهمين فيها، ولم تُنشر حتى الآن تلك الشهادات التي وعدها “كولن باول”، فكيف هاجمت أمريكا على دولة كانت مستعدة في حال توفر الشهادات لأخذ أسامة بن لادن إلى المحكمة ليس في أرضها فحسب بل في دولة ثالثة أيضا؟

إلى جانب ذلك، جاء في المادة 33 من قانون الأمم المتحدة، مراحل القضايا أولا بالمحادثة، ثم المناقشة، ثم المساعدة، ثم المحاكمة… ليس استخدام القوة. إلا أن أمريكا منذ 11 سبتمر إلى 15 من أكتوبر أغلت جميع الأبواب على وجه المحادثات وتشبثتْ بالقوة فقط.

وهكذا بناءً على المادة 51 التي تعطي حق الدفاع لأي بلد، هاجم الأمريكيون على أفغانستان. لم يكن من الأفغان مشارك في الهجوم على أمريكا، ولا إمارة طالبان الإسلامية، وما كان إصرار طالبان لأمريكا بأن توفر شهادات تثبت مشاركة أسامة في الهجوم تعني أن أمريكا كان أمام تهديد من قبل دولة أفغانستان.

مع أن أمريكا لم تكن أمام تهديد مباشر من قبل طالبان، ولم تقم طالبان بإجراء أي هجوم ضد أمريكا، رغم ذلك كله، طلبا للثأر وخرقا للقانون الدولي أقدمت أمريكا على إراقة دماء المسلمين.

أهداف الحرب الأفغانية ونتائجها

كما يبدو كان أسامة بن لادن هو السبب وراء الهجوم الأمريكي على أفغانستان، وكان الهدف الأمريكي من هذا الهجوم إسقاط إمارة طالبان الإسلامية، بل إنهاء طالبان نفسها[7]، إحداث الجيش الأفغاني[8]، وإقامة نظام ديمقراطي مكان حكم طالبان، يجلب للبلد الأمن والاستقرار.

لو كان الحصول على أسامة بن لادن هو الهدف الأمريكي الأوحد لكان لهم أن يرحلوا من هنا فور تمكنهم منه، إلا أن الأمر ليس بهذه السذاجة، بل هناك أهداف أمريكية كثيرة يريدون الحصول عليها، مع أنهم لم يحصلوا على كثير منها حتى الآن.

وكان من أوضح تلك الأهداف إنهاء طالبان والقاعدة، إلا أن حركة طالبان تتقوى يوما بعد يوم، وتفاوضهم أمريكا منذ 2010م، ومن جهة أخرى اتسع نطاق فعاليات تنظيم القاعدة أيضا. وقام الجناح المنشعب منها “الدولة الإسلامية”، بتنفيذ هجمات أكثر دموية في العراق وسوريا.

يرى بعض المحللين أن أمريكا تريد من الحضور في أفغانسان أن تحاصر الصين، وروسيا، وإيران، وأنها فشلت في هذا الهدف أيضا، وأنها هدفت أن تحصل على موارد الطاقة في آسيا الوسطى وهو أمر حالت دونه الغطرسة الأمريكية.

الآن وبعد مضي 13 سنة من الحرب الأمريكية، وبناءً على إحصاءات وزارة الدفاع الأمريكية، قُتل 2386 جنديا أمريكا في هذه الحرب، بينما جُرح عشرات الآلاف وصرفت أمريكا قرابة تريليون من الدولار[9]، إلا أن ذلك لم يضع حدا لـ”لإرهاب” على حد وصفهم، كما لم يحذف طالبان! ولم يجلب لأفغانستان أي استقرار أو نظام مستقر. بل أصبحت أفغانستان علامة فساد في العالم[10]، وهي بلد ينتج 90% من مخدرات العالم[11]، وتتصاعد فيه يوميا وتيرة العنف والاضطراب.

استشهد في هذه الحرب عشرات الآلاف من الأفغان. مع أن إحصاء عدد ضحايا المدنيين جرّاء عمليات القوات الأجنبية يكون صعبا جدا، إلا أن السؤال عن عدم إمكانية ذلك الإحصاء له إجابة صريحة من جنرال أمريكي شهير، يقول: “أنتم تعلمون أننا لا نحصي عدد القتلى”[12]. فإنهم إن لا يحصون عدد القتلى فلا يعنيهم قتلى المدنيين أصلا.

إنه من الصعوبة بمكان الحصول على عدد دقيق من ضحايا المدنيين جرّاء عمليات القوات الأمريكية، إلا أن كثيرا من مراكز الأبحاث قامت بدراسة ذلك، منها “يوناما”، و”هيومن رايتس ووتش”، واللجنة الأفغانية لحقوق الإنسان، وبعض الجامعات والصحف العالمية… وأما وضع هذه الدراسات على مستوى الحياد أمر بعيد عن الإنصاف. النهاية

[1]  في إشارة إلى عشرة سجناء أمريكيين عند طالبان.

[2] “Transcript of President Bush’s address – CNN”. CNN. 21 September 2001. Retrieved 27 March 2011.

[3]  في البداية قدّم القاضي حسين أحمد أمير الجماعة الإسلامية هذا المقترح، قبله الملا محمد عمر، ورفضه برويز مشرف، التفاصيل في الرابط التالي:

Patrick Bishop, Pakistan blocks bin Laden trial, guardian 04th oct 2001, see online: < http://www.telegraph.co.uk/news/worldnews/asia/afghanistan/1358464/Pakistan-blocks-bin-Laden-trial.html>

[4] Taliban ‘will try Bin Laden if US provides evidence’, guardian, 5 october 2001, see online: < http://www.theguardian.com/world/2001/oct/05/afghanistan.terrorism>

[5] ‘Bush rejects Taliban offer to hand Bin Laden over, guardian, 14th oct 2001, see online: < http://www.theguardian.com/world/2001/oct/14/afghanistan.terrorism5>

[6]   بدأ الهجوم الأمريكي على أفغانستان في 7 من أكتوبر 2001م.

[7] وصرّح الرئيس الأفغاني السابق حامد كرزاي، أنه أراد التحدث مع طالبان بعد سقوط حكمهم، إلا أن أمريكا خالفت مع ذلك بشدة. وبناءً على قرار “1386”، للأمم المتحدة خُولت إلى قوات “الأيساف”، مهمة الأمن في كابول وتدريب الجيش الأفغاني.

[8]  بناءً على قرار “1386”، للمجلس الأمن للأمم المتحدة.

[9] Geoff Dyer and Chloe Sorvino, $1tn Cost of longest US war hastens retreat from military intervention, financial times, 15 dec 2014, see online: < http://www.cnbc.com/id/102267930>

[10]  لمزيد من التفاصيل راجعوا الرابط التالي:
http://www.transparency.org/country#AFG

[11] May Jeong, Afghan opium crop set for record high, theguardian 12 Nov 2014, see it online: http://www.theguardian.com/world/2014/nov/12/afghan-opium-crop-record-high-united-nations

[12] نقل قول الجنرال الأمريكي “تومي فرانكس”، في المقال التالي:
‘Success in Afghan War Hard to Gage’, The San Francisco Chronicle, 23 March 2002

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *