مئة يوم الأولى للحكومة الائتلافية الأفغانية

إن مئة يوم من بداية الحكومة تُعتبر ذات أهمية كبيرة في الجمهوريات على المستوى العالمي. فكل حكومة تعلن أعضائها في هذه الفترة، وتوضح خطتها للمستقبل. إلى جانب ذلك، ليست الحكومة تبدأ عملها فقط في هذه الفترة فحسب، بل إن مستقبلها أيضا يكون منوطا بهذه الفترة ذات الأهمية.

وفي أفغانستان لم يكن تشكيل “حكومة الوحدة الوطنية” على إثر أزمة الانتخابات الأفغانية ذات أهمية كبيرة، بقدر ما تكون لمناقشة مئة يوم الأولى من عملها ذات أهمية، وهي حكومة قابلت في هذه الفترة وفي مجالات عدة فشلا ذريعا.

موقع مسمى بـ”مئة يوم”، ناقش تعهدات المرشحَيْن المنافسين، في مئة يوم مرت على عمر الحكومة الجديدة، وركز على وعود قطعها كل من المرشحين على نفسَيْهما خلال المناظرات واللقاءات الإعلامية، والمنشورات. ومع تحليله لهذه الفترة قام الموقع بنشر 110 وعود قطعها المرشح على نفسه بأن يؤديه أو يشرع عمله في مئة يوم الأولى من حكمه.

بناءً على تحليل هذا الموقع، استطاعت الحكومة الائتلافية في مئة يوم الأولى من عمرها أن تكمل أربعة من شروطها وأن تبدأ العمل مع 23 وعدا أخرى، إلا أنها لم تبدأ العمل مع 83 وعدا آخر[1].

إدراج عمل مكتب الرئيس إلى الرئاسة، توقيع الاتفاقية الأمنية مع أمريكا، رفع حضر العمل على مراسل “نيويورك تايمز”، وتوقيع قانون الوصول إلى المعلومات وإجراءها، هي أربعة وعود تم تنفيذها[2].

الوضع الأمني

أثناء الحملات الانتخابية، وعد كل من المرشحين بتوقيع الاتفاقية الأمنية مع أمريكا والناتو، وهو ما تم بالفعل بعد حفلة تنصيب الرئيس بـ24 ساعة. يرى بعض المحللين أن هذه الخطوة عززت وتيرة الاضطرابات الأمنية في أرجاء البلد، وفي كابول العاصمة فقط وقعت أكثر من عشرة تفجيرات دامية بعد تشكل الحكومة الائتلافية.

وهذه الموجة من الاضطرابات لا زالت مستمرة، وقد قُتل خلال مئة يوم من عمل الحكومة وعلى إثر عمليات قوات الناتو، وعمليات طائرات بلا طيّار، وفي هجمات المعارضة المسلحة، مئات من المدنيين، وهنا نسرد بعض أمثالها:

ففي 27 من ديسمبر 2014م، قُتل خمسة مدنيين في ولاية لوكر على إثر عمليات قوات الناتو وجُرح عدد آخر[3]. وهكذا في 11 من ديسمبر، 2014م، قامت القوات الأجنبية بتنفيذ قصف جوي على تلامذ مدرسة في ولاية بروان وقتلت خمسة مدنيين[4].

وفي عشرة أيام الأولى من تشكيل الحكومة، وقعت في العاصمة الأفغانية كابول، 12 تفجيرا أسفرت خسارة كبيرة في أرواح المدنيين.

وفي ولاية كونر فقط، نفذت القوات الأفغانية عمليات عسكرية، قُتل فيها ما يقارب 30 مدنيا، وجرح 70 آخرون[5].

الفساد الإداري وملف بنك كابول

إن ملف آخر فتحه أشرف غني فور تسلمه سدة الحكم هو ملف بنك كابول. ونتيجة لفتح هذا الملف وموقف أشرف غني الواضح تجاه الفساد الإداري قررت “منظمة النزاهة الدولية”، في تقريرها السنوي أن تنزل أفغانستان من المكانة الأولى للفساد على مستوى العالم إلى الدرجة الرابعة[6]. مع أن النيابة العامة أصدرت تصريحها بهذا الشأن، ولكن المبالغ المضيّعة (800 مليون دولار)، من “البنك”، بقيت غير محصولة، ولم يلق القبض على متهمي القضية أيضا.

يرى المحللون بأن زعماء “حكومة الوحدة الوطنية”، قضوا الفترة الماضية من عمر الحكومة في نزاعات وخلافات بينهم، وأن هذه الخلافات لا زالت موجودة وهي تلقي بظلالها قويا على مجرى الأمور مستقبليا أيضا، ومن جهة وبسبب الضعف الإداري ظهرت في البلد حالة من انعدام الثقة على هؤلاء.

السياسة الخارجية

وفي مئة يوم الأولى من عمر الحكومة، انعقدت جلسات هامة بشأن أفغانستان، وكان توقيع الاتفاقيات الأمنية من أهم ما قامت به الحكومة، وكان موقف أشرف غني الليّن تجاه الغرب مقارنة إلى الرئيس السابق كرزاي تغييرا ملموسا في السياسة الخارجية.

ولكن إضافة إلى ذلك، كانت لزيارات إقليمية قام بها الرئيس الأفغاني من أجل تحسين العلاقات الثنائية ذات أهمية كبيرة. فانعقاد جلسة “مشروع إسطنبول”، الجسلة الثامنة عشرة لمنظمة سارك، جلسة وزراء الخارجية للناتو، ومؤتمر لندن كانت من أهم جلسات عُقدت بشأن أفغانستان، كانت نتائجها أقل من المتوقع.

السلام ودول المنطقة

لو ننظر إلى زيارات أشرف غني الخارجية، ندرك أنه يعطي أهمية كبيرة للدول الجارة والدول الإسلامية ويريد عبر ذلك، أن يعزز استقرار بلده. ولكن هل هو ناحج في خطته هذه؟ هو سؤال لا تكفي مئة يوم الأولى من حكمه أن توفر الإجابة الكافية. فلو ننظر إلى ظاهر الأمور في خارجية أشرف غني، نرى لها نجاحات في هذا المجال.

بما أن أشرف غني ينظر إلى السلام كأولية ملحة لبلده، فإنه وفور وصوله إلى كرسي الرئاسة بدأ محاولات جادة لتوسيع العلاقة مع اللاعبين اللإقليميين (تركيا، والسعودية، والصين وباكستان).

قام أشرف غني بزيارته إلى السعودية حسب تعهده للعمرة، ولكنه التقى في زيارته تلك مع شهزاده سلمان بن عبد العزيز آل سعود وزير الدفاع السعودي وتحدث معه حول عملية السلام الأفغانية، لأن السعودية لها دور مهم في هذه العملية وفي محادثات السلام مع طالبان.

وزار طيب أوردوغان الرئيس التركي أفغانستان في زيارة بعد خمسة عقود في هذا المستوى. ولتركيا دور ريادي في أفغانستان، لأنها من جانب أرسلت قواتها إلى أفغانستان في إطار الناتو، ومن جهة أخرى لم تشارك في عمليات عسكرية ضد المعارضة المسلحة، ولذلك تقدر حركة طالبان هذا الموقف التركي، ويكون لدور تركيا أهمية كبيرة في أفغانستان.

إلى جانب هذا، إن لتركيا علاقات جيدة مع كل من السعودية، والصين وباكستان، وهي دول بشكل عام يمكنها أن تلعب دور الوساطة في محادثات السلام بين الحكومة الأفغانية وحركة طالبان. وعلى أساس هذه الحقيقة، تريد الحكومة الحالية أن تعزز علاقاتها مع هذه الدول.

وبالنظر إلى الرقي الاقتصادي في الصين، قام أشرف غني بأول زيارة خارجية رسمية إلى الصين. وفتح في زيارته بابا جديدا من العلاقات مع هذه الدولة، وحاول إرساء بنية قوية للعلاقات الثنائية بين البلدين.

وكانت لهذه الزيارة أهمية كبيرة في مجال عملية السلام، وفيها أظهر الجانب الصيني رغبة في إحداث مؤتمر من مندوبي الحكومة الأفغانية والباكستانية وحركة طالبان. وحتى اللحظة –حتى بعد بضعة أسابيع من زيارة أشرف غني إلى الصين-، زار وفد من حركة طالبان يرأسه قاري دين محمد حنيف إلى الصين وتبقى تفاصيل الزيارة غير معلنة.

وفي الفترة الماضية من عمر الحكومة شارك الرئيس الأفغاني في الجلسة الرابعة من “مشروع إسطنبول”، حضرها مندوبو 14 دولة فيها إيران، وباكستان والهند، وقال في كلمته: “مهمتنا الأولى هي السلام، ونريد من المعارضة السياسية، وخاصة من حركة طالبان، أن تشارك في عملية تفاهم بين الأفغانية، وأطلب من المجتمع الدولي أن يساعد أفغانستان في عملية السلام”.

وبعد زيارته إلى حليفين استراتيجيَيْن لباكستان (السعودية والصين)، قام أشرف غني بزيارة رسمية إلى باكستان نفسها، ووضع فيها أساسا لعلاقات ثنائية حسنة، وحاول تقليص وتيرة انعدام الثقة الموروث من أيام حكم كرزاي. ومن أجل بناء الثقة قدّم أشرف غني للجانب الباكستاني تنازلات أيضا، يمكن أن نسرد منها فسخَ اتفاقية شراء الأسلحة من الهند، والاتفاقَ على تدريب القوات الأفغانية من قبل باكستان، وتقليصَ الإتاوة على نقل الكهرباء من طاجكستان إلى باكستان عبر أفغانستان. وتعهدت باكستان بدورها بإزالة القلق الأفغاني في نقل الأمتعة التجارية، وهناك خطوات إيجابية رفعت في هذ المجال.

النتيجة

مع أننا لا نستطيع أن نحكم على نجاح أو فشل الحكومة في مئة يوم الأولى من عمرها، إلا أننا وبالنظر إلى هذه الفترة ندرك مدى القوة والضعف في إدارة هذه الحكومة. ففي هذه الفترة لم يظهر أثر للمشارع الإصلاحية التي وعدها كل من الرئيس الأفغاني والرئيس التنفيذي، فيمكن لنا القول إن الحكومة الائتلافية لم تنجز إنجازا يذكر وأن مستقبلها يبدو غامضا أيضا.

من جهة أخرى حاول أشرف غني في هذه الفترة تعزيز العلاقات مع الصين، والسعودية، وتركيا، ودول غربية، لأن هذه الدول يمكنها أن تلعب دورا حيويا في عملية السلام الأفغانية.

مع أن الحكومة الائتلافية كانت لها نجاحات في السياسة الخارجية، إلا أنها لم تعر اهتماما لائقا للقلق الهندي المتزايد. وكانت علاقات كابول مع الهند جيدة أيام كرزاي، ولكنها الآن تشعر بقلق على مليارات الدولار من استثمارها في أفغانستان كما أنها تشعر بقلق من الاقتراب الأفغاني الباكستاني، أن يكون ضد مصلحة الهند. فعلى الحكومة الأفغانية أن تراعي توازنا في علاقاتها مع الهند وباكستان، لأن أفغانستان وبتعبير أمير شير علي أحد ملوكها بلد مثل الميزان، إذا مال إلى جانب خسر جانبا، وإضافة إلى ذلك يصبح ميدانا للحرب النيابية أيضا. النهاية

[1] 100-Day Performance Report National Unity Gov’t, a report by sadroz.af. see it online: http://sadroz.af/docs/report-en.pdf

[2] المصدر السابق

 [3] NATO Airstrike Kills 5 in logar, Tolo News, 27 Dec 2014, see it online: http://www.tolonews.com/pa/afghanistan/17617-nato-airstrike-kills-5-in-logar

[4]  see it online: http://www.1tvnews.af/ps/news/afghanistan/14034-2014-12-11-07-35-19

[5] see it online: http://www.tolonews.com/fa/afghanistan/17695-ana-soldiers-held-on-helmand-wedding-party-attack

[6]  لمزيد من المعلومات راجعوا الرابط التالي:

http://www.transparency.org/country#AFG

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *