طالبان في الصين!
كشفت صحيفة “ذا نيوز انترنيشنل” الباكستانية، يوم الخميس من الأسبوع الماضي بأن وفدا مشكلا من شخصين لمكتب طالبان في قطر، يرأسه قاري دين محمد حنيف سافر إلى الصين وأجرى محادثات مع المسؤولين الصينيين.
وفيا لم يشمل الخبر تفاصيل هذه المحادثات، فجّر جدلا حادا، أخذ البعض إلى القول بأن هذه الزيارة جاءت بوساطة من “آي ايس آي” الباكستانية، وادعى البعض أن طالبان طلبوا ولاية تكون ملاذا آمنا لهم!!
خلفية هذه الزيارة
لقد كان عام 2014م، عاما مهمّا وحافلا لأفغانستان. ومنذ بدايته كان من المقرر أن تُجرى فيه الانتخابات وأن تتحول مسؤولية القوات الأجنبية من المهمة القتالية إلى تدريب وإعطاء مشورة للقوات الأفغانية.
وكانت الدول الجارة ودول المنطقة قلقة تجاه الأوضاع الأفغانية، وعندما انتقلت الانتخابات الأفغانية على إثر التزوير إلى جولة ثانية، كانت علائم أزمة قادمة معلومةً جدا. من جهة أخرى لم تنل الحرب الأمريكية طيلة 13 سنة أهدافها. ففي ظروف فشلت أمريكا أن ترسيء نظام حكم سياسي وعسكري مستقر في أفغانستان، أقلق الأمر الدول الجارة التي تحس بالخطر المباشر من قبل أفغانستان، وقررت الاقتراب من حركة طالبان ومعرفة رؤية الحركة تجاه المستقبل الأفغاني.
وكانت تحولات الشرق الأوسط مصدرا آخر لقلق دول المنطقة، ونتيجة لانسحاب أمريكا من العراق ظهرت مجموعة أخرى أكثر تطرفا من تنظيم القاعدة. وترى دول المنطقة بأن استمرار الحرب وإن كان يضعّف قدرات حركة طالبان، فإنه يوفر الأرضية أكثر لمجموعات أكثر تطرفا مثل “الدولة الإسلامية”، لأن جذور كل هذه الاضطرابات تنتهي إلى التربة الأفغانية إلى حد ما.
وليست هذه أول زيارة لوفد من حركة طالبان إلى الصين، فإن الحركة وحتى قبل فتح مكتبها في قطر كانت على صلة مع الصين، وعندما عقدت الصين مع أفغانستان اتفاقية “نحاس عينك”، زار وفد من الحركة الصين.
دور الصين في إحلال السلام في أفغانستان
بعد توليّه الرئاسة الأفغانية، وفي زيارة خارجية ثانية بعد السعودية، قام أشرف غني بزيارة إلى الصين، وفي لقائه مع المسؤولين الصينيين أبدى أملا بأن يقوم الجانب الصيني بوضع ضغط على باكستان لتلعب الأخيرة دورا إيجابيا في عملية السلام الأفغانية، وبدورهم تعهد الصينيون بالتعاون في هذا المجال.
وجاءت زيارة وفد طالبان بدعوة غير رسمية من قبل المسؤولين الصينيين، وكان هدفهم من وراء ذلك، معرفة رؤية طالبان لأفغانستان بعد الانسحاب الغربي عام 2016م. مع أن الإعلام الأفغاني أقدم على نشر شائعات حول مطالب لطالبان في هذه الزيارة إلا أنها تبقى في إطار التكهن وليس أكثر من ذلك، لأن أعضاء هذا الوفد غير دين محمد حنيف غير معلومين، فكيف للإعلام أن يصل إلى تفاصيل المحادثات؟!
ومع ذلك يمكن لنا أن نشعر تحولات كثيرة في مواقف الجهات المشاركة في الأزمة الأفغانية. فإن حركة طالبان تطمئن الدول الجارة بأنها لا تسمح لأحد أن يستغل الأراضي الأفغانية ضدها. فإن هذا الإعلان يأتي في سياق واحد مع الإعلان الأمريكي الذي صرح بأن أمريكا سوف لا تستهدف طالبان ولا زعيمها الملا محمد عمر بعد عام 2014م، فيما كفّت الحركة عن المساس بالمصالح الأمريكية.
استغلال التجارب الماضية
على حركة طالبان أن تتعلم من تجارب المجاهدين الأفغان بعد انسحاب القوات السوفيتية من أفغانستان. فعندما أخرجت الاتحاد السوفيتي قواتها من أفغانستان عام 1989م، واجه المجاهدون الأفغان عدة مشاكل، كان على رأسها التالي:
- تفرقَ المجاهدون إلى فصائل مختلفة وحتى متناحرة وفقدوا وحدة الرأي.
- لم يرَ المجاهدون الأفغان أي دور لحكومة نجيب في مستقبل البلد.
- كان المجاهدون يرون إلى جيش البلد، قوة معادية ينبغي انحلالها.
- لم يشارك المجاهدون في المفاوضات بين الروس، وأمريكا وحكومة كابول، بل شاركت باكستان نيابة عنهم في مفاوضات جنيف.
- لم تكن لدى المجاهدين رؤية شاملة حول تغيير كان يأتي على إثر سقوط حكومة نجيب، ورغم تواجد فرصة كبيرة أمامهم لإعداد أنفسهم، فوجئوا بالأمر.
- ظن المجاهدون أنهم خدموا الغرب بما يكفي، وأن الغرب سوف يقف بجنبهم، وهذا كان تصورا خاطأ.
- كانت الحرب الباردة قد انتهت، إلا أن قادة المجاهدين كانوا يرون إلى الأمور بمعايير فترة الحرب الباردة.
ولم تكن التغييرات الإقليمية لصالح الأفغان أيضا. ومنها كان انهيار الاتحاد السوفيتي السريع والمفاجيء كطرف أصلي في اتفاقيات جنيف.
من جهة أخرى لم ترغب الدول الجارة في حل أزمة أفغانستان، بل كل دولة هرولت نحو استمرار حرب نيابية في هذا البلد.
على هذا الأساس، لم يتمكن المجاهدون أن يصلوا إلى تفاهم مشترك بينهم بعد سقوط حكومة د. نجيب وأصبحت أفغانستان ميدان مصارعتهم على الحكم.
ولذلك يريد طالبان أن يدخلوا مباشرة على خط المفاوضات مع أمريكا، وأعلنوا أنهم لا يريدون احتكار السلطة وأعلنوا عن استعدادهم للمفاوضات والتفاهم لحل أزمة أفغانستان، ويرون أهمية لدور الدول الجارة في هذه الوساطة أيضا.
إن وحدة القيادة سمة بارزة لحركة طالبان، تميزها حتى الآن من المجاهدين، وهم لا يرفضون دور الحكومة الأفغانية في مستقبل البلد، بل يميلون إلى شراكة في السلطة. وعلى رأس كل ذلك، قد تتعلم حركة طالبان الكثير من تجارب المجاهدين. هذه المعطيات كلها معالم إيجابية للوصول إلى السلام والاستقرار في هذا البلد المفجوع. النهاية