مؤتمر بروكسل: إنجازات الحكومة الأفغانية وتعهدات المجتمع الدولي
عُقد مؤتمر بروكسل لدعم أفغانستان في مدينة بروكسل عاصمة بلجيكا في الرابع والخامس من أكتوبر/2016.
يُعد هذا المؤتمر أهم مؤتمرات المجتمع الدولي حيال أفغانستان بعد مؤتمر لندن (2014). تعهَّدَ المجتمع الدولي في هذا المؤتمر بدعم أفغانستان بمبلغ 15.2 مليار دولار حتى عام 2020م. وقد نُشرت تقارير قبل انعقاد المؤتمر تفيد أن الاتحاد الأوروبي اشترط لدعم أفغانستان أن تتخذ حكومة الوحدة الوطنية الخطوات اللازمة لإرجاع آلاف الأفغان الذين لجؤوا إلى أوروبا إلى بلدهم، إلا أن رئيسة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي فدريكا موجريني نفت صحة هذه التقارير وصرحت بأنه حسب رؤية الاتحاد الأوروبي لا يوجد ارتباط بين دعم أفغانستان وقضية اللاجئين.
يتناول هذا المقال تحليلاً لخلفية المؤتمرات الدولية المنعقدة حيال أفغانستان، وأهمية مؤتمر بروكسل لأفغانستان وتأثيرات هذا المؤتمر على الوضع السياسي والاقتصادي بالبلد وإنجازات الحكومة في هذا المؤتمر.
المؤتمرات الدولية المنعقدة حيال أفغانستان
خلال العقد والنصف الماضي انعقدت عدة مؤتمرات دولية حيال أفغانستان، وبعد سقوط حكومة طالبان بأفغانستان أُسست الحكومة الجديدة بالبلد في مؤتمر دولي (مؤتمر بُن الأول).
انعقد مؤتمر بن الأول في مدينة بُن بألمانيا أواخر عام 2001م حيث دار النقاش في هذا المؤتمر حول تشكيل الحكومة الجديدة بأفغانستان واستلامها للسلطة.
وانعقد مؤتمر طوكيو في يناير/2016م والتزمت الدول المشاركة في المؤتمر بتقديم دعم قدره 5.4 مليار دولار من أجل إعادة إنشاء أفغانستان.
في مارس/2004 انعقد مؤتمر برلين وفيه تعهد المجتمع الدولي بتقديم 8 مليار دولار لإعادة إنشاء أفغانستان ومن جانبٍ آخر حظيت الانتخابات الرئاسية الأفغانية بدعم وتأييد المجتمع الدولي في هذا المؤتمر.
في مؤتمر لندن المنعقد في فبراير/2006م دُعمت أفغانستان بمبلغ قدره 10 مليار دولار لإنشاء البلد وتحسين وضعه الأمني وترسيخ أقدام الحكومة. شارك في هذا المؤتمر أكثر من 70 دولة ومنظمة عالمية ووُقعت أهم وثيقة بين أفغانستان والمجتمع الدولي (اتفاقية أفغانستان). وبناء على هذه الوثيقة التزمت أفغانستان بإيجاد إدارات شفافة والاهتمام بحقوق الإنسان ومكافحة الفساد الإداري.
في مايو/2007 انعقد (مؤتمر أفغانستان العالمي) في مدينة روما عاصمة إيطاليا وكان موضوع المؤتمر دراسة حاكمية القانون بأفغانستان وتعديل هيكلة التشكيلات العدلية والقضائية بالبلد.
انعقد مؤتمر باريس في يونيو/2008 من أجل طرح برامج حكومة أفغانستان لخمس سنوات، والتزم مندوبو الدول المشاركة في المؤتمر بدعم أفغانستان بمبلغ قدره 10 مليار دولار.
في موسكو انعقد مؤتمر عالمي تحت عنوان (أزمة أفغانستان؛ وطرق التطوير المتاحة) بتاريخ 8/مارس/2016، وتباحث المشاركون حول محاربة الإرهاب وتهريب المخدرات وموضوعات أخرى مرتبطة بمشاكل البلد.
في 31/مارس/2009 انعقد مؤتمر لاهاي العالمي بمدينة لاهاي عاصمة هولندا الثانية لأجل أفغانستان وشارك بالمؤتمر أكثر من 70 دولة ومنظمة عالمية، وكان من أهم أهداف المؤتمر إعادة إنشاء أفغانستان وترسيخ الأمن بالبلد.
في يوليو/2010 انعقد مؤتمر كابل الدولي وشارك فيه مندوبو أكثر من 70 دولة داعمة ومنظمات عالمية وإقليمية ومؤسسات مالية عالمية. ركّز المؤتمر على تحسين سياسة وحكم البلد ومكافحة الفساد الإداري والاهتمام بحقوق الإنسان.
في إسطنبول بتركيا انعقد مؤتمر عالمي آخر تحت مسمى (الأمن والتعاون بقلب آسيا) في نوفمبر/2011 وتم التباحث في المؤتمر حيال الخطط العملية في مجالات التطور الاقتصادي والأمني بأفغانستان بعد عام 2014.
انعقد مؤتمر بُن الثاني في 5/ديسمبر/2011 بمدينة بن الألمانية وشارك في المؤتمر أكثر من 85 دولة و 15 منظمة عالمية، والتزم المجتمع الدولي بالاستمرار بدعم أفغانستان بعد خروج القوات الدولية من البلد لمدة لا تقل عن عشر سنين.
في يومي 20 و 21 من شهر مايو/2012 انعقد مؤتمر شيكاغو العالمي بولاية إلينوي الأمريكية وشارك في المؤتمر قادة أكثر من 50 دولة واتفق فيه رؤساء الناتو بدعم سنوي قدره 4 مليار دولار يُقدم للقوات الأمنية الأفغانية ومن أجل تفويض المسؤولية الأمنية لكافة أنحاء البلد للقوات الأفغانية في منتصف عام 2013.
انعقد أيضا مؤتمر طوكيو في يوليو/2012 وتعهد فيه المجتمع الدولي بدعم حكومة أفغانستان بـ 16 مليار دولار يُقدم خلال أربع سنوات تشمل عاميْ انتقال السيطرة الأمنية من القوات الدولية إلى الحكومة الأفغانية.
بشكلٍ عام كان لهذه المؤتمرات وجميع المؤتمرات العالمية المنعقدة حيال أفغانستان أبعاد اقتصادية وأمنية. المؤتمرات المنعقدة قبل 2010 ركزت على إعادة إنشاء أفغانستان وبعدها ركزت المؤتمرات على تفويض المسؤوليات الأمنية للأفغان والحالة الأمنية بعد خروج جزء كبير من القوات الدولية من أفغانستان. بالنسبة لأفغانستان اكتسبت كل هذه المؤتمرات أهمية كبرى.
حكومة الوحدة الوطنية ومؤتمرا «وارسو» و «بروكسل»
بعد تشكيل حكومة الوحدة الوطنية انعقد مؤتمر لندن (2014) لأجل أفغانستان، وقدمت فيه الحكومة الأفغانية أطروحاتها لتطوير البلد مما حاز ترحيبا حارا من الدول الداعمة لأفغانستان. في مؤتمر لندن أكدت 59 دولة على دعمها لأفغانستان ولعملية إحلال السلام تحت قيادة الأفغان.
يُعتبر مؤتمرا «وارسو» و «بروكسل» أهم مؤتمرين حيال أفغانستان بعد مؤتمر لندن. نجحت الحكومة الأفغانية في مؤتمر وارسو أن تحصل على التزام المجتمع الدولي بدعم أفغانستان بمبلغ قدره 5 مليارات دولار حتى عام 2020. الفارق الأساسي بين هذين المؤتمرين هو أن مؤتمر وارسو يركز أكثر على القطاع الأمني والقوات الأفغانية في حين أن مؤتمر بروكسل يبحث قضايا إعادة إنشاء أفغانستان والتطور الاقتصادي والمكافحة ضد الفساد الإداري والاعتناء بحقوق الإنسان.
علقت حكومة الوحدة الوطنية آمالها على هذين المؤتمرين، حيث أن الحكومة كانت ولاتزال بحاجة إلى دعم المجتمع الدولي والتزامات الدول الداعمة بتقديم المساعدات لبرامج الحكومة الاقتصادية وتمويل القوات الأفغانية حتى عام 2020.
إنجازات الحكومة في مؤتمر بروكسل
عُقد مؤتمر بروكسل الأخير بمشاركة مندوبي نحو 70 دولة و 30 منظمة ومؤسسة عالمية من أجل دعم أفغانستان خلال السنوات الأربع القادمة.
أعلن قادة حكومة الوحدة الوطنية في هذا المؤتمر عن استراتيجية (البرنامج الوطني للسلام ونمو أفغانستان) بدلاً عن استراتيجية (النمو الوطني بأفغانستان) والتي استمرت من 2004 إلى 2008 ومن 2009 حتى 2013. البرنامج الوطني للسلام ونمو أفغانستان يرى امتلاك الميزانية أصلاً مهماً لتنظيم سياسات الحكومة الكبرى، ووافق المجتمع الدولي كذلك أن ينظم دعمه المالي خلال السنوات الأربع وفق هذا البرنامج وأن يحول دون وقوع نقص في الميزانية خلال هذه المدة.
بالإضافة لما ذُكر، قدمت حكومة الوحدة الوطنية تقريراً إلحاقياً بالتزامات مؤتمر لندن. قدمت الحكومة الأفغانية في مؤتمر لندن تعهدات حيال تحسين الحكم والسياسة والمكافحة ضد الفساد الإداري والتزاماتٍ أخرى، ووضحت الحكومة في مؤتمر بروكسل إنجازاتها في زيادة الدخل ومكافحة الفساد الإداري والتحسن الاقتصادي وعملية السلام، ويتصدر أهم هذه الإنجازات اتفاقية السلام الجديدة مع الحزب الإسلامي.
ذكرت الحكومة في سياق حديثها عن الإنجازات في مجال مكافحة الفساد الإداري وتحسين سياسات الحكومة نماذج مثل إعفاء 600 قاضي في كل المحافظات وإعفاء 20 مدعي و 25% من موظفي الجمارك، ومصادرة جوازات سفر أكثر من 100 من كبار المسؤولين وتسجيل ممتلكات 95% من ذوي المناصب الحكومية العليا وتسجيل 6000 عقار والمصادقة على 1250 عقد وتوفير 220 مليون دولار من قِبل اللجنة الوطنية للمشتريات.
ومن إنجازات الحكومة المذكورة بصدد عجلة النمو الاقتصادي بدء أعمال مشروع TAPI وتوقيع اتفاقية مشروع تاب-500 للطاقة بين تركمستان وأفغانستان وباكستان، وافتتاح مشروع كاسا-1000 للكهرباء وتوقيع اتفاقية جابهار وبدء العملية التجارية عبر سكة الحديد بين الصين وأفغانستان.
في عام 2015 ولأول مرة نظراً للأعوام السابقة زاد دخل الحكومة الأفغانية عن الهدف المحدد من قِبل صندوق النقد الدولي. عين صندوق النقد الدولي مقدار 2 مليار دولار كهدف لدخل الحكومة لعام 2015، إلا أن الحكومة في هذا العام جمعت إيرادات بلغت 2155 مليون دولار وهكذا زاد الدخل الحكومي بنسبة 22.4% عن دخل الحكومة عام 2014، حيث بلغ دخل الحكومة في عام 2014 نحو 1790 مليون دولار.
وفي مجال حقوق المرأة يُذكر أن ثلاث وزيرات و 9 نائبات للوزراء ووالية لإحدى الولايات ونائبة المدعي العام ونائبة رئيس المجلس الأعلى للسلام وعضوتيْن من أعضاء هذا المجلس وأربع سفيرات يعملن في تشكيلة الحكومة.
وفيما يتعلق بالوضع الاقتصادي والبنية التحتية تم افتتاح سد سلما بمدينة هرات بسعة إنتاج 42 ميقا واط من الطاقة وتمديد المياه لـ 40 ألف هكتار من الأراضي. يُذكر أيضا أن قدر الاستثمار الخارجي في عام 2014 بلغ 51 مليون دولار، وفي عام 2015 بلغ قدر الاستثمار الخارجي 170 مليون دولار. بالإضافة إلى ذلك بُذلت جهود من أجل تطوير القطاع الخاص وجعله مسهما في اقتصاد الدولة.
نظرا لاستعدادات الحكومة لمؤتمر بروكسل وخاصة وزارة المالية نجحت حكومة الوحدة الوطنية في الحصول على دعم من المجتمع الدولي قدره 15.2 مليار دولار حتى عام 2020. تعهدت كل من بريطانيا والهند بتقديم دعم قدره مليار دولار، والتزمت الصين بتقديم 900 مليون دولار وتركيا بـ 600 مليون دولار وباكستان بـ 500 مليون دولار والسعودية بـ 100 مليون دولار والنرويج بـ 78 مليون دولار.
تأثيرات مؤتمر بروكسل على حالة البلد
تعتمد حكومة أفغانستان في توفير مصاريفها على المساعدات الدولية، لذا يُعتبر هذا المؤتمر ذا أهمية بالغة لحكومة الوحدة الوطنية في المجالات الاقتصادية والأمنية.
يُذكر أن التعهدات المُقدمة من الدول الداعمة لأفغانستان في مؤتمر طوكيو /2012 انقضت، والحكومة الأفغانية بحاجة إلى دعم مالي من المجتمع الدولي حتى عام 2020، لذا اكتسب مؤتمر بروكسل أهمية حياتية لاستمرار حكومة الوحدة الوطنية، والحكومة الأفغانية بدأت استعداداتها للمؤتمر منذ مدة طويلة.
في مؤتمري وارسو و بروكسل قدم المجتمع الدولي دعمه لأفغانستان في المجال السياسي والأمني والاقتصادي ويُعتبر هذا الدعم مصدر دخل للحكومة حتى عام 2020. بحصولها على هذا الدعم، ترتقب حكومة الوحدة الوطنية آفاقاً واسعة من التطور.
النهاية