إلى أين يتجه الوضع الأمني في أفغانستان؟
منذ عدة أشهر هناك تدهور بالحالة الأمنية بالبلد، وحوادث مدن هلمند و آروزكان و كندوز أمثلة شاهدة على هذا التدهور.
بعد سنة تحديدا من سقوط ولاية كندوز بأيدي حركة طالبان، سقطت المدينة مرة أخرى (ما عدا المطار) بأيدي الحركة في أثناء سفر قادة حكومة الوحدة الوطنية إلى مدينة بروكسل للمشاركة بمؤتمر بروكسل للحصول على دعم دولي لأفغانستان. تزامن ذلك مع اشتداد حدة الحرب بولاية بغلان حيث وصلت قوات حركة طالبان إلى أبواب مركز الولاية (بولي خمري).
رغم أن جهود حركة طالبان للسيطرة على كندوز ظهرت كمحاولة للتظليل على موقف الحكومة الأفغانية بمؤتمر بروكسل، إلا أن كثيرا من المحللين يعتقدون أن المسافة بين الحكومة والمواطنين كانت عامل نجاح حركة طالبان في مسعاها.
تقرؤون في هذا المقال تحليلا للوضع الأمني الحالي بالبلد، والتغييرات في الخطط القتالية لتنظيم طالبان ومصير الحالة الأمنية التي تتجه إليها البلد.
التغييرات في الخطط القتالية لدى حركة طالبان
في تاريخ 28/سبتمبر/2015 سيطرت حركة طالبان ولأول مرة خلال 15 سنة مضت على مدينة كندوز. برز خبر ذاك الحدث وتصدر عناوين الصحافة المحلية والعالمية واعتُبر كتهديد جاد.
أجرت الحكومة بعدها عمليات نوعية لاستعادة السيطرة على مدينة كندوز؛ إلا أن استعادة المدينة لم تحصل إلا خلال أسبوعين، وكان ذاك القتال أول قتال بين حركة طالبان والحكومة الأفغانية في مدينة استراتيجية بأفغانستان. سقوط كندوز كان بداية تغييرات الخطط القتالية للحركة؛ حيث أنها بسيطرتها على مدينة كندوز بدأت تنتهج محاولاتٍ للسيطرة على المدن ومن جانب آخر بسطت تحكمها على المناطق الداخلة تحت سيطرتها.
قبل سقوط كندوز اعتادت حركة طالبان أن تشن حروب عصابات ضد القوات الأفغانية والدولية؛ حيث كانت تنظم الحركة عمليات تفجير وترسل مقاتليها للهجوم على بعض المناطق في المدن الرئيسية دون اعتزام السيطرة على تلك المناطق؛ إلا أن حركة طالبان بعد أحداث كندوز صارت تركز على السيطرة على المناطق وتحكيم نفوذها فيها. وبالتالي خلال العام الماضي تغيرت تكتيكات حركة طالبان من الدفاع إلى الهجوم ومن جانبٍ آخر اتسعت رقعة الحرب وتخطت القرى والأماكنَ النائيةَ إلى المدن ومراكزها.
استراتيجية القوات الأمريكية بأفغانستان
مباشرةً بعد تشكيل حكومة الوحدة الوطنية في 2014 وقعت الحكومة الأفغانية اتفاقية أمنية مع الولايات المتحدة الأمريكية والناتو، ووفقا للاتفاقية يبقى 9800 جندي أمريكي و 2000 جندي من الناتو بأفغانستان، ثم ينتصف هذا العدد في 2016. إلا أنه تم إيقاف هذه الخطة عندما زار الرئيس الأفغاني والرئيس التنفيذي الولايات المتحدة الأمريكية في مارس/2015، حيث وافق أوباما على إبقاء 9800 جندي حتى 2015. وعقب سقوط مدينة كندوز غير أوباما سياسته مجددا وصرح بأنه سيُبقي 9800 جندي أمريكي في أفغانستان حتى نهاية عام 2016 وسيخفض هذا العدد إلى 5500 في الشهر الأول من عام 2017. ومؤخرا في يوليو 2016 أعلن أوباما أن عدد الجنود الذين سيبقون بأفغانستان حتى نهاية عام 2016 سيكون 8400 جندي.
في عام 2015 أخذ الوضع الأمني بأفغانستان يسوء، حيث أن الحالة الأمنية زعزعت سياسة الولايات المتحدة الأمريكية تجاه أفغانستان، ومن جانبٍ آخر دلت على ضعف القوات الأفغانية. قبل مدةٍ في مؤتمر وارسو تعهد المجتمع الدولي بدعم قوات الأمن الأفغانية حتى 2020. في الوقت ذاته وبتزامنٍ مع اشتداد حدة الحرب في ولايتي هلمند وكندوز وتدهور الوضع الأمني في البلد أرسلت الولايات المتحدة الأمريكية – على خلاف سياستها السابقة – قواتٍ جديدة إلى هلمند ومن جانبٍ آخر زادت هجماتها الجوية والتي أدت إلى مقتل وجرح العديد من المواطنين بالولايات الشرقية بأفغانستان. تضخُّم دور القوات الأجنبية في ميادين الحرب سيؤدي مرة أخرى إلى تعزيز معنويات مقاتلي تنظيم طالبان.
وضع البلد الأمني في 2016
حاليا تمر أفغانستان بأسوأ حالاتها الأمنية مقارنة بالعام والنصف الماضي. وفق تقرير الأمم المتحدة فإن القتال المسلح في مايو و يونيو و يوليو زاد بنسبة 14.7% عن الأشهر الثلاث الأولى لهذه السنة وشنت حركة طالبان هجماتٍ دامية في هلمند و جوزجان و كندوز و تخار و آروزكان وبعض الولايات والمديريات الأخرى بالبلد خلال هذه الأشهر الثلاثة، وبالتالي واجهت القوات الأفغانية تحدياتٍ صعبة وسقطت بعض المديريات ومدينة كندوز بيد تنظيم طالبان.
بين 20/مايو و 15/أغسطس أعلنت الأمم المتحدة وقوع 5996 حدث أمني مما يشير إلى زيادة بنسبة 4.7% مقارنة بمدة مماثلة في 2015. يُضاف إلى ذلك تسجيل 268 حالة اغتيال فشلت منها 40 محاولة.
على صعيدٍ آخر تحرك تنظيم داعش مرة أخرى بعد هزيمة نسبية في الولايات الشرقية وتبنى تفجيراً دامياً في مظاهرة (حركة التنوير) المطالِبة ببعض الحقوق.
ومن جانبٍ آخر وقع الحزب الإسلامي (حكمتيار) اتفاقية سلام مع الحكومة الأفغانية؛ ومع أن هذه الاتفاقية لن يكون لها تأثيرات قوية على الحالة الأمنية بالبلد إلا أنه سيكون لها تأثيرات على الوضع الأمن على المدى البعيد.
واضعين في الحسبان الحوادث الأمنية الأخيرة في البلد وخصوصا أن مدينة آروزكان كادت تسقط وأن مدينة كندوز سقطت للمرة الثانية وبالنظر كذلك في ضحايا الهجمات الجوية للقوات الأجنبية؛ بالإمكان تنبؤ التحديات التي تعترض المستقبل الأمني للبلد.
النهاية