جرائم الحرب المرتكبة من أدعياء حقوق الإنسان
ذكرت المحكمة الجنائية الدولية أنه طبقاً لتحقيقاتها قد ارتكتب الولايات المتحدة الأمريكية جرائم حربٍ في أفغانستان بتعذيبها للسجناء. هذه أول مرةٍ يوضع فيها ملف مرتكبي جرائم الحرب في أفغانستان والتي تشمل جرائم القوات الأمريكية على طاولة المحكمة الجنائية الدولية.
مع أن الولايات المتحدة الأمريكية ليست عضواً في المحكمة؛ إلا أن رعايا أمريكا إذا ارتكبوا جريمة في دولةٍ تُعتبر عضوا في المحكمة، فبإمكان المحكمة أن تتابع القضية، وبما أن أفغانستان عضو في المحكمة الجنائية الدولية، فإن جرائم الحرب المرتكبة من قِبل القوات الأمريكية تدخل ضمن دائرة صلاحيات هذه المؤسسة.
ارتكبت الولايات المتحدة الأمريكية هذه الجرائم في حين تزعم أنها المدافعة عن حقوق الإنسان في العالم وتنتقد الدول الأخرى من أجل انتهاك حقوق الإنسان.
تقرير مجلس الشيوخ الأمريكي
يُعد تقرير مجلس الشيوخ الأمريكي حيال تعذيب السجناء في سجن غوانتانامو المنشور في أواخر 2014 اعترافاً رسمياً من أعلى مرجع تقنيني في الولايات المتحدة الأمريكية بهتك حقوق الإنسان من قِبل هذه الدولة.
بالنظر في تقرير مجلس الشيوخ الأمريكي يتضح أن التقرير اشتمل على النقاط الغير مهمة مقارنةً بحقيقة الجرائم المهولة التي حصلت في هذا المُعتقل والتي لم تُذكر في التقرير. نجد في التقرير ذكراً لأمور مثل التعذيب بالصفع في الوجه، والاحتقار وضرب السجين بالجدار وإبقاء السجين عارياً في الهواء البارد ومنع السجين من النوم والإغراق المصطنع في الماء بنحو يمنعه من التنفس. ذُكرت هذه الأشياء في محاولة لإخفاء أشكال التعذيب الأخطر من هذه الصور.
لا نجد في التقرير أي ذكر للسجناء الذين أقدموا على الانتحار؛ حيث يبلغ عدد الذين انتحروا في معتقل غوانتنامو حتى عام 2012 سبعة سجناء على الأقل وكان آخرهم هو “عدنان عبداللطيف” من اليمن والبالغ من العمر 32 سنة. جمعة محمد الدساري سجينٌ آخر كتب في رسالته المنتشرة عبر وسائل الإعلام: “نحن هنا نواجه أسوأ أنواع الظلم والتعذيب الجسدي”.
أيضا نجد ذكرا لصور التعذيب التي حصلت في غوانتانامو من السجناء الذين تم إطلاق سراحهم وقد نُشرت صور ومقاطع فيديو تُظهر التعذيب. اثنان من المعتقلين الأفغان الذين سُجنوا في غوانتانامو، (عبدالرحيم مسلم دوست) و (الملا عبدالسلام ضعيف) نشروا ذكرياتهم من هذا المعتقل. السجين السابق بمُعتقل غوانتانامو عبدالسلام ضعيف بيّن صور التعذيب المهولة الروحية والجسدية الحاصلة في المُعتقل في كتابه “صورة من مُعتقل غوانتانامو”.
التقرير الأخير الصادر من المحكمة الجنائية الدولية
المحكمة الجنائية الدولية في تقريرها الأخير الصادر في 14/نوفمبر درست قضايا عديدة من جرائم الحرب، وأشارت إلى جرائم الحرب المرتكبة في أفغانستان.
ذكر هذا التقرير أن الجماعات المسلحة المعارضة للحكومة الأفغانية من شهر يناير/2007 حتى شهر ديسمبر/2015 كانت مسؤولة عن مقتل حوالي 17 ألف مدني، بالإضافة إلى ذلك فإن هذه الجماعات شنت هجماتٍ أيضاً على أماكن مصونة مثل المدارس والدوائر الحكومية والمستشفيات والمساجد والمؤسسات الخيرية الإنسانية.
أشارت المحكمة في تقريرها أيضا إلى تعذيب السجناء والاعتداءات الجنسية والمعاملة السيئة مع السجناء وغير ذلك من التعديات المُرتكبة من قِبل أمن الدولة، والشرطة، والقوات الحدودية والشرطة المحلية (الشرطة الشعبية). ذُكر في هذا التقرير أن نسبة 35 إلى 50 في المئة من المحبوسين من أجل قضايا مرتبطة بالحرب يواجهون تعذيباً ومعاملةً سيئة.
فيما يخص جرائم القوات الأمريكية في أفغانستان يذكر التقرير أن القوات العسكرية الأمريكية والعاملين في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية CIA قاموا بتعذيب 88 سجين على الأقل (61 منهم تم تعذيبهم من قِبل الجيش الأمريكي و 27 سجين آخر تم تعذيبهم من قِبل وكالة المخابرات المركزية الأمريكية).
في هذا التقرير الابتدائي ذُكر أن هذه الجرائم ارتُكِبت بين الأعوام 2003 و 2004 عندما كان جورج بوش الرئيس الأمريكي، والجيش الأمريكي تعاملَ مع هؤلاء السجناء بطريقة مشينة وأهدروا كرامتهم.
إخفاء الجرائم الأخطر
في الفترة الأخيرة عندما ساءت العلاقات الروسية الأمريكية حيال القضية السورية، انتقدت سوريا الولايات المتحدة وصرحت بأن الجيش الأمريكي ارتكب جرائم حربٍ في أفغانستان ولم يُحاكَم مرتكبوا هذه الجرائم أبداً وعلى أفغانستان أن تُحاكمهم داخل أفغانستان.
رغم أن المحكمة الجنائية الدولية لم تذكر إحصائيات محددة حيال جرائم الحرب المرتكبة طوال سنوات الحرب وما أعقبها من فترة تواجد القوات الأجنبية في أفغانستان، إلا أن تقريرهم الأخير أشار إلى نماذج محدودة من جرائم الحرب التي ارتكبتها القوات الأمريكية تجاه السجناء الأبرياء.
في الحقيقة ليس الاعتقال وتعذيب السجناء الأبرياء الأفغان الجريمة الوحيدة التي ارتكبتها القوات الأمريكية، بل إن هذه القوات خلال عقدٍ ونصفٍ من الزمن تسببت في مقتل وجرح آلاف الأفغان الأبرياء في الغارات الليلية وغيرها وبين الضحايا كبار السن والأطفال والنساء، واعتقلت القوات الأمريكية كذلك أشخاصاً أبرياء كثيرين قضى بعضهم نحبه خلال التعذيب. كل هذه الجرائم ارتُكبت عمداً وتُحسب ضمن جرائم الحرب وبالإمكان التمثيل لذلك بالقصف الذي حصل على مستشفى أطباء بلا حدود في ولاية كندوز بعد أن زوّد مسؤولو المستشفى القواتِ الأمريكية بإحداثيات موقع المستشفى بشكل دقيق وخلال القصف اتصلوا بقوات التحالف وقالوا لهم: “أنتم الآن تدمرون مستشفى”.
المحكمة الجنائية الدولية عندما أخفت كل هذه الجرائم ولأجل إعادة تحسين سمعتها أرادت إغفال الجرائم التي ارتكبتها القوات الأجنبية في أفغانستان طوال سنين عديدة ومن جانبٍ آخر أرادت إظهار نفسها كمراقبةٍ للأوضاع.
آثار التعذيب والمعاملة السيئة
المعلومات حيال السجناء الذين يتم تعذيبهم في الغالب تكون ناقصة أو خاطئة، ولكن أكثر السجناء بعد إطلاق سراحهم يتحولون إلى أشخاص متشددين. على سبيل المثال، عبدالرحيم مسلم دوست قبل أن يُعتقل من قِبل الأمريكان لم يكن مرتبطا لا بالقاعدة ولا بطالبان. كان تاجر صابون في بيشاور بباكستان وكان في أوقات فراغه يكتب ويترجم الكتب والمقالات. بعد خروجه من سجن غوانتنامو صار تحت مراقبة أمريكا مرةً أخرى، لأنه قبل سنتين كان عضواً مهما من أعضاء الدولة الإسلامية في آسيا الجنوبية تحت قيادة أبي بكر البغدادي. مع أنه فيما بعد انفصل عن التنظيم لأسباب مختلفة.
في الأعوام 2013 و 2014 شبّه الرئيس حامد كرزاي سجن بكرام (قريبا من كابل) بمصنع يُنتج أفراداً يملكون عقلية طالبان وذكر أن احتقار السجناء من قِبل القوات الأمريكية يدفع السجناء لمواجهة البلد.
النهاية