محادثات السلام من الدوحة إلی دبي!
ذاکر جلالي، المراقب السياسي
أعلن الملا أغا جان معتصم رئيس اللجنة السياسية في حرکة طالبان سابقا، عن اجتماع الذي انعقد مؤخرا في دبي، لمناقشة عملیة السلام في أفغانستان. دعا السيد معتصم في إعلانه الذي انتشر بإسم “حركة طالبان أفغانستان” (العنوان الذي يستخدم الطالبان “إمارة أفغانستان الإسلامية” مكانه)، إلى المصالحة والتفاوض، وطالب جميع الجهات السياسية الأفغانية بما فهيم الحكومة الأفغانية الحالية، للجلوس على طاولة الحوار والمفاوضات.
استغل المجلس الأعلى للسلام في أفغانستان، الذي يدخل عامه الخامس منذ تأسيسه، هذا الإعلان كما رحب مجلس الأمن القومي لقصر الرئاسي الأفغاني، واعتبره الموقف الرسمي لطالبان. تقدم المجلس الأعلى للسلام في تفاعله مع هذ الإعلان، خطوة أخری وأرسل وفدا إلى دبي، كي يبدأوا التفاوض مع طالبان، بحد قولهم.
المجلس الأعلى للسلام والمناورات المتكررة
كما كان المتوقع منذ تأسيسه، لم ينجح المجلس الأعلى للسلام في عقد اجتماع أو حتى إيجاد أي اتصال مع المسئولين السياسيين والعسكريين من أدنى المستويات بين طالبان ممن لهم تأثير على الأوضاع الحالي في أفغانستان. وقد استفاد من اشاعة موضوع السلام في وسائل الإعلام دائما، بینما حركة طالبان ترفض التفاوض مع المجلس منذ تأسيسه الذي تعتبره طالبان مؤامرة أمريكية، ومع الحكومة الأفغانية التي تعتبرها طالبان “دمية” في أيدي واشنطن. رفضوا المتحدثون باسم طالبان كل الإدعائات ومقترحات المجلس الأعلى للسلام، المبنية على بدء المحادثات أو إقامة أية علاقة بين المجلس ومجموعة من طالبان.
نظرا إلی جهود الأمريکیة في أفغانستان، حاول المجلس الأعلى للسلام أن تقسم حرکة طالبان إلی عدة مجموعات عن طريق المحادثات. حاول المجلس أن يلعب دورا عن طريق المحادثات مع المفاوضین من الحزب الإسلامي بقيادة المهندس حكمتيار. كلما يتحدث الإعلام عن بدء المفاوضات السلام بين واشنطن و طالبان، وبذلك يشعر الحزب الإسلامي والمجلس الأعلى للسلام أنهما تم تهميشهما في هذه المفاوضات، يصل وفد ممثل للحزب الإسلامي إلى كابول، لكي يقوم مع المجلس الأعلى للسلام بمناورات سياسية، لكي يبدوا أنهما شريكان في محادثات السلام.
لما تحدثت عناوين الأخبار عن وصول ممثلوا طالبان إلى قطر في بداية 2012، جاء ممثلوا السيد حكمتيار مذعورا إلى كابل لأجل بدأ المحادثات مع الحكومة الأفغانية. وبما أن الحكومة الأفغانية لم تكن لها دورا في محادثات قطر، أجبرت أن تستقبل وفد الحزب الإسلامي بترحيب حار. رحب الرئيس كرزاي عن النوايا الطيبة لحكمتيار تجاه السلام، في كلمته التي القاها في مجلس النواب الأفغاني.
مجموعة آغا جان في دور الحزب الإسلامي
اضطر المجلس الأعلى للسلام أن يدخل في المحادثات مع مجموعة الملا آغا جان بعدما أعلن الحزب الإسلامي بقيادة حكمتيار دعمه للمرشح الرئاسي “قطب الدين هلال” في الإنتخابات المقبلة ولم يعد هناك ذلك التأثيرالسابق للتفاوض مع الحزب الإسلامي.
خرج معتصم آغاجان عن محاولة لاغتياله في مدينة كراتشي الباكستانية عام 2010مـ جريحا، تم نقله إلى كابول ومن کابول إلى تركيا لاستكمال العلاج بمساعدة الحكومة الأفغانية. كان السيد معتصم رئيس اللجنة السياسية لطالبان قبل سنوات، ولكن ازيل عن منصبه وفقا لبيان الذي أصدره طالبان في عام 2010 بدليل “الاستعمال التعسفي للموارد المالية”. كان السيد معتصم ساكنا في تركيا منذ جراحته إلى الأيام الأخيرة وكان يصدر بعض البيانات عبر الإعلام الإلكتروني الأفغاني. أخبر معتصم في بيانه الأخير عن اجتماع برئاسته في مدينة “دبي” الذي شارك فيه عدد من قادة طالبان السياسيين والعسكريين، حسب البيان. وأكد على بدأ عملية السلام بين أطراف الصراع الدائر.
أرسل المجلس الأعلى للسلام وفدا برئاسة “معصوم استانكزاي” سكرتير المجلس إلى دبي في رد فعل لهذا الإعلان. والملحوظ أنه يتم نشر الرسالة الأخير للسيد معتصم لأول مرة على الموقع الرسمي للمجلس الأعلى للسلام.
أجبرت سخونة الحملات الانتخابية من جانب، وفشل المحاولات المجلس الأعلى للسلام من جانب آخر، أن يحاول المجلس بتغيير النتائج لصالحه في الدقائق الأخيرة من اللعبة، وأن ينتفع من هذه النتائج حتى يتمكن فريق الرئيس كرزاي أن يتباهى بانجاز “محادثات دبي” على معارضته السیاسية والمنافسین في الانتخابات. ولكن الحقيقة أن السيد معتصم من طالبان الذين تم نفيهم من حركة طالبان الأصلية والتفاوض معهم لا يجدي نفعا لعملية السلام في أفغانستان. المجلس الأعلى للسلام يريد أن ينتفع عن سخط وابتعاد معتصم عن حركة طالبان ويريد منه أن يلعب الدور الذي كان يلعبه المهندس حكمتيار سابقا.
لماذا تفشل محادثات السلام؟
لما أدركت الحكومت الأفغانية أن طالبان لايمكن أن يقبل التفاوض معها أو مع المجلس الأعلى للسلام، فأرادت أن تنتفع عن “الطرق البديلة”. كان الحزب الإسلامي بقيادة حكمتيار يلعب هذا الدور لفترة في أوائل الأيام وخصوصا لما افتتح مکتب طالبان في قطر، شعرا حكمتيار وكرزاي أنهما تم تهميشهما من عملية محادثات السلام فقاموا بمخالفة محادثات السلام في قطر. محادثات السلام في قطر أفتحت باب التفاؤل على طريق السلام وتحكيم الإستقرار ولكن واجهت مخالفة الرئيس كرزي في لحظاتها الأولى وبإثرها أغلق المكتب السیاسي لطالبان في قطر.
مع الأسف الشديد نفتقد الإرادة السياسية لتحكيم السلام والاستقرار المستمر في أفغانستان، ولو لم تكن مخالفة الحكومة الأفغانية لبدء محادثات قطر، كنا قد تجاوزنا الخطوة الأولى في هذا المشوار وهي السؤال عن عنوان طالبان. ومن جانب آخر، لو كان الرئيس كرزاي موافقا علي محادثات قطر، كان هذا بمثابة الاشارة الخضراء للتيار الرئيسي لحركة طالبان. المخالفة الحاسمة للرئيس كرزاي مع افتتاح مکتب لطالبان في قطر، أجبرت الحکومة ومجلسها الأعلى للسلام على دق الأبواب المجهولة التي لن يحصلا منها إلا منافع سياسية ومناورات الإعلامية.
رد فعل طالبان لإجتماع دبي
نفت حركة الطالبان هذا الاجتماع خلال اعلان لها، وينص هذا الإعلان: “تعلن الإمارة أفغانستان الإسلامية لجميع الجهات والأطراف أن معتصم أغاجان لا يحمل أية مسئولية في إمارة أفغانستان الإسلامية ولا يحق له أن يمثل الإمارة. تعتبر الإمارة الإسلامية كافة فعاليات وأعمال الذي يقوم بها معتصم، خلافا لأصول الإمارة الإسلامية وناقضا لأهداف السامية للجهاد، وتعتبره في صالح الإحتلال الأمريكي وعملاء له. لم ينعقد أي اجتماع في مدينة دبي نيابتا عن الإمارة الإسلامية ولم تحدث أية محادثات مع الحكومة كابول العميلة ومع مجلس السلام.”
كما جرت العادة، أكد طالبان على مكتب قطر ويعتبرونه العنوان الوحيد الذي ينوب عنهم.