أفغانستان والحرب الباردة بين روسيا والولايات المتحدة
منذ سنوات عديدة وقعت دولتا جمهورية إيران الإسلامية و دولة روسيا –بجانب دولة باكستان– في شبكة اتهمام تموين عسكري لحركة طالبان، وأن تصريحات القائد العام لقوات الحلف الاطلسي في أفغانستان بشأن حصول طالبان المعونات العسكرية من روسيا جعل الموضوع على الأفواه وصار ذلك موضوع معظم المحللين السياسيين.
قال سفير روسيا بكابل أن تصريحات السيد نيكلسون القائد العام للقوات الحلف الاطلسي بشأن تقديم روسيا المعونات العسكرية لحركة طالبان لا أساس لها اطلاقا وإنه يريد بذلك أن يلقي المسؤولية على عاتق الآخرين.
بدأت أمريكا وروسيا حربا باردة فيما بينهما بشأن عدة قضايا على مستوى الدول الإقليمية والعالمية، ولذلك صارت أفغانستان أيضا ميدانا لهذه الحرب المنحوثة.
ففي هذا التحليل نحاول أن ندرس ماهية العلاقة بين روسيا وطالبان من جانب، والحرب الباردة الجديدة بين روسيا وأمريكا، وموقف أفغانستان تجاه الاختلاف بين الدولتين من جانب آخر.
العلاقة بين طالبان وروسيا
عندما سيطرت حركة طالبان على العاصمة الأفغانية سنة 1995م وأعلنت “الإمارة الإسلامية” فيها، فأخذت تؤازر الجماعات الإسلامية المسلحة التي تعارض حكومات الدول الإسلامية الواقعة في آسيا الوسطى سياسيا وعسكريا. هذا الأمر أثار قلق دولة روسيا تجاه الأوضاع في أفغانستان. رغم أن دولة طالبان أعلنت أنها لا تسمح لأي حركة في داخل أفغانستان أن تستغل أراضي هذا البلد ضد دولة أخرى وبخاصة دول آسيا الوسطى، ولكن دولة روسيا بسبب القلق الذي أخذ بلبها كانت تقدم المعونات العسكرية إلى مخالفيهم دولة المجاهدين.
وبعد الحملة الأمريكية على أفغانستان وزوال حكومة طالبان، لجأ المسلحون الذين ينتمون إلى دول آسيا الوسطى إلى إقليم وزيرستان الشمالية في أرض باكستان مع مسلحي حركة طالبان. فبسبب بعد المسافة بين منطقة وزيرستان والدول الواقعة في آسيا الوسطى زال القلق الذي كان يسيطر على صناع القرار في دولة روسيا ودول آسيا الوسطى.
وبعد سيطرة القوات العسكرية الغربية على أفغانستان في عام 2001م ثار قلق دولة روسيا مرة أخرى من تصعيد إنتاج المخدرات في أفغانستان، وكانت تعتبر ذلك حرب المخدرات ضدها، ولذلك أذن الأمريكان للقوات الروسية كي تشارك في مكافحة المخدرات. وكانت المخدرات بابا من الأبواب لفتح العلاقة بين طالبان و دولة روسيا في عامي 2006 و2007م. ولكن عندما فشلت حركة طالبان في قطع مرور المخدرات إلى آسيا الوسطى، فلم تستمر العلاقة بين الطرفين.
ومنذ ثلاث سنوات أعرب السياسيون الروس أنهم يعترفون بحركة طالبان كجماعة سياسية مسلحة حقيقية، وأنهم على صلة بهم، وأن حركة طالبان أيضا بينوا ذلك على مواقعهم الرسمية. فمن هنا ليست هذه العلاقة بين الطرفين دعاية محضة بل هي حقيقة ثابتة.
مع أن العداء الطويل بين حركة طالبان وروسيا جعل هذه العلاقة غير طبيعية، إلا أن السياسة لا تعرف العداوة الدائمة ولا الصداقة الدائمة، ومع مقتضيات السياسية بدأت العلاقات بين روسيا وطالبان.
تعتبر دولة روسيا جماعة “تنظيمالدولة الإسلامية” (داعش) عدوها اللدود، وأن حركة طالبان أيضا تحارب تلك الجماعة، فتفضل روسيا أن تحمي طالبان في مقابل داعش التي تشكل خطرا لمصالح روسيا. لماذا فضلت دولة روسيا أن تكون علاقة وطيدة مع طالبان بدلا من حكومة أفغانستان، ففي ذلك دليلان: ترى روسيا أن حكومة أفغانستان لا تقدر على مقابلة داعش، ومن جانب آخر أنها تتهم الحكومة الأفغانية والقوات الأجنبية بحماية داعش. ولكن بشكل عام هناك مجابهة بين روسيا وأمريكا في أفغانستان.
تحاول دولة روسيا أن تستغل هذه العلاقة كآلة الضغط السياسي وفي الوقت نفسه تنكر تقديم أية مساعدة عسكرية لحركة طالبان، وأنهم يبررون علاقتهم مع طالبان بأنهم يسعون من أجل حل القضية الأفغانية حلا سلميا ويريدون أن يعوقوا انتشار جماعة داعش في دول آسيا الوسطى ويعملون من أجل الحفاظ على دبلوماسيين الروس في أفغانستان. ويبدو في ظاهر الأمر أن حركة طالبان هي الأخرى لا تتوقع الحصول على مساعدات عسكرية من روسيا ولكنها ترى أن حماية دولة كبرى كروسيا لهذه الحركة لها تأثير عميق في ميدان السياسة.
الحرب الباردة
استخدم مصطلح الحرب الباردة لأول مرة على لسان الكاتب البريطاني جورج أورول بعد أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها في سنة 1945م. وكان مصطلح الحرب الباردة تطلق على المنافسة بين دول الشرق والغرب، وبين النظام الشيوعي والنظام الرأسمالي. ففي ذلك الوقت كان الصراع الجيوبوليتيكي على أشده بين الدول الشرقية بقيادة الاتحاد السوفيتي وبين الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية بعد الحرب العالمية الثانية. وقد استمرت الحرب الباردة منذ عام 1947م إلى عام 1991م بين الشرق والغرب حتى تم انهدم الاتحاد السوفيتي.
بعد حملة 11سبتمبر 2001م على أمريكا و الحملة العسكرية الأمريكية لأفغانستان، أعلنت روسيا حمايتها عن الموقف الأمريكي وإسقاط نظام طالبان، ولكن بدأ الوجه الآخر لموقف روسيا في أفغانستان، وأما في السنوات الأخيرة بسبب القضايا الاقليمية والعالمية وتأسيس القواعد العسكرية الأمريكية الدائمة في أفغانستان، ثم ظهور جماعة داعش في البلاد حدث تطور وتغيير كبير في سياسة موسكو المنحازة تجاه القضية الأفغانية.
ظهور جماعة داعش في أفغانستان وانتشارها غير الأوضاع الجيوبوليتكية للدول الإقليمية وقد تطور الأمر واتخذ صورة عملية حين انعقد مجلس بين ثلاث دول: الصين، وروسيا وباكستان للحفاظ على أمن البلاد.
انتقد السياسيون الروس ولا سيما مندوبهم الخاص في أفغانستان، وبشكل مستمر السياسة الأمريكية بشأن مكافحة الارهاب وبل انتقدوا سياستها في هذه المنطقة من الدول بشكل عام. وقد صرح في العام الماضي: إذا فشلت الحكومة الأفغانية والقوات الأجنبية المستقرة في أفغانستان في أمر مكافحة الإرهاب وبخاصة داعش لا تبقى مسكو مكتفة الايدي بل من الممكن أن تقوم بإرسال مجموعات عسكرية إلى أفغانستان، هذا الكلام يحمل رسالة استبدال أفغانستان إلى ميدان تصفية الحسابات بين الدولتين أو استمرار الحرب الباردة بينهما.
تستفيد روسيا من “تقوية علاقتها مع طالبان” كآلة الضغط السياسي على الولايات المتحدة الأمريكية في القضايا الدولية، بجانب منع انتشار جماعة الدولة الإسلامية (داعش)، فمن هنا تكون أفغانستان ميدان ثالث للمواجهة بين روسيا وأمريكا بعد سوريا وأوكراين. هذا ما يزيد من تعقيد القضية الأفغانية وتبدل البلد إلى ميدان الحرب النيابية بين الدول الكبرى (روسيا وأمريكا). ولكن يبدو أن تدخل القوات الروسية في القضية الأفغانية في هذه الحالة التي تسيطر القوات الأمريكية والحلف الاطلسي، أمر بعيد عن الوقوع.
الموقف الأفغاني
اتهم الرئيس الأفغاني أشرف غني روسيا بحماية حركة طالبان رسميا قبل عدة أشهر في محافظة بكتيا، وقال: تحصل حركة طالبان المعدات العسكرية من دولة سفكت دماء مليون ونصف من الشعب الأفغاني، و رغم أنه لم يسم خلال خطبته دولة بعينها إلا أن كلامه دال على أنه كان مقصوده دولة روسيا. هذه أول مرة يتهم أعلى سلطة أفغانية روسيا بحماية حركة طالبان.
تبرز أهمية دولة من ناحية الجيوبوليتكية حين تحاول الدول الكبرى أن تحقق أهدافها ومنافعها السياسية والاقتصادية من طريق تلك الدولة. وبما أن أفغانستان تتمتع بهذه الأهمية فمنذ القديم حاولت الدول الكبرى على مدى التاريخ أن تحقق أهدافها الاستراتيجية من خلال جغرافية أفغانستان السياسية.
وللأسف الشديد لم يستطع الأفغان أن يستفيدوا من أهمية بلدهم الجيوبوليتيكية لأن السياسيين الأفغان لم يقدروا على الانتفاع لصالح بلدهم من المشاكل الموجودة بين الدول الكبيرة. فلا يستطيع الشعب الأفغاني أن ينتفع لصالح بلاده إلا إذا كان تضامن بين مصالح تلك الدول ومصالح دولة أفغانستان.
فمن هنا، يجب على الحكومة الأفغانية أن تربط مصالح الدول الكبرى بمصالح دولة افغانستان، وتخرج أفغانستان من الوقوع في شبكة لاعبي السياسة العالمية والحروب النيابية بينهم، وتبدل هذا البلد إلى جسر لتبادل المصالح واجتذاب المساعدات وتحقيق التعاون بين الدول الاقليمية والعالمية فيها بشكل متوازن.
النهاية