ضربات جوية و خسائر مدنية فادحة من الأفغان
جراء قصف جوي للقوات الأفغانية على حفلة في مدرسة شرعية دينية في مديرية دشت أرجي بولاية قندوز شمالي أفغانستان قد قتل و جرح عدد كبير من المدنيين الأفغان الأسبوع الماضي (12 من حمل 1397 الهجري الشمسي).
كتبت صحيفة نيويورك تايمز وفقا لتصريحات نصرالدين سعدي حاكم مديرية دشت أرجي: إن الهجوم وقع من قبل القوات الجوية الأفغانية على حفل تخريج لطلاب مدرسة شرعية. وفقا للمصدر، لقد اجتمع حوالي 1000 شخصا في الحفلة فقتل 70 شخصا منهم و أصيب 30 آخرين نتيجة لهذا الهجوم.
من جانبها، صرحت وزارة الدفاع الأفغانية، أن القصف قد نفذ على تجمع كبير من المسلحين المحليين والأجانب، فقد قتل 20 مسلحا و أصيب 20 آخرين. قال المتحدث باسم القصر الرئاسي في بيان له، إن الهجوم قد وقع على تجمع لطالبان الذين كانوا يخططون لهجمات كبيرة في البلد. كما صرح البيان على أن نظرا لأنباء سقوط المدنيين في الهجوم، تم تشكيل وفد للتحقيق حول كيفية الهجوم وسيتم إعلان نتائج التحقيق للاطلاع العام.
كما أدان الرئيس الأفغاني السابق حامد كرزاي، وعدد من السياسيين الأفغان، وأعضاء مجلس النواب الأفغاني، وعامة من الأفغان في الإعلام الإجتماعي هذا الهجوم بشكل قاطع وطالبوا الحكومة بالتحقيق في هذه القضية ومعاقبة مرتكبيها.
يدرس هذا المقال الأسباب التي تزيد هذه الهجمات، وعوامل الخسائر المدنية الفادحة في مثل هذه الهجمات، والنتائج المحتملة لها.
الحملات الجوية
بعد إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب استراتيجيته العسكرية الجديدة في أفغانستان وجنوب آسيا، في أغسطس عام 2017م، ازداد دور القوات العسكرية الأمريكية في ميدان القتال التي كانت محدودة في مجال الاستشارة والتربية، و قد ازداد دورها العسكري القتالي أكثر من السابق في الحملات الجوية بشكل خاص.
ومع أن الموقف الأمريكي العسكري الجديد وازدياد القوات الأمريكية أدى إلى مزيد من الضغط على حركة طالبان ورفع معنويات القوات العسكرية الأفغانية إلا أنه زاد العوائق أمام السلام في أفغانستان؛ لأن هذا النوع من المواقف أو إعمال الضغوط العسكرية على طالبان يشدد الدافع القتالي لديهم.
أثناء مراجعة الاستراتيجية الجديدة، على المرء أن يضع في اعتباره أنه في السنوات الماضية، على الرغم من وجود أكثر من 100 ألف جندي أمريكي في أفغانستان، لم يستطع أن تهزم طالبان وبالعكس أنه أدى إلى تشديد الحروب وتوسيع رقعتها في البلد. وفي العام الماضي أيضا ازدادت الحملات الجوية الأمريكية وتسببت لازدياد الخسارة في أرواح المدنيين وأموالهم. بحسب تصريحات القوات الجوية الأمريكية أنها أجرت في عام 2017م 2611 حملة جوية في طول البلاد وعرضها في حين تمت 1071 حملة جوية في عام 2016م، و 236 حملة في عام 2015م. وبحسب إعلان منظمة الأمم المتحدة قد قتل في أفغانستان عام 2017م 3438 شخصا من المدنيين وجرح 7015 شخصا آخر ويشير إلى ازدياد في عدد القتلى والجرحى خصوصا في الغارات الجوية الأمريكية.
وقد ثبت أن القوات الأمريكية في خلال السنوات الماضية قامت بشن الهجمات على المدنيين أدت إلى قتل المدنيين وتدمير البيوت و المستشفيات والمساجد و حتى المراكز العسكرية الأفغانية. من جانب آخر, القوات الجوية الأفغانية أيضا بدأت تشن الهجمات على المدنيين في الآونة الأخيرة ومنذ بداية عام 2018م قامت بشن هجمات عديدة أدت إلى قتل عدد كبير من المدنيين العزل.
سقوط المدنيين
خلال العقد والنصف الماضي قد تمت الخسارة في أرواح وأجساد المدنيين الأفغان جراء حملات القوات الأجنبية والقوات الأفغانية، حيث أعرب عن استيائه تجاه هذا الأمر كل من الشعب الأفغاني، ومنظمات حقوق الإنسان في داخل أفغانستان وخارجها، وأعضاء مجلس النواب الأفغاني، والأحزاب الأفغانية. السؤال يطرح نفسه: لماذا لا تهتم الحكومة الأفغانية والقوات الأجنبية بتجنب إلحاق الخسائر المدنية؟
للإجابة على هذا السؤال ينبغي أن نأخذ على بالنا الآتي:
الأول: عدم مراعاة آداب الحرب وأصولها: ثمة أصول وآداب في الحرب على مستوى العالم من أجل الحفاظ على أرواح المدنيين ومراعاة حقوق الإنسان. فبناء على ذلك ينبغي الاهتمام على عامة الناس الذين لا ناقة لهم ولا جمل في الحرب، وبالجرحى والمرضى، وأسرى الحرب، والمؤسسات الخيرية، والأماكن المقدسة وغيرها مما تقدرها الشعوب؛ ولكن تلك الأصول والآداب لا تراعى في بعض دول العالم كما هو الحال في أفغانستان، حيث نقضت بشكل واسع خلال الحروب التي دارت في البلد خلال 17 عاما الذي مضى.
كما تم ضرب القوات الجوية الأجنبية لتجمع الناس على جنازة أو حفلة دينية أو على مدارس شرعية أو الأماكن المقدسة أو المستشفيات، كما تم ضرب مستشفى لمنظمة أطباء بلاحدود في مدينة قندوز شمالي البلاد. وفي الوقت نفسه تتم الحملات من قبل المعارضة على الأضرحة، والمساجد، والتكايا (أماكن عبادة الشيعة) والمستشفيات وأماكن أخرى للتجمع العام. ونضرب على ذلك مثلا أن المعارضة شنت هجوما واسعا على مستشفى الرئيس محمد داوود العسكري مما أدى إلى قتلى وجرحى لكثير من المرضى والأطباء.
الثاني: الحملات الهادفة للقوات الأجنبية: يبدو من واقع الأمر أن القوات الجوية الأجنبية تقوم ببعض الحملات العسكرية عن عمد تؤدي إلى خسارة كبيرة في أرواح المدنيين. على سبيل المثال أن تلك القوات شنت هجمات على المدنيين خلال العام المنصرم (1396هـ ش) في مديرية هسكه مينه بمحافظة ننجرهار، وفي مديرية سوكي من محافظة كنر، وفي مركز محافظة لوجر، وفي مديرية قره باغ من محافظة كابل في حفلة الزواج.
الثالث: مشكلة القوات الجوية الأفغانية وجهاتها الاستكشافية: تعاني القوات الجوية الأفغانية من الضعف في جانب القدرات المهنية فحسب، بل أن عدم صحة التقارير السرية التي تقدمها جهات المباحث للقوات الجوية الأفغانية، كل ذلك يؤدي إلى وقوع الخسائر في المدنيين مما يدل على الضعف في عمل الاستخبارات في الحكومة الأفغانية. وقد ركزت الحكومة الأفغانية في الآونة الأخيرة على تقوية القوات الجوية ولذلك ازدادت الهجمات الجوية على المعارض في الأماكن المختلفة من البلاد. وإلا أن بعض هذه الهجمات تتم بإشارة من القوات الأجنبية، لإنه لا مبرر للحملات الجوية على حفلة من الحفلات الدينية وإلحاق الخسائر الكبيرة بعامة الناس من أجل اشتراك عدد محدود من المسلحين.
نتائج الخسائر المدنية
فإن عدم اهتمام القوات الأفغانية والقوات الأجنبية بالمدنيين في الحروب و إلحاق الخسائر تؤدي إلى النتائج الآتية:
- فإن شن مثل هذه الهجمات من قبل القوات الجوية الأفغانية أو الأجنبية تؤدي إلى توسيع نطاق الخلاف والفجوة بين الحكومة والشعب.
- فإن الإكثار من القتل والجرح في المدنيين يؤدي إلى تشديد كراهية الناس للحكومة، فبالتالي يتسع نطاق الخلاف ضدها و تتقوى المعارضة تشتد الحروب يوما بعد يوم.
- فإن ضرب المساجد، والمدارس الشرعية وغيرها من الأماكن المقدسة أو الحفلات الدينية تؤدي إلى تشديد التطرف وازدياد المتطرفين.
- تؤدي هذه الهجمات إلى دوام عدم الثقة بين الحكومة وحركة طالبان المعارضة و تجعل الوصول إلى السلام أمرا بعيدا.
النهاية