الفقر والبطالة؛ من تداعیات عدم الاستقرار السیاسیة والأمنیة في أفغانستان
ضياءالإسلام شيراني / مركز الدراسات الاستراتيجية والإقليمية
بعد الهجوم الأمریکي علی أفغانستان، وبعد تأسیس النظام الجدید وحضور القوات الأجنبیة في هذا البلد؛ بدأت آلاف المؤسسات والشرکات والمنظمات الأهلیة والخاصة الخارجیة والداخلیة فعالیاتها، وهذا ساعد في توفیر العمل لکثیر من الأفغان، ولکن ومع خروج معظم القوات الأجنبیة من البلد عام ۲۰۱٤م واتجاه الوضع الأمني والسیاسي إلی الأسوء؛ بدأ انتشار الفقر والبطالة في ازدیاد.
الإدارة المرکزیة للإحصاء في أفغانستان، وبالتعاون الفني مع معهد (ICON) لمسح الوضع المعیشي؛ أجرت تحقیقا حول الوضع المعیشي للشعب الأفغاني عام ۱۳۹٥هـ ش. یشیر هذا التحقیق والذي نشرت نتائجه الأسبوع الماضي (۱٦ ثور ۱۳۹۷هـ ش) في الإعلام، أن ۵۴.۵ في المائة من الشعب الأفغاني یعیشون تحت خط الفقر، وهذا الرقم یشیر إلی ارتفاع ۲.١٦ في المائة بالنسبة لعام ۱۳۹۱ هـ ش. طبقا لهذا التحقیق ارتفعت نسبة البطالة في أفغانستان من ۲۲ في المائة إلی ۲٤ في المائة.
وزارة العمل والشؤون الاجتماعیة في أفغانستان تعهدت من جانبها علی توفیر ملیوني فرصة عمل في ثلاثة أعوام القادمة، إلا أن الشعب الأفغاني لا یثقون بتنفیذ هذه الوعود نظرا للوضع المتجه إلی الأسوء للبلاد.
النسبة المتزایدة للفقر والبطالة في أفغانستان، أسبابها والطرق الناجعة لمکافحتها والحد من انتشارها في البلد؛ موضوعات نتحدث عنها في هذا التحلیل.
المسیرة الصاعدة لنسبة الفقر والبطالة
مع اعتداء الاتحاد السوفییتي علی أفغانستان واستمرار الحرب لبضعة عقود في البلاد؛ اضطر الملایین من الأفغان علی النزوح من بلادهم وفقدوا ثرواتهم نتیجة لذلك، وارتفعت نسبة الفقر والبطالة بینهم بشدة، سیما خلال الحروب الأهلیة في البلاد.
مع دخول القوات الدولیة (الأجنبیة) إلی أفغانستان عام ۲۰۰۱م؛ جاءت ملیارات الدولارات إلی أفغانستان، وشوهد تقدم في بعض القطاعات، ولکن نظرا للأرقام المقدمة من البنك الدولي؛ لم تنخفض نسبة الفقر والبطالة في أفغانستان بالنسبة للعالم فحسب؛ وإنما کانت في الارتفاع أیضا.
کان ۳۶.۳ في المائة من الشعب الأفغاني یعیشون تحت خط الفقر عامي ۲۰۰۷ و۲۰۰۸م، وانخفضت هذه النسبة وفقا لتقریر البنك الدولي إلی ۳۵.۸ في المائة عامي ۲۰۱۱ و۲۰۱۲م، وهذا لا یعد انخفاضا کبیرا. في تقریر آخر للبنك الدولي والحکومة الأفغانیة والذي أعد عامي ۲۰۱۳ و۲۰۱٤م، بدأ الوضع في الاتجاه إلی الأسوء، وارتفعت هذه النسبة مرة أخری من ۳۵.۸ في المائة إلی ۳۹.۱ في المائة في السنوات الأخیرة.[1]
بعد عام ۲۰۱٤م وتشکیل حکومة الوحدة الوطنیة وبالنظر إلی نتائج التحقیق الأخیر للإدارة المرکزیة للإحصاء في أفغانستان؛ أخذت الأزمة الاجتماعیة في البلاد في شدة، لأن نتائج هذا التحقیق تشیر إلی أن الوضع المعیشي للشعب أصبح أصعب من ذي قبل، وأن أکثر من نصف سکان أفغانستان یعیشون تحت خط الفقر.
من جهة أخری الجهود المبذولة لتوفیر العمل والتي لها علاقة مباشرة بالفقر؛ لم تکن ناجحة أو کانت علی درجة منخفضة من النجاح. وفقا لإحصاء البنك الدولي من مجموع القوة العاملة في أفغانستان کانت ۴.۶ في المائة منها عاطلة عن العمل عام ۲۰۰۱م. في العامین ۲۰۰۲ و۲۰۰۳م وصل هذا الرقم إلی ۴.۶ و۴.۹ في المائة. انخفضت نسبة البطالة في البلاد إلی ۴.۵ في المائة عام ۲۰۰۴م، ولکن ارتفعت مرة أخری إلی ۸.۵ في المائة عام ۲۰۰۵م، وکانت نسبة البطالة في أفغانستان في الارتفاع منذ ذلك الوقت.
وفقا لإحصائیات البنك الدولي کان عدد العالطلین عن العمل في أفغانستان حوالي ملیوني شخص من مجموع القوة العاملة عام ۲۰۱٤، وهذا یشیر إلی نسبة ۲۳ في المائة من البطالة[2]، وهذا الرقم ارتفع الآن إلی ٤۰ في المائة وفقا لإحصائیات نقابة عمال الأفغان الوطنیة.[3] أما نتائج المسح الذي أجرته الإدارة المرکزیة للإحصاء عام ۱۳۹٥هـ ش تشیر إلی أن ۲٤ في المائة من القوة العاملة في أفغانستان تعیش البطالة. وفقا لتقریر هذه المؤسسة یتوقع أن یبلغ ۳.۹ ملایین من الشباب سن العمل خلال خمس سنوات القادمة، ۱.۶ ملیون منهم سیدخلون سوق العمل، ونظرا لنسبة المشارکة الفعلیة للقوة العاملة والعاطلة؛ سیبقی حوالي ٥٤۰ ألفا عاطلین عن العمل.
لماذا يواجه الأفغان الفقر والبطالة؟
سوء الوضع الأمني: الوضع الأمني السيء واستمرار الحرب في أفغانستان، أحد أهم العوامل لمشکلة الفقر والبطالة في أفغانستان. الوضع الأمني السيء سبب خروج الثروة والاستثمار من أفغانستان، بالإضافة إلی ذلك سدَّ الطریق أمام إنفاق المیزانیات المتوفرة لدی الوزارات في الحکومة الأفغانیة. وهکذا عدم الاستثمار في قطاعات البنی التحتیة والتي لدیها القدرة علی جذب القوة العاملة؛ سبب لأفغانستان أزمتي الفقر والبطالة.
عدم الاستقرار السیاسي: عدم الاستقرار السیاسي واستمرار الخلافات الداخلیة بین السیاسیین في الحکومة الأفغانیة هو السبب في عدم تنفیذ البرامج والخطوات العملیة والإجراءات الوقائیة لمکافحة ظاهرتي الفقر والبطالة. کانت قیادات حکومة الوحدة الوطنیة منذ عام ۲۰۱٤م مشغولین بالمساومة علی تقسیم الإدارات الحکومیة والسلطة السیاسیة دون النظر إلی الأزمة الاجتماعیة والوضع المعیشي للشعب الأفغاني، وهذا کان له تأثیر سلبي علی الوضع المعیشي للشعب.
الفساد الإداري: عدم الاستقرار السیاسي والخلافات بین قیادات حکومة الوحدة الوطنیة سبب انتشارا کبیرا للفساد الإداري في الدوائر الحکومیة. والفساد الإداري بدوره هو السبب في أن یعیش مئات الآلاف من الشباب من دون عمل، في حین هناك عشرات الآلاف من الوظائف الشاغرة في الدوائر الحکومیة، کما أن هناك مؤظفون خیالیون کثر (لا وجود لهم).
انخفاض المساعدات الدولیة: خفض المجتمع الدولي لمساعداته هو أحد أهم الأسباب الذي یتعلق به ازدیاد الفقر والبطالة في أفغانستان. قدم المجتمع الدولي لأفغانستان خلال عقد ونصف العقد ملیارات الدولارات من المساعدات، وکانت هذه المساعدات مؤثرة في توفیر العمل ومکافحة الفقر والبطالة إلی حد کبیر، ولکن لما لم یتم استغلال هذه المساعدات لتوفیر الأعمال طویلة الأمد؛ مع انخفاضها ازداد الفقر والبطالة مرة أخری.
نتائج المسح للإدارة المرکزیة الرسمية للإحصاء تشیر إلی أن عدم الاستقرار، وخفض حضور المجتمع الدولي، وعودة اللاجئین، وخفض المساعدات الدولیة؛ من أسباب ارتفاع نسبة الفقر والبطالة في أفغانستان.[4]
کیف یمکن مکافحة الفقر والبطالة؟
الفقر والبطالة لهما علاقة مباشرة باتخاذ الإجراءات العملیة، والسیاسات الجامعة والناجعة، والبرامج التي تؤدي إلی توفیر الأعمال ذات مُدد طویلة. أفغانستان نظرا لموقعه الاستراتیجي وکثرة الموارد الطبیعیة فیه، بلد له طاقات وفرص کثیرة بالقوة، والتي یمکن أن تکون مصدر آمال ورفاهیة للشعب الأفغاني.
تعزیز التنمیة الاقتصادیة یعد أحد العوامل الأساسیة لمکافحة الفقر والبطالة، ولها علاقة مباشرة مع تنمیة الصناعة. والنیل من هذا الهدف یحتاج إلی إعداد للظروف والبیئة المناسبین لاستثمارات القطاع الخاص والتسهیلات لتوفیر فرص عمل والتي ليست الحکومة الأفغانیة موفقة في هذا المجال حتی الآن.
من جهة أخری، أفغانستان بلد زراعي، والزراعة لها دور حیوي في نمو الاقتصاد هذا البلد. وفقا لنتائج المسح الأخیر الذي قامت به الإدارة المرکزیة للإحصاء في أفغانستان فإن ٤٤ في المائة من القوة العاملة في أفغانستان مشغولة في الزراعة ویوفرون دخلهم من هذا القطاع. لو اهتمت الحکومة بانتقال المحصول الزراعي في البلد، وتوفیر السوق المناسب، ورفع مستوی الإنتاج، وتوزیع الأسمدة الکیماویة والبذور الزراعیة للمزارعین؛ ولو اهتمت بالإنتاج الداخلي؛ لاستطاع القطاع الزراعي لعب دور مهم في التنمیة الاقتصادیة ومکافحة الفقر والبطالة.
إذا کان بلد ما لدیه النمو الاقتصادي المطرد بشکل عام؛ هذا لا یکون سببا لتوفیر الوظائف، والحصول علی دخل مناسب، وتحسین الرفاهیة الاجتماعیة فحسب؛ وإنما له تأثیر علی جوانب أخری مثل الأمن والسلام، والحکومة الناجحة، ومکافحة الفساد الإداري، والاستقرار السیاسي.
من جانب آخر، حل مشکلة البطالة والفقر في البلاد مثل أي برنامج آخر یحتاج إلی استقرار الأمن، ولا یمکن للجهود المبذولة في المجال الاقتصادي أن تؤتي ثمارها المرجوة ما لم یستقر الأمن والسلام في البلد.
النهاية
[1] The world bank, http://www.worldbank.org/en/news/press-release/2017/05/08/poverty-afghanistan-rose-amidst-troop-withdrawal-poverty-update-2017
[2] للمزيد من المعلومات، راجع الرابط التالي:
http://www.worldbank.org/en/country/afghanistan/overview
[3] راجع:
https://www.darivoa.com/a/thirty-nine-percent-of-afghans-are-jobless/4371996.html
[4] للمزيد من المعلومات، راجع نتائج المسح في الرابط التالي:
http://cso.gov.af/Content/files/Surveys/ALCS/Final%20Dari%20%20ALCS%20Highlights.pdf