الحرب الأمريكية الروسية الباردة وتأثيرها على القضية الأفغانية
حكمت الله زلاند / مركز الدراسات الاستراتيجية والإقليمية
بعد عام 2014م اتجهت القضايا الدولية بين روسيا والغرب إلى حرب باردة جديدة مثل القضية الأوكرانية، وتبين في السنوات الأخيرة أن هناك «حربا باردة جديدة» تجري بين واشنطن وموسكو، وهذه الحرب له تأثير مباشر على أفغانستان.
مع بداية هذه الحرب الباردة زاد الروس من اهتمامهم بأفغانستان، وحاول المسؤولون الروس وقتا فوقتا في السنوات الأخيرة إثبات وجودهم ودورهم عن طريق إبداء مواقفهم في القضية الأفغانية. وأبدى المندوب الروسي لأفغانستان ضمير كابلوف الأسبوع الماضي موقفا مخالفا للمواقف والتصريحات السابقة حول الحرب والسلام في أفغانستان. وفقا لما قال فإنه «يجب على أمريكا أن تجلس مع طالبان من أجل المصالحة، وإلا فليستعد لحرب لا نهاية لها».
اشتد التوتر بين روسيا والقوات الأمريكية وقوات الناتو الموجودة في أفغانستان في الأشهر الماضية حول الحرب في أفغانستان، وخاصة نبأ المساعدات العسكرية الروسية لطالبان يتردد في الأوساط الدولية.
كيف بدأت الحرب الباردة بين روسيا وأمريكا، وكيف وصل إلى أفغانستان؟ ما هي أسباب تغيير الموقف الروسي في القضية الأفغانية؟ وما هو تأثير هذه الحرب الباردة على الأوضاع في أفغانستان؟ هنا، حاولنا الإجابة عن هذه الأسئلة والأسئلة ذات العلاقة.
الحرب الباردة الجديدة بين واشنطن وموسكو
بعد الحرب العالمية الثانية وخاصة بعد سنة 1947م بدأت الحرب الباردة «الأولى» بين الاتحاد السوسفييتي والغرب، ويجري الصراع منذ ذلك الحين بين دول الشرق والغرب (الدول الشيوعية، والدول الرأسمالية). فتحت هذه الحرب الطريق أمام عقد أكبر اتفاقية عسكرية بين أمريكا وأروبا (حلف الناتو) عام 1949م. وأخيرا بعد سنتين من هزيمة السوفييت وخروجها من أفغانستان؛ سقط الاتحاد السوفييتي عام 1991م وانتهت الحرب العالمية الباردة.
في السنوات الأولى من القرن العشرين ظهرت الخلافات مرة أخرى بين روسيا والغرب في بعض دول شرق أوروبا وآسيا الوسطى. جاءت الانتخابات الجورجية عام 2003م بحكومة ذات اتجاه غربي، الأمر الذي أدى إلى الهجوم الروسي على هذا البلد وانفصال منطقة أبخازيا منه. من عام 2004 إلى 2014م كانت نتيجة الخلافات بين روسيا والغرب أربع انتخابات مختلف والانقلابات في أوكرانيا أيضا، والتي فتحت الطريق أمام الهجوم الروسي وأصبحت منطقة كريميا ذات العرقية الروسية جزءا من روسيا بعد إجراء استفتاء شعبي فيها. سميت الخلافات الدولية بين روسيا وأمريكا في هذه السنوات بـ «الحرب الباردة الجديدة». أخذت هذه الحرب الباردة بين روسيا وأمريكا منعطفا خطيرا في قضية سوريا الدموية والتي يؤيد فيها الروس عسكريا إيران والحكومة السورية المؤيدة من قبل إيران ضد أمريكا.
أفغانستان أيضا وصلت إليه هذه الحرب بسبب الخلافات الدولية بين روسيا وأمريكا من جهة، والتحولات الداخلية من جهة أخرى. مع أن روسيا وافقت الإجراءات الأمريكية والناتو في أفغانستان عام 2001م وتعاونت معها؛ لكن أغلقت طرق إمدادات الناتو التي تمر عبر أراضيها لأول مرة في مايو 2015م، وبذلك انتقلت الحرب الباردة بينهما إلى أفغانستان.[1]
عام 2015م مع بدء فعاليات جناح خراسان التابع لتنظيم «الدولة الإسلامية» وتمددها في أفغانستان ازدادت خشية روسيا واتهمت أمريكا عدة مرات بالوقوف وراء انتشار هذا التنظيم في أفغانستان سيما المناطق الشمالية منها. ولذلك اتجهت إلى إقامة علاقات مع طالبان وأقامت وبمشاركة كل من الصين وباكستان اجتماعا ثلاثيا في موسكو حول القضية الأفغانية في أواخر عام 2016م. وهكذا تستخدم روسيا «علاقاتها مع طالبان» في الحرب الباردة الجديدة كأداة للضغط على أمريكا.
ماذا يعني الموقف الروسي الجديد؟
العلاقات بين روسيا وطالبان هي جزء من الحرب الباردة بين أمريكا وروسيا والتي تبدو غير طبيعية بالنظر إلى الخصومة السابقة بين طالبان وروسيا؛ لكن الطرفين عرفا أن الوضع يقتضي التقبل من كل طرف للطرف الآخر.[2] طالبان تعتبر علاقاتها مع روسيا اعتراف الدول المهمة في المنطقة بها على مستوى المنطقة والعالم؛ لكن روسيا تفسر علاقاتها مع طالبان بشكل آخر. تفسر روسيا حتي الآن علاقاتها مع طالبان على شكل نقاط التالية:
- الخوف من تمدد تنظيم «الدولة الإسلامية» في أفغانستان.
- تأمين الدبلوماسيين الروس.
- التعاون مع الحكومة الأفغانية لإحضار طالبان على طاولة المفاوضات.
بالنسبة للسبب الأخير ومع التصريح الأخير لضمير كابلوف ظهر تغيير واضح في الموقف الروسي، وهكذا أيد الروس موقف طالبان وطلبهم الدائم. قبل يوم من الاجتماع الثاني لما يسمى بـ«عملية كابل» طالبان وفي رسالة مفتوحة[3] لهم للكونغرس والشعب الأمريكي، طلبت منهم الحضور لمفاوضات مباشرة، والتي قبلت بذلك أمريكا من الحركة عام 2013م وافتتح نتيجة لذلك مكتب طالبان السياسي في قطر.
إذا نظرنا إلى التصريحات الأخيرة لكابلوف؛ فإنها تظهر الضغط الروسي على أمريكا وتعزيز دورها في القضية الأفغانية، لأنه طلب من الأمريكيين طاعنا فيهم أن يتعلموا من الروس ويقبلوا الهزيمة؛ ومن جهة أخرى تشير تصريحات المندوب الروسي إلى بعض الحقائق أيضا.
روسيا الآن لديها الخشية من الأوضاع في أفغانستان. سوء الأوضاع الأمنية في شمال أفغانستان وتمدد فعاليات مقاتلي تنظيم «الدولة الإسلامية» من جهة، ومن جهة أخرى نظرا للتقرير الأخير للحكومة الأفغانية ومكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة (UNODC)؛ فإن زرع المخدرات وإنتاجها بلغ مستوى غير مسبوق. ازدادت نسبة زرع الخشخاش عام 2017م، 63 في المائة والأفيون 87 في المائة بالنسبة لعام 2016 الماضي[4]، في حين على قول المسؤولين الأفغان فإن أمريكا لا تدفع أموالا هذا العام لمحو مزارع المخدرات.[5] ازدياد إنتاج المخدرات وتهريبها هي قضية تعتبرها روسيا «حرب الأفيون» ضدها، ولذلك سمحت أمريكا للروس بالمشاركة في محو المخدرات في ننجرهار للحد من قلقهم عام 2011م.
بالنظر إلى الخوف الروسي الزائد، على روسيا أن تدرك أن من أجل نجاح عملية السلام في أفغانستان واستقرار الأمن في هذا البلد؛ يجب أن يتفاوض الأمريكيون مع طالبان ويحددوا موعدا لمغادرة أفغانستان. لأن الحرب 17 عاما الماضية، والمواقف الأخيرة لطالبان، وعدم الرد على عرض الحكومة الأفغانية الجديد للسلام؛ كل ذلك أثبت أن الإبهام بشأن مستقبل حضور القوات الأجنبية في أفغانستان هو العامل الأساسي لفشل عملية السلام. لأن وفقا لاستراتيجية ترمب الجديدة؛ فإن عدم وضوح مدة حضور القوات الأمريكية أو مغادرتها من شأنه استمرار الحرب، الأمر الذي ليس بإمكان الحكومة الأفغانية اتخاذ القرار بشأنه.
تأثيرها على الحرب الأفغانية
في الوقت الذي أفغانستان في وضع سياسي وأمني سيء للغاية، وهو نفسه وفقا لما قال رئيس الحكومة أنها لا تستطيع الاستمرار دون مساعدات مالية وعسكرية أمريكية وغربية؛ تقف الحكومة الأفغانية في الوقت الحاضر بجانب أمريكا ضد الروس. ولذلك فإن الرئيس أشرف غني كأرفع مسؤول للحكومة الأفغانية اتهم روسيا لأول مرة في أواخر عام 2017م بعد هجوم دموي في محافظة باكتكيا بتقديم الأسلحة لطالبان.
والآن فإن روسيا اتخذ موقفا معارضا للحكومة الأفغانية من جهة، لأنها أي الحكومة الأفغانية تريد إحضار طالبان إلى مفاوضات بين الأفغان، ومن جهة أخرى فإنها تظهر صعوبة اختبار القوة مع أمريكا. مع أن روسيا لم تقبل اتهام مساعدتها العسكرية مع طالبان؛ إلا أن هذا الموقف يظهر أن إذا أمريكا لا تعمل لإنهاء الحرب، الروس يحاولون تصعيب هذه الحرب للأمريكيين. هدد الروس قبل أشهر أنهم يقومون بعمليات عسكرية في أفغانستان إذا لم تستطع أمريكا والحكومة الأفغانية سحق تنظيم «الدولة الإسلامية». المساعدات العسكرية الروسية لطالبان قد تكون إحدى إجراءاتها العسكرية؛ لأن طالبان مشغولون بالقتال عمليا مع هذا التنظيم.
يعتبر الموقف الروسي الجديد ضغطا على أمريكا لبذل الجهود الصادقة بشأن عملية السلام الأفغانية من جهة؛ ومن جهة أخرى المواجهة بين قوات الطرفين في أفغانستان يعتبر اختبارا للقوة أيضا، ومعنى ذلك استمرار الحرب في أفغانستان ودمويتها أكثر. من مصلحة أفغانستان أن يبقى محايدا في الخلافات بين القوات الأمريكية والروسية وقوات المنطقة، وأن تقوم بإدارة هذه الخلافات على نحو تنفع البلاد وتجنبها الحروب بالنيابة، وعلى نحو تتقاطع مصالح تلك الدول هنا في أفغانستان.
النهاية
[1] The Moscow times, Russia Closes NATO’s Transport Corridor to Afghanistan, May 18 2015, see online:
https://themoscowtimes.com/articles/russia-closes-natos-transport-corridor-to-afghanistan-46633
[2] Thalil Journal of CSRS, Close ties between Russia, Iran and the Taliban, by Dr. Misbahullah, Sep 2017, Page 35.
[3] The Guardian, Taliban publish letter calling on US to start Afghan peace talks, 14 Feb 2018, see online:
[4] UNODC, The Afghanistan Opium Survey Release, 21 May 2018, see online:
http://www.unodc.org/afghanistan/en/frontpage/2015/the-afghanistan-opium-survey-was-released.html
[5] BBC Pashto, see online: http://www.bbc.com/pashto/afghanistan-44109330