نظرة على وقف إطلاق النار المؤقت وأثره في عملية السلام
لأول مرة منذ عام 2001م وبداية حربها مع الحكومة الأفغانية والقوات الأجنبية، أعلنت حركة طالبان عن وقف إطلاق النار ضد القوات الأفغانية لمدة ثلاثة أيام.
وقد كان وقف إطلاق النار في أيام عيد الفطر الثلاثة، إجابة لوقف إطلاق النار من الحكومة الأفغانية لثمانية أيام (27 رمضان إلى 5 شوال)، وإن كان البيان الأخير من طالبان قد نص على أن هذا العمل لم يكن إجابة لإعلان الحكومة الأفغانية وإنما هم أوقفوا إطلاق النار لثلاثة أيام في العيد الماضي ودون إعلان مسبق.
تلقى وقف إطلاق النار من الجانبين ترحیبا حارا على المستوى الأفغانية والدولية، وعليه أعلنت الحكومة الأفغانية تمديد أيام وقف إطلاق النار إلى عشرة أيام، غير أن طالبان لم يوافقوهم وشنوا هجماتهم على القوات الحكومية بعد أيام العيد الثلاثة.
يدرس هذا المقال وقف إطلاق النار بين الحكومة وطالبان، وتبعاته وآثاره على وجه العموم وأثره على عملية السلام الأفغانية على وجه الخصوص.
وقف إطلاق النار، فريد من نوعه
يختلف وقف إطلاق النار الأفغاني عن غيره من البلدان الأخرى، إذ كان دون وسيط وإعلان مسبق وقد روعي من الجانبين في تمام الوقت. ومن جهة أخرى، فإن قوات الحكومة الأفغانية وطالبان قاموا باحتفال هذه أيام في جو من الفرح والسرور معا في معظم مناطق البلاد، وحتى بعض مسؤولي الحكومة التقوا بمسلحي طالبان واحتضنوهم وأخذوا معهم الصور التذكارية.
حالة كهذه لم تفاجأ الأفغان فقط، وإنما حيّرت العالم، والتي أحيت بواعث الأمل في تمديد وقف إطلاق النار في الداخل والخارج، وجعلت بلدان ومنظمات ضمنها الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي – الناتو أن أعلنوا دعمهم عن تمديد وقف إطلاق النار الذي أعلنته الحكومة الأفغانية وطلبوا من طالبان قبوله بعد مرور الأيام الثلاثة.
وقد ارتفعت أصوات في هذه الأيام الثلاثة على نطاق واسع دعما وتمديدا لوقف إطلاق النار من المناطق المختلفة الأفغانية، مما جعلت الحكومة الأفغانية تلبي هذه النداءات وأعلنت تمديده، وطلبت من طالبان قبول هذه الدعوة. ولكن طالبان رفضوا تمديد وقف إطلاق النار نظرا إلى الوضع الذي راح يسيطر على الجنود من انخفاض النزعة الجهادية في صفوف طالبان.
نتائج وتبعات لوقف إطلاق النار على الجانبين
وقد كان لوقف إطلاق النار نتائج وتبعات لكل من الجانبين نشير إلى بعضها:
- أثبتت الحكومة الأفغانية بإعلانها عن وقف إطلاق النار واستجابة طالبان ولو لثلاثة أيام، أنها قد تقدمت في الآونة الأخيرة بخطوات إيجابية ومؤثرة في مسيرة المصالحة الأفغانية.
- دعوة الرئيس الأفغاني لوقف إطلاق النار وتمديده أدت إلى ثقة الشعب ودعمهم لجهود رئيس الجمهورية/ غني في السلام الأفغانية.
- أثبت القرار الحكومي لوقف إطلاق النار أن الحكومة الأفغانية باستطاعتها أن يخطو خطوات مؤثرة في إقامة السلام واستقرار البلد.
- كما أعرب وقف إطلاق النار أن استمرار الحرب في البلاد لها جذورها الخارجية ومداخلات لغير أهلها، ولو استطاع الأفغان قطع الأيادي الخبيثة والحضور الأجنبي لتمت المصالحة الأفغانية.
- كشف وقف إطلاق النار عن كذب دعوى وجود عشرين فريق مسلح في أفغانستان، حيث أننا لم نلاحظ أية حادثة طوال هذه المدة، إلا ما حدث عن انفجارين في ننجرهار أخذ تنظيم داعش المسؤولية على عاتقها، كما كشف عن فعاليات داعش في شرقي أفغانستان لاسيما ننجرهار دون غيرها من المناطق.
- كشف وقف إطلاق النار أن الخلافات التي شهدتها حركة طالبان على مستوى القيادة طوال السنوات الثلاثة الأخيرة لم تؤثر في صفوف مقاتلي الحركة، وإنما الحركة لا زالت تتمتع بالقوة والوحدة.
- كما أن وقف إطلاق النار أثبت أن الأفغان في كل الطرفين أتعبتهم الحروب وأعيتهم، وقد أعربت غالبية الشعب عن رغبتهم في السلام والمصالحة.
- وإن كان عدم تمديد وقف إطلاق النار من جهة طالبان سببا في غضب الشعب وخيبة أملهم فيهم، إلا أن الأيام الثلاثة في أجواء السلام والمصالحة أعطت الشعب الأفغاني أملا في حياة أفضل في ظل السلام وعدم العنف في البلاد. كما أنها أثبتت أن الدعم الشعبي ولا سيما وسائل التواصل الاجتماعي لها أثر كبير في إقامة السلام ونجاحها.
وقف إطلاق النار ومفاوضات السلام
تضاعف وقف إطلاق النار دون وسيط خارجي، آمال الشعب في المصالحة الأفغانية، وتزايدت الآمال في أنهم قد اقتربوا من المصالحة الأفغانية أكثر من أي وقت مضى.
تعتبر رعاية وقف إطلاق النار وحضور قوات من الجانبين في ساحات تواجد كل منها في أيام العيد الثلاثة، تطورا عظيما في إيجاد الجو المليء بالثقة في طرفي الحرب، كما أنها تعتبر خطوة مؤثرة في بدء المفاوضات الأفغانية حول السلام والمصالحة، هذا وقد أعرب المجلس الأعلى للسلام أن لها اتصالات مع مسؤولي طالبان في هذه الأيام الثلاثة.
وإن كان وقف إطلاق النار قد تلقت ترحيبا واسعا بين الشعب الأفغاني، إلا أن هناك خلافات شوهدت في أوساط المجتمع الأفغاني، مما يعبر عن وجود موانع داخلية لابد من مكافحتها والتي تعتبر من أهم الخطوات في إقامة السلام والمصالحة الأفغانية.
وفي سياق آخر، مهما نسمع من مفاوضات خلف الستار بین الحکومة الأفغانية وطالبان إلا أن ما هو ظاهر ليست لطالبان رغبة في مفاوضات مع الحكومة الأفغانية، وإنما تؤكد طالبان على مفاوضات السلام مع الأمريكان، وعليه، أعربت في بيانها الأخير لوقف إطلاق النار ورفضت عن وجود أية حوارات ولا مفاوضات علنية ولا خفية بينها وبين الحكومة الأفغانية.
التطور المهم الذي نشاهد نتيجة رعاية وقف إطلاق النار، أن الرئيس الأفغاني لأول مرة يكشف عن الحوار حول حضور القوات الأجنبية في أفغانستان، ومن جهة أخرى، كشفت وزارة الخارجية الأمريكية عن مشاركتها في مفاوضات السلام مع طالبان. كما أعرب جيمز كننجهم السفير الأمريكي السابق في أفغانستان في حوار له: أن الأمريكان تلعب دورا واضحا في أفغانستان ولابد لها أن يتفاوض مع طالبان.
وإن كانت الأطراف المعنية في الحرب الأفغانية ـ منهم حركة طالبان ـ قد وصلوا إلى أن الحل الحربي لا يستجدى لأي فريق، وعليه طلب طالبان في بيانها الأخير من الأمريكان أن يحضروا في مفاوضات السلام معهم. ولكن مع أن في هذه الآونة الأخيرة وصلت ضحايا القوات الأجنبية في الحرب الأفغانية على أقل تقديرها، ولا تكون ضحايا الحرب إلا الأفغان من الجانبين، تصر طالبان على استمرار الحرب ضد الحكومة الأفغانية لتحضر الأمريكان على طاولة المفاوضات، وليست لها أية رغبة في الحوار مع الحكومة الأفغانية.
لذلك، وإن كان قد لوحظ تطورات إثر وقف إطلاق النار المؤقت في عملية السلام والمصالحة الأفغانية إلا أنه لا توفق عملية السلام إذا لم نلمس التعامل الواقعي الإيجابي من كل الأطراف المعنية في هذه العملية.
النهاية