العلاقات الأفغانية الباكستانية وجهود جديدة لبناء الثقة
العلاقات بين أفغانستان وباكستان بعد أزمة عدم الثقة ومنحنياتها صعودا وهبوطا خلال فترة حكومة الوحدة الوطنية، بدأت مرة أخرى تعيد الثقة وتتحسن.
في الأشهر الأخيرة، بدأت وزارتا خارجية أفغانستان وباكستان مبادرة مشتركة في ظل برنامج “الخطة العملية لباكستان وأفغانستان من أجل السلام والتضامن” (APAPPS). وقد مهد الطريق لبعض الاجتماعات السياسية التشاورية وتبادل الزيارات الرسمية بين مسؤولي البلدين.
في سلسلة هذه الزيارات، سافر وفد أفغاني رفيع المستوى إلى العاصمة الباكستانية إسلامآباد الأسبوع الماضي (19 يونيو 2018)، حيث قال المسؤولون الأفغان إن أجندة الوفد كانت إجراء محادثات مع المسؤولين الباكستانيين حول قضية السلام ووقف إطلاق النار مع حركة طالبان الأفغانية.
العلاقات بين كابل وإسلام آباد خلال عهد حكومة الوحدة الوطنية، الجهود الجديدة لبناء الثقة بين البلدين والتحديات والفرص الجديدة تجاه عملية السلام، هي الموضوعات التي تم البحث حولها في هذا المقال.
نظرة على العلاقات بين كابل وإسلامآباد
علاقات كابول وإسلام آباد كانت دوما ضحية عدم الثقة، ويشك كل منها في مواقف الآخر؛ ومما يثير الاهتمام في هذه العلاقات المتوترة، أن كابول مع شكوكها وعدم ثقتها في الجانب الآخر تحاول تحسن علاقاتها مع باكستان، ومن ثم تستفيد منها على نجاح عملية السلام والاستقرار في أفغانستان. وعلى مدى قصير أدى هذا الموقف إلى تحسن العلاقات بين البلدين، ولكنه على مدى الطويل لم يحصل على شيء.
بعد إيجاد حكومة الوحدة الوطنية وعلى أساس السياسة الخارجية السابقة أصبح الرئيس الأفغاني محمد أشرف غني قريبا جدا من إسلام آباد وأعطاها امتيازات كثيرة. وقد تضاعفت رحلات مسؤولين سياسيين وعسكريين من الحكومة الباكستانية إلى أفغانستان وأعطى كل مسؤول تعهدات جديدة حول قضية السلام والمصالحة الأفغانية إلا أن الطرف الباكستاني لم يتعهد بأي منها.
مواقف الرئيس الأفغاني تجاه باكستان والامتيازات التي أعطاها، مع تزايد الانفجارات الدموية في عاصمة البلاد آنذاك، واجهت انتقادات شديدة من وسائل الإعلام، وبعض ناخبي المجلس الوطني، ومسؤولي الحكومة السابقة. وهكذا عدم وفاء الحكومة الباكستانية بمواعيدها وتدهور الحالة الأمنية في أفغانستان أدى إلى توتر العلاقات بين حكومة الوحدة الوطنية وباكستان توترا شديدا، إلا أن الرئيس الأفغاني رفض مساعدات الحكومة الباكستانية في المؤتمرات العالمية، وبدأ يحاول عزل باكستان على المستوى الدولي.
وفي خضم هذه العلاقات المتوترة، وعلى أساس استراتيجية أمريكا الجديدة لأفغانستان وآسيا الجنوبية والضغوط الجديدة على باكستان عادت جهود لتحسن العلاقات بين كابول وإسلام آباد في هذه الأشهر الأخيرة؛ تبادل مسؤولون رفيع المستوى من الجانبين، وقد تحسنت موقف الحکومة الأفغانية تجاه باكستان بشكل طفيف، وتظهر على الطرف الباكستاني رغبتها في تحسن العلاقات.
ولعل التوجه الأفغاني إلى باكستان في عملية السلام والاستقرار في أفغانستان يعود إلى عدم رغبة طالبان في التفاوض مع الحكومة الأفغانية، وقد حدد هذا من خيارات الحكومة الأفغانية في عملية السلام ويميل المسؤولون الأفغان دوما إلى باكستان بغية أن تعامل باكستان هذه المرة في قضية المصالحة بصدق وتمهد لمفاوضات بين الحكومة الأفغانية وطالبان.
جهود بناء الثقة في جو عدم الثقة
بدأت اجتماعات الجانبين السياسية والاستشارية في ذروة عدم الثقة بين البلدين في جولاي 2017م في كابل، حيث استقبل الطرف الأفغاني الوفد الباكستاني برئاسة نائبة وزير الخارجية الباكستانية “تهمينة جنجوعة”.
وتحدث الوفد الباكستاني مع الجانب الأفغاني برئاسة النائب السياسي لوزارة الخارجية الأفغانية “حكمت خليل كرزي” في بناء الثقة بين البلدين، وتقوية العلاقات السياسية والتجارية والترانزيتية، والأمن على طول خط ديورند الحدودي، والاستقرار الأمني والمصالحة الأفغانية. كما أن الجانبين تعهدا البحث عن الآليات المختلفة لإيجاد الثقة بين البلدين.
وقد أقيمت هذه الاجتماعات السياسية الاستشارية عدة مرات في كابول وإسلام أباد، وأخيرا في مارس 2018م وفد رئيس الوزارء الباكستاني السابق شاهد خاقان عباسي إلى كابول، وفي لقاء مع الرئيس الأفغاني محمد أشرف غني تحدثا على تطبيق “الخطة العملية لباكستان وأفغانستان من أجل السلام والتضامن” (APAPPS) وتعهدا على ما يلي:
- تدعم باكستان عملية السلام والمصالحة برئاسة أفغانستان وملکیتها.
- یتعهد الطرفان على خطوات مؤثرة ضد من لم يحضر عملية السلام ويهدد أمن البلدين.
- يتعهد كل من الطرفين بأنه لا يوطد أي بلد، أو منظمة، أو مؤسسة أو شخص داخل بلده ضد الطرف الآخر.
- لبدء المواعيد والأصول التي تعهد كل طرف لها، يقوم مسؤولي العلاقات بإيجاد آلية مناسبة لتقويم، وتنسيق وتثبيتها.
- يتعهد كل من الطرفين على منع الهجمات الأرضية والسماوية من جهتها.
- يعمل كل من الطرفين على خطة عمل البلدين في منع لعبة اللوم والقضايا مثيره للجدل.
- إيجاد الآليات التنسيقية لبدء وتطبيق هذه الأصول المذكورة أعلاها، و”الخطة العملية لباكستان وأفغانستان من أجل السلام والتضامن”.
توطدت العلاقات بين البلدين بعد سفر شاهد خاقان عباسي، وعززت المواعيد السابقة التي تعهد كل طرف بتطبيقها. وقد سافر كل من محمد حنيف أتمر رئيس شورى الأمن القومي، ومعصوم ستانكزي رئيس الأمن القومي، وويس برمك وزير الداخلية إلى باكستان يوم 28 ماي 2018م وتحدثوا مع الطرف الباكستاني حول الخطة العملية للسلام والتضامن.
سافر رئيس القوات المسلحة قمر جاويد باجوه إلى كابول في 12 جون 2018م وتحدث مع مسؤولي الحكومة الأفغانية، وفي هذه السلسلة من الزيارات وفد مرة ثانية كل من محمد حنيف أتمر رئيس شورى الأمن القومي، ومعصوم ستانكزي رئيس الأمن القومي، وويس برمك وزير الداخلية إلى إسلام آباد، وفي حين أن طالبان قد أعلنوا خاتمة وقف إطلاق النار من جهة، ومن جهة أخرى، قتل ملا فضل الله مسؤول طالبان الباكستانية في كونر إثر ضربة جوية مشتركة بين القوات الأفغانية والأمريكية.
السلام الأفغاني؛ التحديات الجديدة والفرص الجديدة
على إثر التحولات الأخيرة ولدت تحديات جديدة وفرص جديدة في قضية السلام والمصالحة الأفغانية. من التحديات الجديدة هي الدور المتزايد لروسيا وإيران في الساحة وعلاقاتهما السيئة مع أمريكا. وكما يظهر أن علاقة طالبان توسعت مع هاتين الحكومتين، وأصبحت عملية السلام بها أكثر تعقيدا في البلد.
وفي الطرف الآخر، البداية الناجحة لوقف إطلاق النار بين الحكومة الأفغانية وطالبان في أيام العيد، قد أحيت آمال السلام في النفوس وتعتبر فرصة جديدة، كما أن التحركات الشعبية للسلام داخل البلد وتغيير الموقف الأمريكي ولو كان طفيفا، تعتبر من الفرص الجديدة أيضا.
وما أسلفنا هي بعض ما يقتضي خطوات جديدة وجادة من الطرفين في قضية السلام. وإنما استراتيجية الحكومة الأفغانية لا زالت تتمحور حول جهود باكستان الصادقة، وعليه في الأشهر الأخيرة وعلى تحسن العلاقات بين البلدين، الجهود مستمرة. وفي هذا الوقت، الأمل على التطورات الجديدة في الموقف الباكستاني لا يعبأ به، إذ أنها وليدة ضغوط دولي، وعلى ما يظهر أن جهود باكستان ترنو إلى تقلص هذه الضغوط في المرحلة الراهنة فقط.
النهاية