مليشيات موالية للحكومة في مواجهة الحكومة

 

القوات المسلحة المحلية تعتبر صناعة أمريكية أفغانية كانت تهدف تعزيز الأمن في البلد. هذه القوات المسلحة وإن كانت في قصير المدى تدفع المخالفين عن الإقليم الذي أنشئت فيه، فإنها أصبحت في طويل المدى تهديدا للحكومة الأفغانية إذ أصبحت مراكز القدرة والسلطة تهدد الحكومة.

من هذه المليشيات، في ولاية “فارياب” نظام الدين قيصاري أحد قائدي “الحركة الوطنية” العسكريين والموفض الرسمي للجنرال “دوستم” في هذه الولاية، قام بتهديد القوات الحكومية واستعمل القوة والسلاح في وجه الحكومة وهدد القوات الحكومية بالبطش والقتل.

وإن كان قيصاري قد تم القبض عليه من جهات حكومية وتصر على أنه يجيب عن الاتهامات التي اتجهت إليه، فإن محاميه من الشعب قاموا بمسيرة احتجاجية غاضبة في ولايات: جوزجان، وفارياب، وسربل، وطلبوا الإفراج عنه فورا.

تهدف هذه المقالة إلى بيان إيجاد المليشيات المسلحة المحلية، وأثرها في إيجاد مراكز القوى والقدرة، وأخيرا مواجهة هذه القوى مع القوات الحكومية.

 

المليشيات المسلحة المحلية

استخدام المليشيات المسلحة المحلية لتعزيز الأمن في البلد لها جذور تاريخية؛ إلا أن هذه المليشيات أصبحت مصدر قلق للحكومات في وقتها أو كانت سببا في تمزيق البنى الوطنية وإيجاد قوميات و فرق ومن ثم سببا في الحروب الحزبية والقبلية.

بدأت خطط مبرمجة إثر الحملة الأمريكية لأفغانستان وانهيار طالبان، لتسليم السلاح من القوات المسلحة المحلية باسم “دي دي آر” (DDR) وبعد ذلك “داياج” (DIAG). ولكنه لم يمكث طويلا بعد عدة سنوات وحين بدأت الحرب تتزايد، بدأت إيجاد المليشيات المسلحة المحلية مرة أخرى وبعد صرف ملايين دولارا أمريكيا في إنهاءها.

في عام 2010م لما تولى الجنرال بتريوس منصب القائد العام للقوات الدولية في أفغانستان، استفاد من تجربة مليشيات مسلحة في الحكومة العراقية وقدم الأطروحة للرئيس الأفغاني حامد كرزاي. وقامت الحكومة الأفغانية بقرار من رئاسة الجمهورية بتطبيق الخطة وأنشئت “شرطة الأفغان المحلية” (ALP) في عام 2011م، وتصل قواتها اليوم إلى ثلاثين ألف (30000) جندي.

وفي البداية، في الأقاليم التي أنشئت المليشيات المسلحة، كانت مخالفة للدافع الوطني إذ كانت وراءها الدوافع القومية، ومن جهة أخرى، كانت قيادة هذه المليشيات بأيدي أصحاب السلطة أو المسلحين السابقين، والذين كان لهم خلفيات إجرامية وأعمال غير أخلاقية واتهامات ضد حقوق الإنسان.

 

انتهاك حقوق الإنسان

إيجاد أمريكا المليشيات المحلية في أفغانستان كان بمثابة مواجهة البلاد مرة أخرى إلى ذلك التهديد الذي ذاق الشعب مرارته. اعتبرت الجمعيات الدولية هذه التجربة في غير محلها، والتي مهدت باسم “الشرطة المحلية” الطريق إلى المليشيات السابقة لتستولي على المنطقة مرة أخرى.

وخلافا للآلية التي وضعتها الحكومة وتحت سيطرة القوات الأجنبية، والقوات المحلية والقادة العسكريين، تم توظيف الذين لهم جرائم سابقة وأعمال غير أخلاقية وغير قانونية. وعليه قاموا بنشاطات غير قانونية وأنشأوا مراكز القوة والسلطة في أقاليمهم واتهموا بانتهاك حقوق الإنسان وأعمال غير قانونية.

وقد ثبت في تقارير منظمة حقوق الإنسان العالمية جرائم لهؤلاء المليشيات كالقتل، والتعذيب، والزنا، وغيرها من الجرائم.[1]

جاءت في إحدى تقارير اللجنة المستقلة لحقوق الإنسان في عام 1391هـ.ش بأن الشرطة المحلية في مختلف مناطق البلد كانت سببا في توتر الحالة الأمنية وعدم الاستقرار. وأضافت أنها لا تقوم بقرارات الحكومة، وتموضع في هذه المليشيات الأشخاص الذين كانت لهم نشاطات مع فرق غير القانونية المسلحة سابقا.

وفي جانب آخر، جاء في تقرير لمنظمة الأمم المتحدة في عام 2011م بأن الشرطة المحلية تقوم بتوظيف الأطفال في فرقها ويتعدى عليهم جنسيا.

 

اشتباكات القوات المسلحة المحلية مع الحكومة

نظام الدين قيصاري قائد مديرية قيصار في ولاية فارياب، ومسؤول القوات المليشية لحزب “الحركة الوطنية”، يقاتل قوات طالبان وداعش مساندا مع القوات الحكومية، ولكن القوة والسلطة التي يمتلكها كانت في الأسبوع الماضي، سببا في تهديد القوات الحكومية في اجتماع أمني بفيلق “شاهين 209” التابع للجيش الأفغاني.

وحسب بيان فيلق “شاهين 209″، اعتبر قيصاري المشاركين خونة وقال لهم: “أقتلكم، وأحرق المؤسسات الحكومية، وأهدم الحكومة في مدينة ميمنة”. وأضاف البيان: بعد هذه المحادثة أخذ سلاحه وبدأت معركة، انتهت بانتصار القوات الحكومية وانتقال قيصاري إلى كابول.

هذه حادثة تشهد احتمال اشتباكات هذه القوات المليشية مع الحكومة، والسؤال هو ما هي العوامل التي أدت إلى هذه الاشتباكات؟ وعليه يجب الانتباه إلى:

الأول: الأساس القومي للمليشيات المسلحة المحلية في أفغانستان قضية خطيرة، وقد تصطدم المليشيات المحلية بينها على أساس هذه القومية، وتتخذ هذه المليشيات مواقف قومية ومخالفة للحكومة في قضايا مهمة للبلد.

الثاني: تنشط المليشيات المحلية في مناطق تضعف فيها القوات الحكومية. لم تستخدم الإمكانات والقدرات الموجودة لصالحها في المنطقة فقط، بل في حالة ضغط الحكومة أو الشعب تتمرد عليها بسهولة.

الثالث: لا تقدم توجيهات وتعليمات تربوية للمليشيات المحلية، ولا يكون هناك متابعة للحكومة في أمورهم ووظائفهم، وهذا يسبب في أن كثيرا منهم يؤذي الناس، ويسرق ويتعدى على أموال وأعراض الناس، وهذه أمور أدت إلى زيادة المسافة بين الناس والحكومة.

 

موقف الحكومة ضد مراكز السلطة المحلية

منذ 17 عاما في أفغانستان، صرفت مبلغا باهظا من الأموال الواردة والمساعدات الدولية في إيجاد المليشيات المحلية بغية تعزيز الأمن في البلد، ولكن المبالغ أعطيت لأشخاص قام كل واحد بإيجاد قوة وسلطة في منطقته وأصبحت هذه السلطة مصدر قلق للحكومة وأوجدت موانع في طريق الأمن في البلد.

بعد تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، اعتبرت خطوات الحكومة ضد إجراءات تعسفية لنائب رئيس الجمهورية الجنرال دوستم، خطوات حاسمة للقضاء على مراكز السلطة والقوة المحلية، خاصة في شمال البلاد.

كانت التسوية السياسية مع عطاء محمد نور حاكم ولاية بلخ السابق، محاولة أخرى من أجل إضعاف مراكز السلطة والقوة في الشمال. ومع ذلك، لا تزال الحكومة الأفغانية تواجه سماسرة القوة في مختلف أنحاء البلاد، وتمرد قائد شرطة قندهار ليس إلا نموذجا منها.

قبل أيام، قال الرئيس أشرف غني في خطابه بفيلق “سيلاب 201” التابع للجيش الأفغاني، أنه لا يقبل بعد الآن القوات المسلحة غير المسؤولة وأكد أنه يسلمهم إلى القانون. وعليه، ألقت الحكومة القبض على نادر شاه في بدخشان، ورحيم الله رئيس الاستخبارات السابق في ولاية أوروزجان، إلى جانب نظام الدين قيصاري في الأسبوع الماضي فقط. وتقول الحكومة إن هناك العديد من الاتهامات بخرق القانون وإساءة استخدام السلطة الموجهة إليهم.

مع هذا کله، لابد أن نزعن بأن السياسات العرقية والميليشيات المسلحة المحلية في أفغانستان كانت دائما تهدد الاستقرار السياسي والأمني في البلاد وقد تسببت الشقاق بين القبائل والحرب الأهلية في أفغانستان. ومن ثم، فإن منع إنشاء وتعزيز الميليشيات المسلحة المحلية أمر مطلوب قبل كل شيء. إلا أن الخطوات الأخيرة التي اتخذتها الحكومة ضد الميليشيات المسلحة المحلية جعلت بعض الأشخاص والسياسيين يضغطون على الحكومة؛ لكن يجب على الحكومة أن تلاحظ أنها لو تريد القضاء على مراكز السلطة والقوة المحلية، فينبغي أن تكون مستعدة للوقوف في وجه هذه الضغوط أيضا.

انتهى

 

[1] لمزيد من التفاصيل:

http://www.darivoa.com/a/afg-arbakies-134499768/1440220.html

أيضا:

http://da.azadiradio.com/a/24326482.html

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *