عملية السلام الأفغانية ومأزق المفاوضات بين الأفغانية
صرحت أليس ولز مساعدة نائب وزير الخارجية الأمريكية لشؤون جنوب ووسط آسيا، للصحفيين خلال سفرها الأسبوع الماضي إلى كابول، بأنه لم يبق لطالبان أية حجة لرفضها مفاوضات السلام مع الحكومة الأفغانية بعد إعلان أمريكا لحاقها في مفاوضات السلام والتفاوض حول مستقبل القوات الأجنبية في أفغانستان.
كما أن الرئيس محمد أشرف غني في مؤتمر صحفي حول السلام وإنهاء وقف إطلاق النار من جهة مع طالبان، طلب منهم مرة أخرى قبول دعوة السلام من الشعب والحكومة، كما أنه أكد نظرا إلى الإجماع الشعبي والدولي حول قضية السلام في أفغانستان، فلا يعطي لأي أحد حق “فيتو” في قضية السلام.
غير أن حركة طالبان بعد الضغوط الأخيرة عليها في مفاوضات السلام مع الحكومة الأفغانية، رفضت في عدة بيانات طلب الشعب والحكومة للمفاوضات بين الأفغانية في قضية السلام، واعتبرت مسيرات شعبية تدعو للسلام في مختلف الولايات الأفغانية مشروعا أمريكيا.
والسؤال هنا: في خضم هذه المواقف الأخيرة حول مفاوضات السلام؛ الجهود والضغوط المتزايدة على طالبان لبدء المفاوضات بين الأفغانية في قضية السلام، والموقف الرافض لها من جهة طالبان، فإلى أين ينتهي مصير السلام في أفغانستان؟
الضغوط المتزايدة على طالبان
الضغوط المتعددة في المستوى الوطني والدولي على طالبان لحضورهم في مفاوضات السلام، هي القسم الأساس من خطة عمل الرئيس أشرف غني في قضية السلام. وعليه، كان أول خطوة للرئيس الأفغاني الضغوط الواردة على باكستان لضغطها هي على طالبان، ولكنه لم يوفق مع الجهود المبذولة وإعادتها مرات عدة في الأشهر الأخيرة.
اتخذت حكومة الوحدة الوطنية الضغط العسكري آلية ضاغطة أخرى مساندة للضغوط السياسية. لم تكن الحملات الوسيعة لسحق طالبان في السنوات الثلاث الأخيرة فقط، بل قام بدعم الحملات الجوية للقوات الأمريكية في أفغانستان، وعليه صرح الرئيس الأفغاني في المؤتمر الصحفي في الأسبوع الماضي: “أن الهدف من استخدام القوة في إستراتيجية أمريكا في أفغانستان وجنوب آسيا، هو السلام”.[1]
تشكل الضغوط الدينية والاجتماعية على طالبان طرفا آخر من هذه الضغوط؛ فقد قام الرئيس الأفغاني فضلا عن دعمها الخطوات الشعبية السلمية، بنقد حرب طالبان من منظور شرعي، واستند على الفتاوى التي أصدرت في داخل وخارج أفغانستان ضد الحرب الجارية في البلاد. ومن أهمها ما كان من اجتماع علماء الدين في مؤتمر سلام في إندونيسيا، واجتماع علماء الدين في كابول، واجتماع قريب لعلماء الدين في السعودية.
والغرض الأساس من هذه الضغوط، هو بدء مفاوضات السلام بين الحكومة الأفغانية وطالبان والمفاوضات بين الأفغانية. وعليه، يعتبر الرئيس الأفغاني عملية السلام بقيادة وملكية الأفغان حلا وحيدا للسلام في أفغانستان، ويطرح اتفاقية السلام مع الحزب الإسلامي كنموذج ناجح لهذه الأطروحة.
ومما هو ظاهر أنه منذ العام 2014م وصلت ضحايا القوات الأجنبية في الحرب إلى أدنى حدها، ويتشكل الضحايا في الحرب الراهنة من الأفغان في كلا الطرفين، هذا ما أدى إلى ازدياد الخطوات السلمية الشعبية والضغوط الاجتماعية المتزايدة على طالبان.
بعثت الضغوط الأخيرة بواعث القلق لدى طالبان واتخذوا تجاهها مواقف شديدة وقاموا بدعايات واسعة حيالها. وفي بيان لطالبان حول الفتاوى الأخيرة، اعتبروها من الضغوط التي أعرب عنها جان نيكلسن رئيس قوات حلف الشمال الأطلسي (ناتو) في شهر مارس العام الراهن، والضغوط الدينية على الحركة من ضمنها. كما استفاد طالبان من تصريحات جنرال أمريكي في بنتاغون، حيث أطلق مصطلح “التكفيريون” على عناصر طالبان وداعش، و”المجاهدون” على عناصر القوات الأفغانية والأمريكية، في هذا المجال.
طالبان والمفاوضات بين الأفغانية
طالبان كجهة أساسية في الحرب مع الحكومة الأفغانية والقوات الأجنبية لم تقبل التفاوض مع الحكومة الأفغانية رسميا، وإن كانت هناك اجتماعات غير رسمية خلف الستار مع بعض مفوضي الحكومة الأفغانية.
ويرجع رفض طالبان للمفاوضات الأفغانية في قضية السلام إلى عدة عوامل، منها:
الأول: تعتبر الحملات الجوية للقوات الأجنبية من أكبر تهديدات الحرب الراهنة لطالبان، فلا يعتبرون الحرب حربا أفغانية. ويحسبون خطة عمل الحرب الأمريكية ووجود القوات الأجنبية واستمرار العمليات ضد طالبان، هي استمرارا لـ”احتلال” البلد.
الثاني: أن طالبان تعتبر الحكومة الأفغانية بأنها فاقدا لأية سلطة، وصرحت دائما بأن الحكومة الأفغانية لا تقدر على اتخاذ قرار حيال العامل الأساسي للحرب وهو وجود القوات الأجنبية. كما أن لديهم قلقا حول الخلافات التي توجد في حكومة الوحدة الوطنية وفيها أعداء ألداء لطالبان يعرقلون مسيرة المفاوضات في أي وقت. ولهذا، صرح الرئيس الأفغاني في الأسبوع الماضي عن وجود موانع داخلية للسلام وأكد أن السلام مبتغى شعبية لا يعطي لأحد حقا في رفضها.
الثالث: بدء مفاوضات السلام مع الحكومة الأفغانية يضعف دعوى “الاحتلال”، ويؤثر على معنويات جنودهم ضد الحكومة الأفغانية. ولهذا نشاهد أن طالبان بعد وقف إطلاق النار الأخير والسلوك اللين لبعض أعضاء طالبان مع القوات الحكومية خلاله، تضاعفت جهودهم في الرفض على دعوى الحرب بين الأفغانية.
دور أمريكا في مفاوضات السلام
لما واجهت الولايات المتحدة مخالفة شديدة من الرئيس السابق كرزاي في بدء المفاوضات بين الأمريكا وطالبان في قطر، بدأت تصر على مفاوضات طالبان مع الحكومة الأفغانية. لكن رفض طالبان التفاوض مع الحكومة الأفغانية والإصرار عليه، أوصل عملية السلام الى طريق مسدود. وعليه، فإن الرئيس الأفغاني غني ولأول مرة صرح خلال وقف إطلاق النار في أيام العيد الثلاثة، إمكان المفاوضة حول مستقبل القوات الأجنبية في البلد. ومن ثم أعلنت الوزارة الخارجية الأمريكية عن انضمامها في مفاوضات السلام مع طالبان والمحادثة في مستقبل القوات الأمريكية في أفغانستان.
وإن كان موقف الولايات المتحدة في قضية السلام في أفغانستان يغلب عليه دعم المفاوضات بين الحكومة الأفغانية وطالبان في السنوات الأخيرة، إلا أن الموقف الأخير يعتبر تغييرا في استراتيجية أمريكا في قضية السلام الأفغاني.
على ما يبدو، أن طالبان تنظر إلى تصريحات السلطات الأمريكية نظرة غير مطمئة إذ لم تظهر أي رد فعل تجاهها. يعتبر اعتداد أمريكا للتفاوض مع طالبان، أهم طلب لهذه الحركة في الحل السياسي في البلد، ولكن الصمت السائد من جهة طالبان في التصريحات الأخيرة للسلطات الأمريكية، تنبئ عن طلب طالبان للتفاوض معهم مباشرة.
ولكن هناك موانع في سبيل الحكومة الأفغانية والأمريكا تحيل بينها وبين طلب طالبان، فإن أمريكا لا تريد أن تغمض عينها عن الجهود والميزانية الباهظة التي صرفت في إقامة الحكومة الأفغانية، وتطرد الحكومة الأفغانية وتدخل في مفاوضات مباشرة مع طالبان. ومن جانب آخر، فإن الحكومة الأفغانية هي الآخر لا تريد أن تبعد عن قضية المفاوضات ولهذا السبب تؤكد على قيادة وملكية الأفغان في عملية السلام. ومع هذا، فإن الحكومة الأفغانية ليست في وضع تضغط على أمريكا.
الخاتمة
بدأت جهود توقف الحرب التي استمرت 17 عاما في أفغانستان، عن طريق المحادثات بين الأفغانية منذ سنوات، ولا سيما بعد خروج غالبية القوات الأجنبية من البلد، ولكنها أخفقت ولم تبدأ مفاوضات السلام مع طالبان.
بدأت حكومة الوحدة الوطنية بأطروحة واضحة وطلب من طالبان التفاوض معها وتؤكد على ملكية الأفغان لهذه المفاوضات، وقد صرح الرئيس الأفغاني في الإجلاس الثاني لعملية كابول للسلام. ولكن المشكلة تكمن في عدم إعراب هذه الأطروحة عن العامل الأساس في استمرار حرب طالبان في البلد.
وقد انتشر تقارير عن المفاوضات خلف الستار مع طالبان إثر الوقف عن إطلال النار الأخير، وأعلنت سلطات من “المجلس الأعلى للسلام” عن بدء المفاوضات مع طالبان في الأيام المقبلة. ولكن بالنظر إلى موقف طالبان الأخير ورفض أي مفاوضات مع الحكومة الأفغانية، هناك احتمالان: الأول: أن التفاوض يتم مع بعض شخصيات من طالبان وتحت ضغوط، وسينتهي بسرعة كمفاوضات “مري”. والثاني: سيتم التفاوض مع شخصيات سابقة لطالبان ولم تعترف طالبان بها رسميا كمفاوضات “أرومتشي”.وأما الآن، يتحتم الدور الفعال للولايات المتحدة في عملية السلام في أفغانستان، كأحد الأطراف المعنية في حرب أفغانستان. وعليه، إذا لم تضع الولايات المتحدة الجدول الزمني لخروج قواتها من أفغانستان على طاولة المفاوضات، فإن الجهود الراهنة في بدء المفاوضات مع طالبان ستواجه الإخفاق مرة أخرى. انتهى
[1] لمزيد من التفاصيل، راجع الرابط التالي: https://president.gov.af/ps/6/30/18