حكومة الوحدة الوطنية ومكافحة الفساد الإداري

 

صدر قرار من الرئيس الأفغاني أشرف غني لإيجاد إدارة جديدة للرقابة والتفتيش، تهدف محاربة مؤثرة للفساد كما أنها اعتبرت رقابة شديدة لفعاليات مسؤولين رفيع المستوى. تم إيجاد هذا المكتب الرقابي في حالة، هناك عدة إدارات من ضمنها الإدارة العامة للتفتيش، ولذلك واجه القرار ردودا عديدة.

ضمن سلسلة الجهود الأخيرة لمكافحة الفساد الإداري، تم محاكمة الوزير السابق عبد الرزاق وحيدي علنا، والذي اتهم بالتزوير والفساد الإداري، ولأول مرة يحاكم مسؤول حكومي رفيع المستوى في قضية الفساد الإدراي.

جهود حكومة الوحدة الوطنية ضد الفساد الإداري جاءت في حالة، أيد المتحدث الرسمي للرئاسة الجمهورية شاه حسين مرتضوي في مؤتمر صحفي يوم الثلاثاء (10 يوليو)، فقدان 700 مليون دولارا أمريكيا من الجمارك سنويا، والحكومة تحاول أن تقضي على الفساد الإداري في جمارك أفغانستان وازدياد وارداتها.

مع مكافحة حكومة الوحدة الوطنية ضد الفساد الإداري، ما زال يعتبر من أهم تحديات الحكومة وكما تعتبر الحكومة من أكبر الدول فسادا في العالم. وفي تقييم يوناما للفساد الإداري والذي جاء في تقريرها الأخير لعام 2017م إلى ابريل 2018، اعتبرت الفساد الإداري في أفغانستان فسادا كبيرا، وغير إنسانيا وقبيحا.

كيف كانت استراتيجية الحكومة في مكافحة الفساد الإداري في هذه السنوات الثلاث؟ لماذا لم يكن لجهود الحكومة أي أثر؟ وأين جذور الفساد الإداري في أفغانستان؟ أسئلة تبحث عنها في هذا المقال؟

 

الفساد الإداري؛ أكبر تحد للحكومات الأفغانية

ليست أفغانستان البلد الوحيد الذي يعاني الفساد الإداري في نطاق واسع، بل تعاني من هذا التحدي الخطير كثير من الحكومات. الفساد الإداري في عهد حامد كرزاي كان أكبر تحد طيلة 13 عاما من حكمه، لم يكن سببا في ضياع حقوق الأفغان فقط، بل كان لطخة عار في جبين الحكومة على المستوى الدولي.

انتشر الفساد الإداري في الدوائر المختلفة في البلاد بمجيء القوات الأجنبية والأموال الباهظة في أفغانستان، وبلغ الأمر إلى أن في مختلف التحقيقات استطلاعات الرأي في الأعوام السبعة عشرة الماضية، يعتبر الفساد الإداري أكبر تحد للحكومة. ونستطيع الإشارة إلى استطلاعات الرأي التي أجرتها المنظمة الآسوية، ومكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة وغيرها من الإدارات المحلية والدولية.

وإن كان اتخذت خطوات مهمة ضد الفساد الإداري في عهد حامد كرزاي وأنشأت إدارات وقوانين متعددة لها، ولكن حسب منظمة الشفافية الدولية كان أفغانستان في قائمة الدول الأكثر فسادا في العالم. وحسب الدراسات الاستقصائية واستطلاعات الرأي للمنظمة، من 2005 إلى 2009م تضاعف الفساد الإداري؛ ولكن العام 2009 إلى 2011م شهد تقلصا، ومرة أخرى وصل الفساد ذروته في عام 2012م و2013م، وورثت حكومة الوحدة الوطنية هذه المشكلة من سالفتها.

 

جهود حكومة الوحدة الوطنية

وإن كان الرئيس أشرف غني في الأوائل أخذ موقفا شديدا تجاه الفساد الإداري، وفتح قضية “كابول بانك” بعد تولي الحكم مباشرة، إلا أن حكومة الوحدة الوطنية لم تكن موفقة في مكافحتها الفساد الإداري، وذلك لعدم التنسيق بينهم، وعرقلة مسؤولين رفيع المستوى الطريق.

إعادة فتح قضية “كابل بانك” في عام 2014، وعدم خروج مسؤولين رفيع المستوى الذين اتهموا في قضية كابل بانك، ومتابعة قضاياهم من جهة المدعي العام، وإيجاد لجنة التموين الوطني، تعتبر من جهود الحكومة والتي كانت سببا في تقلص أفغانستان في قائمة الفساد من الدرجة الثانية إلى الدرجة الرابعة.

وأما في عام 2015 وإن كان قد حصل على بعض قروض كابل بانك، لكن إطلاق سراح خليل الله فيروزي المتهم في قضية كابل بانك والاختلافات الداخلية الكثيرة كانت سببا في تدهور الوضع مرة أخرى ووضع أفغانستان في المقام الثاني في قائمة الفساد.

وفي عام 2016م أفغانستان انتقلت من الدرجة الثالثة إلى الدرجة الثامنة في قائمة الفساد، وكان من أهم عللها: فتح المركز العدلي والقضائي لمكافحة الفساد الإداري، وثبت أموال المسؤولين الحكوميين، وعزل 600 قاض، و20 مدع، و20 في المائة من موظفي الجمارك، توقيف جوازات السفر لأكثر من مائة مسؤول رفيع المستوى، ومنع 220 مليون دولارا أمريكيا في 1250 اتفاقية وغيرها من الأمور.

ولكن ازداد الفساد الإداري مرة أخرى جراء الاختلافات السياسية الداخلية وعدم الاستقرار الأمني في عام 2017م، لأن هذ العام كان مليئا بالتحديات والمشكلات، ولهذا ارتقت في قائمة الفساد إلى الدرجة الرابعة كما كانت في عام 2014م.

 

الإدارات المتعددة لمكافحة الفساد الإداري

ولو أمعنا النظر إلى الجهود التي بذلتها حكومة الوحدة الوطنية لمكافحة الفساد، لرأينا أنها كانت في استراتيجية الحكومة إنشاء إدارات مكافحة الفساد، وتدوين القوانين والاستراتيجيات وعدة خطوات عملية في هذا السبيل.

تنشط أكثر من 10 إدارات لمكافحة الفساد حاليا، منها أربعة أنشأت في عهد حكومة الوحدة الوطنية. المدعي العام، مجلس الشورى، ومجلس الشيوخ، المركز العدلي لمكافحة الفساد الإداري، المجلس الأعلى للتفتيش، المجلس الأعلى لحاكمية القانون ومكافحة الفساد الإداري، اللجنة المستقلة للتموين الوطني، و….

وفي إجراء أخير للرئيس أشرف غني تم إيجاد إدارة جديدة للتفتيش، وأصدر الرئيس قرارا في 9 مواد التي تعين ساحة عمل هذه الإدارة؛ في المكاتب والوحدات الإدارية للرئاسة الجمهورية والرئاسة التنفيذية، والتحقيق والتتبع في الشكوى المتعلقة بمديري إدارة الميزانية المستقلة، ومسؤولين رفيع المستوى في الحكومة. ولكنها لا تشمل ساحة فعاليات رئيس الجمهورية ولا تحق لها التحقيق بشأنها. يتم تعيين رئيس هذه الإدارة بقرار رئاسي لأربع سنوات، ويكون مسؤولا أما رئيس الجمهورية فقط.

كان من تعهدات الرئيس في مؤتمر 2014م إيجاد إدارة مستقلة لمكافحة الفساد الإداري، والتي لها وقت محدد وصلاحية التطبيق. ولعلها كانت مؤثرة إن كان غرض الرئيس من إيجاد هذه الإدارة الوفاء بعهده، ولكن مخالفي الرئيس يعتبرون الأمر على حساب التسوية السياسية ضد المخالفين.

تعدد إدارات مكافحة الفساد الإداري كان أحد المشاكل التي أثرت على المكافحة سلبا. تعدد الإدارات سبب عدم الفعالية لتقويتها وتطويرها ومن جهة أخرى كان فشل إدارة مكافحة الفساد الإداري يلقى على الآخر.

 

مراكز الفساد الإداري

مع إصدار القوانين المتعددة لمكافحة الفساد الإداري وفعالية الإدارات المختلفة، لم تؤثر في تقليص الفساد الإداري وإنما تزايد حجم الفساد يوما بعد يوم، وكانت حكومة الوحدة الوطنية هي نفسها سببا في ازدياد الفساد وبسببها اتهم الرئيس التنفيذي أيضا العام الماضي بالفساد من قبل رئيس الجمهورية.

الإدارات التي تغلغل الفساد فيها من جهة، ووجود الفساد في إدارات مكافحة الفساد من جهة أخرى، واجهت الحكومة بالفشل في معركتها ضد الفساد. ونذكر من هذه الإدارات:

  • المؤسسات القضائية والعدلية: حسب الاستطلاعات المحلية والأجنبية، يعتبر الناس المحاكم وإدارات النائب العام من أكثر الإدارات فسادا. وقد أثر هذا العامل على مكافحة الفساد تأثيرا سلبيا.
  • القطاع الأمني: وفي قطاع الأمن، تعتبر وزارة الداخلية من أكثر المؤسسات فسادا، واعتبرها الرئيس غني قلب الفساد الإداري. وفي السنوات الماضية، حسب تقرير عام 2010م لمنظمة مراقبة الشفافية، كان قطاع الأمن أكثر الإدارات التي اتسمت بعدم الثقة وكان كثير من الناس يرشون للشرطة.
  • معادن: نشرت إدارة مراقبة الشفافية الأفغانية في عام 2015م تقريرا باسم (لصوص آمال) وصرحت بوجود الفساد الإداري في هذا القطاع على نطاق واسع. ونشرت SIGAR أيضا أول تقرير لها في إبريل 2015م وفي تقريرها الثاني يناير 2016 حول المعادن، وقامت بتقييم المشروعات التي لم تحصل على أهدافها بسبب الفساد الإداري. واعتبر أهم أسبابها: وجود مافيا والرجال الأقوياء، وقلة المتابعة، والمديرية الخاطئة.
  • جمارك: لقد بدلت جمارك البلد في الفساد الإداري إلى المراكز التي تباع فيها الوظائف العادية فيها وتسرق سنويا مئات مليون دولارا أمريكيا.
  • مجلس الشورى: مهمة مجلس الشورى هي متابعة أعمال الحكومة؛ ولكن هذه المؤسسة وإن لم تدعم إدارة مكافحة الفساد الإداري، بل كان لها دور في ازدياده. انتقدت يوناما في تقريرها الأخير الذي نشرته قبل شهرين (مايو 2018م)، مجلس الشورى واعتبرته من الإدارات التي تعرقل سبيل مكافحة الفساد. وقبل ذلك أيضا، ارتفعت قضية الفساد الإداري في مجلس الشورى عدة مرات.

بالإضافة إلى ذلك، فإن القوات الأجنبية على مستوى عال في أفغانستان تشارك الفساد الإداري، ولها دور مهم في توسيع هذا التحدي، وموقف الحكومة الأفغانية الضعيف من فساد القوات الأجنبية كان سببا في فشلها. وفيما يتعلق بذلك، اعترف جان سبكو رئيس SIGAR، بالأمريكيين بالفساد الإداري.

انتهى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *