مؤتمر السعودية ومستقبل السلام في أفغانستان

 

أقيم مؤتمر علماء العالم الإسلامي حول الحرب والسلام في أفغانستان في (10-11 يوليو 2018م) وتحت رعاية منظمة التعاون الإسلامي ودعم الحكومة السعودية.

وفي هذا المؤتمر الدولي المعنون “تعزيز السلام والاستقرار في أفغانستان”، الذي دام يومين، حضر أكثر من 100 عالم ديني من 37 دولة إسلامية، وبعد يومين من المناقشة حول القضية الأفغانية صدر قرار بأن: الحكومة الأفغانية حكومة إسلامية، وشعبها مسلم، ولا يجوز الحرب ضد المسلمين بنص القرآن.” كما أكد على الحوار الأفغاني بين طالبان والحكومة الأفغانية وطالب بإنهاء الحروب وسفك الدماء في البلد. ومع أن أمريكا جزء من الحرب في أفغانستان، إلا أن قرار المؤتمر لم يشر إلى دور أمريكا في إنهاء الحرب واستقرار الأمن والسلام في أفغانستان.

ومن جهة أخرى، صدر بيان لحركة طالبان بأن هذه المؤتمرات لعبة مخابرات ورجال أمريكا العسكريين، وأنه لم يشارك في المؤتمر من العلماء المشهورين في العالم الإسلامي والذين شاركوا هم موظفون حكوميون فقط.

تناول المقال نتائج مؤتمر علماء الدين في السعودية ودور الولايات المتحدة في إنهاء الحرب واستقرار السلام في أفغانستان.

 

مؤتمر السلام أم أداة ضغط جديد؟!

الحوار والمصالحة قضية انشغلت بها المؤسسات الداخلية والخارجية فضلا عن الحكومة الأفغانية طيلة عقد من الزمن. ويعتبر إيجاد المجلس الأعلى للسلام، ومؤتمرات (أرومتشي، ومري، في الصين وباكستان، وسلسلة اجتماعات “مجموعة التنسيق الرباعية” في كابول، وإسلام آباد، ومؤتمرات “عملية كابول للسلام” من الجهود التي بذلتها الحكومة الأفغانية بغية الوصول إلى بدء حوار السلام مع طالبان. ولكن لم تكن لها أي أثر ملحوظ.

بدأت منذ فترة جهود الحكومة الأفغانية بتفعيل علماء الدين للضغط على طالبان لتحضرهم على طاولة مفاوضات السلام، كما تحاول الحكومة الأفغانية إيجاد تيار ديني ومذهبي ضد حرب طالبان مع الحكومة لتتحداهم من منظور ديني.

وكانت الحكومة الأفغانية تأمل من مؤتمر إندونيسيا الذي اجتمع فيه علماء الدول الثلاث، أفغانستان وباكستان وإندونيسيا بأن يعلن الحرب في أفغانستان حربا غير مشروع، وقد حاولت الحكومة الأفغانية حتى أقيم المؤتمر في 11 مايو 2018م في إندونيسيا، ولكن رغم الحكومة الأفغانية لم يصدر المؤتمر قرار ضد الحرب وقراراتها لم تصرح عدم شريعة الحرب في أفغانستان.

أقامت الحكومة الأفغانية مؤتمرا آخر بعد ثلاثة أسابيع من مؤتمر إندونيسيا في كابول في الرابع من يونيو 2018م وقد حضر فيه أكثر من ألفين عالم دين، وأصدروا فتوى ضد الحرب في أفغانستان، ولكن طالبان أصدروا بيانا واعتبروا المؤتمر لعبة أمريكية وعملية مخابراتية.

وفي سلسلة هذه الجهود، أقيم مؤتمر آخر في السعودية واشترك فيه عدد كبير من علماء العالم الإسلامي وقد نص المؤتمر عدم شرعية الحرب في أفغانستان بصراحة أكثر.

تحاول الحكومة الأفغانية الضغط على طالبان بواسطة علماء الدين، لتضعف معنويات جنودهم من جهة، ومن جهة أخرى، تحاول توظيف الدين لتحضر طالبان إلى طاولة مفاوضات السلام.

 

النتائج والإنجازات

مع أن مؤتمر علماء الدين في كابول كان قد أصدر فتوى مشابها إلا أن القرار الصادر من المؤتمر الدولي في جدة ومكة المكرمة الذي شارك فيه علماء الدين من 37 دولة من العالم الإسلامي يعتبر أهم وأكبر فتوى لعلماء العالم الإسلامي ضد حرب حركة طالبان مع الحكومة الأفغانية طيلة 17 عاما من الحرب الراهنة في أفغانستان، وأهم ما جاء في هذا القرار ما يلي:

  • الحكومة الأفغانية حكومة إسلامية وشعبها مسلم، قتلهم، وسفك دم كل مسلم حرام. الحرب الراهنة في أفغانستان التي يقتل فيها الأبرياء كل يوم، يخالف القيم والأصول الإسلامية.
  • القضية الأفغانية ليست لها حل إلا الحوار المباشر، ومفاوضات بين الأفغان هي أفضل سبيل إلى حل القضية الأفغانية.
  • نطالب من الحكومة الأفغانية وحركة طالبان وقف إطلاق النار والحوار المباشر، وإنا نقدر وندعم جهود علماء الأفغان في تعزيز السلام ونؤيد مقترحات الرئيس الأفغاني الأخيرة ـ واستعداده للحوار المباشر مع طالبان دون أي شرط مسبق ـ، ونطالب طالبان أن يلبوا مقترح الحكومة الأفغانية وإيقاف سفك الدماء والحضور إلى طاولة مفاوضات السلام.
  • نطالب جميع الدول، والمنظمات والمفكرين الإسلاميين بدور إيجابي في قضية السلام في أفغانستان.

ليس بين فتوى مؤتمر السعودية ومؤتمر علماء الدين في كابول اختلاف يذكر، حيث أن كليهما أصدرا فتوى بتحريم الحرب في أفغانستان؛ ولكن الشيء المفقود في كلي المؤتمرين عدم الإشارة إلى دور أمريكا وحضورهم في أفغانستان، إذ أنها بدأت الحرب، ولها الدور الأساس في إنهاء الحرب وتعزيز السلام في أفغانستان.

أصر المؤتمر السعودية على الحوار الأفغاني بين الحكومة وطالبان، مع أن طالبان ترفض الحوار مع الحكومة الأفغانية دوما، وتعتبر الحكومة فاقد الصلاحية في هذا الشأن. وعليه، يتحتم البحث عن الحل الأمثل حول مأزق مفاوضات السلام وما يعرقل سبيلها.

 

أمريكا؛ الطرف المهمل في المؤتمر

الولايات المتحدة باسم الإرهاب واستئصال القاعدة هاجمت أفغانستان وأسقطت حكومة طالبان لبناء حكومة جديدة؛ ولعله كانت هناك أهداف مهمة أخرى تريد وصولها، إذ أصرت على الحرب بعد عام 2005م.

مع أن الاستقرار الأمني النسبي كان يعم البلاد في عام 2005م؛ إلا أن القوات الأمريكية بدأت أعمالا لبدء الحرب مرة الأخرى وزعزعة الأمن، إذ بدأت التفتيش الليلي للبيوت، واعتقال المنتسبين إلى طالبان سابقا، وأعمال ضد حقوق الإنسان، وقتل الأبرياء المدنيين والتي تعتبر من أهم أسباب عودة طالبان إلى ساحة الحرب.

وتزايد القوات الأمريكية في عام 2009م إلى 2012م إلى مائة ألف جندي، وصلت الساحة الحربية في أفغانستان ذروتها؛ ولكن العام 2014م وإن كانت الحرب قائمة والوضع الأمني غير مستقر، شهد خروج القوات الأجنبية باسم إعطاء المسؤولية الأمنية إلى القوات الأفغانية، وتقلصت القوات الأجنبية إلى 10 آلاف واتخذت دور المشاهد في الحرب.

مع حكومة الوحدة الوطنية وتوقيع المعاهدة الأمنية مع أمريكا، عادت جنود أمريكان مع العمليات الليلية وإغماض الحكومة الأفغانية عن المذابح المتعمدة للقوات الأمريكية. وبعد تولية ترامب الحكم في أمريكا وإعلان الاستراتيجية الجديدة لأمريكا في أفغانستان وازدياد قواتها، كان الإصرار على الضغوط العسكرية على طالبان كاستراتيجية جديدة في الحرب، وعليه تزايد اليأس في انتهاء الحرب في أفغانستان، لأن القوات الأجنبية هي أهم حجة لحرب طالبان في أفغانستان وتصر هذه الحركة دائما على الحرب ما دام القوات الأجنبية في البلد.

ومع هذا كله، ما دام القوت الأجنبية، والحكومة الأفغانية وطالبان هي الأطراف المعنية في الحرب، فترجع قضية السلام إلى هذه الأطراف الثلاث. وعليه، إذا لم تقبل طالبان الحكومة الأفغانية كجهة أصلية في قضية السلام والحرب، وإذا لم تنقل أمريكا من الدور الوسيط إلى جهة أصلية في الحوار مع طالبان، لا تكون لهذه الجهود أي أثر إيجابي. وما يلزم معرفتها لكل الأطراف المعنية في الأوضاع الراهنة هو أن الشعب الأفغاني لا يتحمل الحرب وينتظر السلام والمصالحة في البلاد، وعليه يستقبل كل الجهود التي ترنو إلى السلام والمصالحة.

انتهى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *