الاتفاقية الأمنية بين كابول وواشنطن والحاجة لمراجعتها
على ما يبدو، مع تزايد انعدام الأمن واستمرار الحرب في أفغانستان، تعالت أصوات مناهضة للاتفاقية الأمنية بين أفغانستان والولايات المتحدة. وعلى الرغم من توقيع المعاهدة الأمنية بين البلدين منذ أربع سنوات، فقد طالبت في الأسبوع الماضي (12 سبتمبر 2018م) بعض الأحزاب والزعماء السياسيين ومسؤولون سابقون في الحكومة في مؤتمر صحفي بمراجعة هذه المعاهدة التي تمت توقيعها بين الحكومة الأفغانية والولايات المتحدة.
من ناحية أخرى ، أيد عدد من أعضاء مجلس النواب مطالبة بعض الأحزاب والتيارات السياسية في تعديل الاتفاقية الأمنية، قائلين إنه بالنظر إلى الوضع الأمني في أفغانستان، باتت من الضروري مراجعة الاتفاقية الأمنية مع الولايات المتحدة؛ ولكن الدكتور عبد الله عبد الله الرئيس التنفيذي للبلاد، قال ردا على هذه المطالب: “فإنه لا ينبغي لأسباب شخصية التشكيك في الاتفاقية الأمنية التي اعتمدها اللويا جيرغا، لأنه لا يكون لصالح الأمن وتحسين الوضع الأمني في البلاد.
اتفاقية أفغانستان الأمنية مع الولايات المتحدة، وأوضاع أفغانستان بعد توقيع هذه الاتفاقية، وما الحاجة إلى مراجعتها من الموضوعات التي تم مناقشتها في هذا الجزء من التحليل الأسبوعي.
اتفاقية أفغانستان الأمنية مع الولايات المتحدة
كما يبدو أن الرئيس الأفغاني السابق حامد كرزاي رفض التوقيع على الاتفاق الأمني مع الولايات المتحدة بسبب غياب أية ضمانة للولايات المتحدة حول السلام وإنهاء الحرب في أفغانستان. ولكن حكومة الوحدة الوطنية وقعت على الاتفاقية الأمنية مع الولايات المتحدة مباشرة بعد تولي الحكم.
تم التوقیع علی اتفاقية كابل – واشنطن الأمنیة قبل أربع سنوات من اليوم، في 30 سبتمبر 2014م، بین ممثل الحكومة الأفغانیة مستشار الأمن القومي السابق “حنیف أتمر” والسفير الأمريكي في كابول “جيمس كانينجهام”. كما تمت الموافقة عليها من قبل مجلس النواب بأغلبية الأصوات في أقصر وقت.
تشتمل اتفاقية الأمن الأفغانية الأمريكية على 26 مادة وملحقين، أهمها:
- وفقا للاتفاقية الأمنية الأفغانية الأمريكية، تعطي الحكومة الأفغانية الحق للولايات المتحدة في إقامة قواعد عسكرية في مناطق استراتيجية وهامة من أفغانستان، مثل كابول ومزار وهرات وقندهار وهلمند، جرديز وجلال آباد.
- كلا طرفي المعاهدة الأمنية يتعاونان لتعزيز الأمن والاستقرار في أفغانستان، ومكافحة الإرهاب، والمشاركة في السلام والاستقرار إقليميا ودوليا، كما تواصلان جهودهما من أجل تعزيز قدرات أفغانستان لدرء التهديدات الداخلية والخارجية التي تهدد أمنها و سيادتها ووحدتها الوطنية، ونظامها القائم على الدستور.
- كلا الطرفين يتعاونان من أجل تعزيز قدرات قوات الأمن والدفاع الأفغانية، وإذا طالبت الحكومة الأفغانية التعاون من القوات الأمريكية لمهاجمة الإرهابيين في أفغانستان، فإن على الولايات المتحدة أن تساعد هذا البلد فورا.
- العمليات العسكرية للولايات المتحدة لهزيمة القاعدة وفروعها قد تكون مقبولا في إطار المعركة المشتركة ضد الإرهاب.
- يلزم على القوات العسكرية والمدنيين الأمريكيين في أفغانستان احترام الدستور والقوانين الأخرى في هذا البلد، واجتناب أي نشاط سياسي في أراضي أفغانستان.
- يتمتع جميع القوات العسكرية والمدنيين الأمريكيين بأمن قضائي في أفغانستان. وإذا ارتكبوا جريمة داخل أفغانستان، فلن يتحاكموا بموجب القانون الأفغاني، ولا تملك الحكومة الأفغانية الحق في اعتقال القوات الأمريكية، وإذا حدث وأن اعتقل أحد الجنود الأمريكيين من قبل القوات الأفغانية، يجب استعاده في أقرب وقت إلى القوات الأمريكية.
- وفقا لطلب الحكومة الأفغانية، يتم التنسيق بين الطرفين بغية تطوير قوات الأمن والدفاع الأفغانية، وتوفير المعدات والأسلحة، وتطوير العمليات العسكرية وحصول مؤسساتها على المعيارية والقدرة على التكيف مع حلف الناتو، لتعزيز الاستخدام الفعال وحماية المساعدات الدفاعية لهذا البلد. هذه المساعدة لا تكون حاجزا أمام الحكومة الأفغانية بأن تتدارك المعدات والأسلحة لقواتها الأمنية والدفاعية من الدول الأخرى بميزانيتها الخاصة.
تبعات الاتفاقية الأمنية مع الولايات المتحدة
وعلى العموم، ليست تعهدات الولايات المتحدة مع الحكومة الأفغانية، في الغالب، في هذه الاتفاقية إلزامية، ومن أهم بنودها: تمويل و تسليح القوات الأفغانية، والمحاولة لأجل السلام والاستقرار، والتعاون لدرء التهديدات الداخلية والخارجية ضد سيادة وأمن البلد ومكافحة الإرهاب.
يمكن تلخيص أوضاع أفغانستان بعد أربع سنوات من توقيع الاتفاقية الأمنية على النحو التالي:
الوضع الأمني: تدهور الوضع الأمني للبلاد بعد توقيع اتفاقية الأمن الأفغانية مع الولايات المتحدة، اشتدت الحرب في شمال أفغانستان، واتخذت طالبان في هذه السنوات الأربع الحالة الهجومية في معاركها، وكانت محافظة قندوز أول مدينة تسقط منذ عام 2001م على أيدي طالبان، وفضلا عنها، تمكنت حركة طالبان من السيطرة على محافظتي فراه وغزنة في حملة هجومية، وسيطرت على كل الإدارات الحكومية لعدة أيام. ظهرت الدولة الإسلامية (داعش) في هذه السنوات وازدادت قوتها وتوسعت نفوذها في البلاد، وأخذت دوما مسؤولية الانفجارات الفتاكة في المناطق المختلفة على عاتقها. وارتفع عدد الضحايا المدنيين أكثر من أي وقت مضى، ووفقا للإحصائيات الأخيرة للأمم المتحدة، قتل وأصيب نحو 40 ألف مدني في الحرب الأفغانية خلال السنوات الأربع الماضية. وفضلا عن هذا، وحسب تقرير المؤسسات الدولية المختلفة، فإن ما يقرب من نصف أراضي البلاد تخضع لسيطرة المعارضة المسلحة.
الوضع السياسي: لم يشهد الوضع السياسي استقرارا طيلة هذه السنوات الأربع، مع مجيء حكومة الوحدة الوطنية وتوقيع الاتفاقية الأمنية، كما هو الحال في الوضع الأمني للبلاد. فعلى الصعيد السياسي؛ منذ أيام حكومة الوحدة الوطنية الأولى ارتفعت خلافات بين قادة الحكومة، ثم تبعتها خلافات بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيدية، وقف بعض كبار المسؤولين الحكوميين ضد الحكومة، وشكلت تحالفات من قبل مسؤولين حكوميين ضد الحكومة، فهذا كله جعل الاستقرار السياسي في حالة لم تتمكن الحكومة منذ أربع سنوات تكميل الحكومة بالكامل.
الوضع الاقتصادي: ليست الاتفاقية الأمنية بأنها لم تتمكن من تحسين الوضع السياسي والأمني فقط، بل لم تتغير بشكل كبير في الوضع الاقتصادي لأفغانستان. على الرغم من أن السنوات الأربع الماضية شهدت عددا من مشاريع البنية التحتية، وارتفاعا في الإيرادات الحكومية بالنسبة إلى السنوات الماضية (وكان إحدى عواملها وضع الضريبة على بطاقة الائتمان في شبكة الاتصالات)، إلا أن الوضع الاقتصادي تدهور بالنسبة إلى العقد ونصف العقد الماضي. وقد تراجع قيمة “الأفغاني” إلى أقصى حد؛ (فكانت قيمة الأفغاني في عام 2015م 57.76 مقابل واحد دولار أمريكي، ولكن حاليا الدولار الواحد يساوي 75.30 أفغاني.) وقد وصلت البطالة أقصى حد ممكن، وتواجه البلاد هروب رأس المال وتقلص نمو اقتصاد البلد. ويعيش نحو 40 في المائة من الناس تحت خط الفقر، ووفقا لإحصائية البنك الدولي، يعاني ما يقرب من مليونين من البطالة في أفغانستان.
الحاجة إلى مراجعة الاتفاقية الأمنية مع الولايات المتحدة
نظرا إلى الوضع الأمني والسياسي والاقتصادي في أفغانستان، تشهد حاليا البلاد تدهورا في الأوضاع بعد توقيع الاتفاقية الأمنية مع الأمريكان منذ السنوات الأربع الماضية.
الاتفاقية الأمنية الأفغانية الأمريكية التي كانت تلفها هالة من الغموض منذ البداية، تم مخالفتها من قبل أشخاص ومؤسسات، ولكنها دون عميق بحث حولها ومناقشة تبعاتها القاسية ، تم توقيعها من قبل حكومة الوحدة الوطنية، وتم التصويت عليها من قبل مجلس النواب الذي يطالب اليوم مراجعتها، بدون مناقشة، ومع معارضة خمسة أعضاء وامتناع ثلاثة من التصويت.
بشكل عام ، وعلى الرغم من الشائعات والمطالبة بمراجعة الاتفاقية الأمنية مع الولايات المتحدة بعد وقت طويل، هناك أيضًا تحليلات تشير إلى أن أولئك الذين يطالبون مراجعة اتفاقية الأمن الأفغانية مع الولايات المتحدة؛ إما يهدفون الضغط على الحكومة لتحقيق أهدافهم السياسية، أو يريدون إعلاء أصواتهم لصالح بعض الدول الإقليمية التي تخالف الحضور الأمريكي في المنطقة، ولكن من أجل أفغانستان، ولئلا تواجه البلاد مشكلات عويصة، وتنتهي إلى مصير سوريا، فإنه يتحتم ويحس حاجة ملحة للمجتمع الأفغاني بأن يراجع كل ما من شأنه أن يؤدي إلى استقرار البلاد وأمنها، وبدلا من مواصلة الحرب والدمار، أن تصر على محادثات السلام وأن تنهي هذه القصة المرعبة التي استمرت عدة عقود عبر الحوار.
انتهى