خطة خصخصة الحرب الأفغانية وتداعياتها
إريك برنس، مؤسس شركة بلاك ووتر الأمنية الخاصة وفي حوار مع قناة طلوع نيوز الأهلية في كابل قال: إذا سلمت حرب أفغانستان إلى مقاتلي شركة بلاك ووتر الأمنية، فإنهم سيغيرون الوضع في أفغانستان خلال ستة أشهر.
مؤسس شركة بلاك ووتر الأمنية سيما بعد وصول دونالد ترامب إلى الرئاسة الأمريكية، حاول إقناع الحكومة الأمريكية على جعل الحرب في أفغانستان خصوصية، لكنه لم ينجح في هذه المهمة.
ليس هناك أي قرار بشأن خصخصة الحرب في أفغانستان حتى الآن، لكن ردة فعل المسؤولين في أفغانستان، وأعضاء البرلمان، ومفوضية حقوق الإنسان تجاه الاقتراح الأخير لإريك برنس تبين أن خطة خصخصة الحرب الأفغانية هي أحد الخيارات التي تفكر الحكومة الأمريكية بشأنها لإدارة الحرب في أفغانستان.
ما هي خلفية شركة بلاك ووتر الأمنية ومليشياتها في العالم؟ وما هي ردود الفعل بشأن الاقتراح الأخير لإريك برنس؟ وما هي تداعيات تسليم الحرب في أفغانستان إلى هذه المليشيات المؤجرة؟ هذه الأسئلة نجيب عنها في هذا التحليل.
مقاتلي بلاك ووتر المرتزقة
استخدام الميليشيات المؤجرة في ميادين القتال له ماض طويل في العالم، وهم الذين يقاتلون لبلاد أجنبية، أو الذين ليس لهم علاقة بأي طرف من أطراف القتال، وإنما يقاتلون من أجل المال تأييدا لطرف من أطراف الحرب التي تتقاتل فيما بينها.
يشهد التاريخ أن الميليشيات الأجنبية كانوا موجودين بين جنود أمبراطوريات العالم الكبيرة، وكانوا يقاتلون مقابل المال. وفي التاريخ المعاصر نستطيع أن نذكر شركة شرق الهند مثالا للميليشيات المقاتلة التي حكمت الهند بضعة قرون.
وفي العصر الحالي أيضا تحول امتلاك الشركات الأمنية الخاصة والميليشيات المؤجرة إلى مصدر مالي كبير في العالم يتم من خلاله الحصول على مليارات الدولارات، لكن هؤلاء المقالتلين ارتكبوا جرائم مختلفة ضد الإنسانية، وسببوا مقتل المدنيين من نساء وأطفال خلافا لجميع أصول الحرب.
وفي الوقت الحاضر شركة بلاك ووتر هي إحدى الشركات الأمنية الأمريكية الخاصة في العالم. هذه الشركة أسسها إريك برنس أحد ضباط القوات البحرية الأمريكية عام 1997م. هذه الشركة كانت في البداية تقدم الخدمات للجيش والشرطة الأمريكية في ولاية كارولينا، لكن أحداث الحادي عشر من سبتمبر هيأت الفرصة لتوسيع نطاق عملها.
بدأت فعاليات شركة بلاك ووتر في أفغانستان بعد الهجوم الأمريكي على البلاد عام 2001م بتقديم خدمات أمنية ولوجستية. كانت بلاك ووتر أحد المتعاقدين كبار لأمريكا في أفغانستان والعراق، وكانت مهمتها الحفاظ على أمن الدبلوماسيين والسياسيين الأمريكان في أفغانستان والعراق. تغير اسمها إلى ايكس آى (XI) بعد عام 2009م.
ردود الفعل تجاه خطة خصخصة الحرب في أفغانستان
بعد الهجوم الأمريكي على أفغانستان وسقوط نظام طالبان، سيما أواخر عام 2001م وأوائل 2002م إلى عام 2010م، كان هناك ميليشيات مؤجرة تشارك في حرب أفغانستان بجانب القوات الأمريكية. في هذه الفترة كانت هناك 52 إلى 90 شركة أمنية خاصة داخلية وأجنبية تعمل في أفغانستان، كان عددهم يصل إلى 40000 مقاتل.
أعلن الرئيس السابق حامد كرزاي عام 2010م منع فعالية 52 شركة أمنية داخلية وأجنبية من ضمنها شركة بلك واتر، إلا أن شركة بلاك ووتر عملت بعد ذلك تحت مسمى ايكس إی (XE).
اقتراح إريك برنس الأخيرة بشأن جعل الحرب في أفغانستان خصوصية كانت لها ردود فعل شديدة لما لهذه الشركات من أعمال وحشية في حرب أفغانستان ولارتكابهم جرائم ضد الإنسانية.
رئيس الجمهورية أشرف غني وفي رد فعل له أبدى مخالفته على هذا الاقتراح وقال أنه لن يسمح للممولين الأجانب بالتدخل في حرب أفغانستان، لأن ما يستطيع الشعب الأفغاني فعله لايستطيعه هؤلاء الممولون. من جهة أخرى نشر مجلس الأمن القومي الأفغاني خطابا قال فيه: فكرة جعل الحرب خصوصية في أفغانستان تنتهك الأصل الذي يقول بحق الشعب الأفغاني في تقرير مصيره. القوات الأمنية والدفاعية الأفغانية يتحملون مسؤولياتهم في الحفاظ على الحاكمية واستقلال وحفظ حدود البلاد والشعب.
مكتب الرئيس التنفيذي الدكتور عبدالله عبدالله أيضا لايرى خطة إريك برنس لجعل الحرب خصوصية في أفغانستان مناسبة وعملية. الرئيس الأسبق حامد كرزي أيضا يرى هذه الخطة انتهاكا لحاكمية أفغانستان ودستوره الأساسي. كما أن البرلمان الأفغاني أيضا بجانب المسؤولين الحكوميين رفيعي المستوى، أعلن معارضته لخطة جعل الحرب خصوصية ورأى تنفيذ هذه الخطة خطيرا.
مع كل ذلك، فإن مفوضية حقوق الإنسان في تقريره الجديد قال إن جعل الحرب خصوصية في أفغانستان يعرض المدنيين للخطر أكثر. في هذا التقرير طولب من الدولتين الأمريكية والأفغانية أن تمانعا تنفيذ خطط تكون سببا لانتهاك حقوق المدنيين أكثر فأكثر.
تداعيات خصخصة الحرب الأفغانية
الحرب التي بدأت مع الهجوم الأمريكي على أفغانستان وسقوط نظام طالبان، مستمرة بشدة أكثر بعد مضي 17 عاما. وكان عدد القوات الأجنبية بالإضافة إلى المقاتلين المؤجرين منذ البداية في ازدياد، وكان قد وصل بعد حوالي عقد من الزمن إلى مائة ألف، ولكن لم تكن له أي نتيجة سوى شدة اشتعال فتيل الحرب في البلاد، ولن تكون لتنفيذ هذه الخطة وازدياد عدد المقاتلين الأجانب نتيجة سوى تكرار آخر لتجربة فاشلة. في حين لم تنجح أمريكا والناتو والمتحالفون معهم في هذه الحرب طيلة 17 عاما الماضية، كيف يمكن لشركة خاصة أن تربح هذه الحرب مع بضعة آلاف من مقاتليها؟
من جهة أخرى الشركات الأمنية الخاصة سيما مقاتلو شركة بلاك ووتر لها ماض سيئ ودموي في حربي أفغانستان والعراق. التقارير والمستندات تشير إلى أن هؤلاء المقاتلين ارتكبوا جرائم ضد الإنسانية كبيرة بحق المدنيين بدءا من الفساد الأخلاقي والقتل.
مع أن خطة جعل الحرب في أفغانستان خصوصية تنفع المشاركين في هذه التجارة، إلا أن هذه الخطة لن تنفع الشعب الأفغاني ولن تكون لها نتيجة سوى حدة الحرب وتوسيع نطاق الوحشية وقتل المدنيين، كما أنها لن تكون سببا لانتهاء الحرب في أفغانستان.
مع أن حجم الخسائر بين المدنيين نتيجة للهجمات الجوية للقوات الأجنبية مرتفع في الوقت الحالي، إلا أن الوضع سيصبح أكثر دمويا إذا سلمت مسؤولية الحرب إلى شركة خاصة مثل بلك واتر. لذلك بدلا من مثل هذه الخطط على المجتمع الدولي سيما أمريكا التي بدأت بهذه الحرب وبالتنسيق مع دول المنطقة أن تبذل جهودها لحل الأزمة في أفغانستان عن طريق الحوار الجاد والواقعي. لأن بالنظر إلى تجربة 17 عاما الماضية من الحرب لايمكن حل هذه المشكلة بازدياد الضغوط العسكرية من جهة، ومن جهة أخرى فإن الحرب في أفغانستان ليست في صالح الشعب الأفغاني ودول المنطقة، ولا في صالح أمريكا.
انتهى