مهمة خليلزاد الجديدة ومستقبل مفاوضات السلام الأفغانية
قبل حوالي شهر، تم اختيار زلمي خليلزاد كمستشار خاص لوزارة الخارجية الأمريكية، لقيادة محادثات السلام بين الحكومة الأفغانية وطالبان. ووفقا لما ذكره وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، فإن زلمي خليلزاد سيقود جهود واشنطن لدعم محادثات السلام بين الحكومة الأفغانية وطالبان، وسيمهد ويشارك فيهذه المحادثات.
اتخذ زلمي خليلزاد الخطوة الأولى في مهمته الجديدة في نهاية الأسبوع الماضي حيث بدء رحلته إلى باكستان وأفغانستان والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر لعشرة أيام. ويبدو أن الغرض من هذه الرحلة هو التحضير لمحادثات السلام مع طالبان وجها لوجه، ووضع حد للحرب الدائرة في أفغانستان.
خليلزاد المفوض الأمريكي الذي هو من أصل أفغاني ولديه خبرة كافية في القضايا المتعلقة بأفغانستان، يتولى مهمة تأمين السلام وانتهاء الحرب في أفغانستان في حين تم جهد كبير في هذا الصدد على الصعدين الوطني والدولي في السنوات الأخيرة، لكنه لم يؤد إلى نتيجة ملموسة، والحرب ما زالت مستمرة في البلاد.
مهمة زلمي خليلزاد الجديدة، كيف سيتم إجراء محادثات السلام مع طالبان، وما مدى نجاح مهمة خليلزاد الجديدة في القضية الأفغانية نظرا إلى المعركة الدامية في أفغانستان؟ هي موضوعات يتم البحث عنها في هذا الجزء من التحليل الأسبوعي.
مهمة زلمي خليزاد الجديدة
لعب زلمي خليلزاد دورا هاما في الألعاب السياسية في أفغانستان وكذلك في العلاقات بين البلدين منذ حوالي أربعة عقود. كان زلمي خليلزاد أول مبعوث أمريكي خاص إلى أفغانستان بعد الغزو الأمريكي لأفغانستان وسقوط نظام طالبان، وقد لعب دورا رئيسيا في مؤتمر بون وتأسيس النظام الجديد في أفغانستان. شغل منصب السفير الأمريكي من 2003 إلى 2005، كما لعب دورا رئيسيا في صياغة الدستور الجديد خلال مهمته.
تم اختيار خليلزاد مرة أخرى كممثل خاص للولايات المتحدة في أفغانستان، والحرب الأمريكية منذ 17 عاما في هذا البلد تواجه الآن إخفاقا، وبدأت الولايات المتحدة تظهر الضوء الأخضر لبدء محادثات مباشرة مع طالبان.
تعيين زلمي خليل زاد كمبعوث خاص لأمريكا لإجراء محادثات السلام مع طالبان وإنهاء الحرب الأمريكي التي وصلت عامها الـ17 في أفغانستان، يبدو كأنها قد أعيتها وتحاول حل قضية أفغانستان من خلال محادثات السلام؛ ولكن نظرا إلى الأوضاع المعقدة في أفغانستان ( تزايد الحملات الهجومية لطالبان، وضحايا مدنيون في غارات جوية للقوات الأجنبية والأفغانية، وتصريحات سكوت ميلر قائد القوات الأمريكية قوات حلف الناتو في أفغانستان حول إطالة الحرب في أفغانستان إلى الأمد البعيد، وعدم انسحاب القوات الأجنبية من أفغانستان) يبدو أنه ليس من السهل إيجاد حل لإنهاء الأزمة في أفغانستان بهذه السهولة.
مفاوضات السلام مع طالبان
بدأت محاولات حول بدء محادثات مع طالبان من قبل الحكومة الأفغانية والعالم في العقد الماضي، مع اشتداد الحرب وانتشار أنشطة طالبان في أنحاء مختلفة من أفغانستان. على الرغم من كثرة المحاولات التي تمت على المستوى المحلي والإقليمي والدولي إلا أنه لم يتم تحقيق أي نتائج ملموسة حتى الآن.
تم إنشاء مجلس السلام الأعلى من قبل الحكومة الأفغانية عام 2010م لأجل تحقق السلام في البلاد، وقد انعقدت مؤتمرات عدة حول بدء محادثات السلام مع طالبان في بلدان متعددة. وأصبحت هذه المؤتمرات والمجالس أكثر جدية مع حكومة الوحدة الوطنية؛ وفي السنوات الأربع الماضية انعقدت اجتماعات كثيرة منها: اجتماع اورومتشي في الصين، ولقاء ماري في إسلام أباد، واجتماعات الرباعية للسلام، واجتماعات عملية كابول، واجتماعات علماء الدين في أفغانستان والسعودية واندونيسيا. ولكن الحكومة الأفغانية فشلت في جلب طالبان إلى طاولة التفاوض، ويبدو أن الحكومة الأفغانية قد أخفقت فيه هذا المحال.
ومن جانب آخر، الحرب الأمريكية التي طالت 17 عاما في أفغانستان ومع مرور عام على إعلان استراتيجية ترامب العسكرية الجديدة والتي حاولت أن تكثف الضغوط العسكرية على طالبان، لم تكن لها أي نتيجة سوى شدة الحرب ووخامة الوضع أكثر من ذي قبل. واستدراكا لهذا وبعد عام من إعلان الاستراتيجية الجديدة وفهم الوضع، أصدر دونالد ترامب بشكل غير رسمي، أوامر بشأن محادثات مباشرة مع طالبان، وقد نشرت تقارير فيما يتعلق بإجراء محادثات مباشرة لدبلوماسي رفيع المستوى مع ممثلي طالبان في الدوحة، وتعتبر محاولات خليلزاد خطوة أخرى في سلسلة الجهود هذه.
وأي عمل من أجل الوصول إلى السلام والاستقرار مهما كان صغيرا وضئيلا فإنه يحفز بواعث الأمل، وهذا القرار الذي اتخذته الولايات المتحدة مؤخرا جعل عددا من الأفغان يأملون في تحقيق السلام في البلاد ولعله يوفر أرضية أفضل لحل الأزمة في أفغانستان.
هل ينجح خليلزاد في مهمته؟
بدأ زلمي خليلزاد مهمته في تنسيق محادثات السلام من خمس دول إقليمية كبرى وسافر إلى أفغانستان وباكستان والمملكة العربية السعودية.
والتقى خليلزاد بالرئيس غني والدكتور عبد الله وبعض المسئولين والقادة السياسيين والجهاديين في زيارته لأفغانستان، وتحدث عن الأوضاع الراهنة الجهود المبذولة لنجاح عملية السلام والأمن في البلاد. وبعد زيارته لكابول، وصل إلى إسلام أباد يوم الثلاثاء 8 أكتوبر 2018. وتحدث مع وزير الخارجية محمود قريشي وبعض المسؤولين الآخرين حول قضية السلام والحرب في أفغانستان، وتعهد المسؤولون الباكستانيون مرة أخرى بمواصلة تعاونهم بشأن السلام الأفغاني. ثم اتجه نحو المملكة العربية السعودية وسافر إلى الرياض يوم 9 أكتوبر، حيث عقد اجتماعات ومحادثات فيما يتعلق بالسلام ونهاية الحرب في أفغانستان.
ومن المتوقع أن يزور الإمارات العربية المتحدة وقطر بعد زيارته للمملكة العربية السعودية، وهناك تقارير بأنه يلتقي بممثلي طالبان في قطر. ولكن رحلة خليلزاد الإقليمية لمدة عشرة أيام، تشير إلى التشاور الأمريكي للسلام في أفغانستان والجهود المبذولة لإشراك المملكة العربية السعودية في عملية السلام الأفغانية إلى بذل المزيد من الجهود الجادة لزيادة الضغط على طالبان لجلبلهم إلى طاولة مفاوضات السلام. كما أن مجيء خليلزاد إلى كابول واجتماعاته مع شخصيات سياسية وجهادية مختلفة في البلاد أشار أيضا إلى الجهود الرامية إلى تمهيد الطريق لمحادثات السلام داخل أفغانستان.
مهمة خليلزاد الجديدة وكل الجهود التي بذلت مؤخرا الولايات المتحدة لبدء محادثات السلام مع حركة طالبان واعدة ويمكننا القول إن رحلة زلمي خليلزاد، إلى إسلام أباد، وتعزيز تعاون باكستان في عملية السلام في أفغانستان وكذلك الضغط على باكستان للحد من دعمها المعارضة المسلحة، كلها تشير إلى أن الولايات المتحدة تريد إدارة مفاوضات السلام نظرا إلى مصالحه وتعويضا لإخفاقات السنوات الـ 17 الماضية في أفغانستان.
من ناحية أخرى، تواجه واشنطن حاليا وضعا صعبا في أفغانستان، كما أنها في معارضة مع الدول التي تخالف الوجود الأمريكي في أفغانستان. وفي هذه الحالة، فلابد للوصول إلى مفاوضات السلام مع طالبان، أن تتكيف الولايات المتحدة في استراتيجيتها مع هذه الدول، وتحاول كسب ثقتهم لئلا تحصل على تعاونهم الحقيقي في قضية السلام وتأمين الاستقرار في أفغانستان.
ومع ذلك، إذا كانت الحكومة الأفغانية والمجتمع الدولي، تغمض العين عن العوامل الرئيسية للحرب الأفغانية، وستركز جهودها فقط في جلب تعاون بعض الدول، وازدياد الضغوط السياسية والعسكرية والدينية على طالبان لحضورهم على طاولة المفاوضات، فإنها لن تسفر عن أي نتيجة ملموسة كما حدث في الماضي.
انتهى