انتخابات مجلس النواب الأفغاني.. قصور وتحديات
رغم التحديات والمخاوف الأمنية، عقدت الانتخابات البرلمانية الأفغانية، الأسبوع الماضي (20-21 أكتوبر)، في جميع أنحاء البلاد باستثناء محافظتي غزنة وقندهار، وذهب مئات الآلاف من الأفغان إلى صناديق الاقتراع ليدلوا بأصواتهم لمرشحيهم المفضلين.
وقد أشاد الرئيس الأفغاني أشرف غني بعد عملية التصويت بمشاركة الشعب في هذه العملية، وقال: «لقد أظهرتم للعالم بمشاركتكم في علمية التصويت، أنكم لا تريدون العنف، وقد عبرتم عن إرادتكم ولم تستسلموا للإكراه والاستبداد.»
فضلا عن التهديدات الأمنية والتهديد المباشر من قبل طالبان، كان سوء التنظيم لعملية الانتخابات من قبل اللجنة الانتخابية المستقلة، وتدخل سماسرة القدرة، وممارسة احتيالات عدة في مراكز التصويت، من المشكلات التي عبرت عنها الناخبون والمراقبون على السواء وأظهروا قلقهم إزاءها.
عملية انتخابات مجلس النواب الأخيرة، والتحديات والمشاكل الموجودة في العملية ونظام التصويت، هي من القضايا التي نتطرق إليها في هذا المقال.
الانتخابات المؤجلة
كان عقد الانتخابات البرلمانية أحد العهود التي وعدتها حكومة الوحدة الوطنية والتي رغم كل المشكلات والتحديات الأمنية، تحققت بعد خلافات ومعارضات سياسية عديدة وثلاث سنوات من التأخير.
بحسب ما أعلنت اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات: شارك في العملية حوالي أربعة ملايين شخص بأصواتهم في جميع محافظات البلد ما عدا محافظتي غزنة وقندهار، حيث صوتوا لـ2570 مرشح. ووفقا للجنة الانتخابات، كانت الخلافات السياسية حول نوعية الانتخابات في محافظة غزنة، من أهم الأسباب وراء تأجيل الانتخابات في هذه المحافظة وتقسيمها إلى عدة وحدات انتخابية بالإضافة إلى المخاوف الأمنية. وبحسب اللجنة، فإن الانتخابات في محافظة غزنة ستعقد مع الانتخابات الرئاسية. ولكن الانتخابات تم تأجيلها في محافظة قندهار لمدة أسبوع بعد مقتل قائد الشرطة الجنرال عبدالرازق ومدير المخابرات للمحافظة مومن حسين خيل، نتيجة لهجوم مسلح في مقر المحافظة.
قال الرئيس السابق حامد كرزاي في حواره مع إذاعة صوت أمريكا -قبل إجراء عملية الانتخابات-: “الوضع الراهن غير مناسب لإجراء الانتخابات، والأفضل أن تجرى الانتخابات البرلمانية مع أو بعد الانتخابات الرئاسية المقبلة.” في حين أن الرئيس أشرف غني أشاد بالعملية ووصفها بأنها مهمة لصيانة الديمقراطية في البلد. كما اعتبرها الرئيس التنفيذي عبدالله عبدالله خطوة إلى الأمام و انجازا كبيرا مضيفا: “إن التصويت عن طريق وضع البصمات الإلكترونية للناخبين هي خطوة إيجابية نحو شفافية الانتخابات، مع أننا لا نتجاهل عن القصور الموجودة في العملية و على الحكومة الأفغانية ولجنة الانتخابات المستقلة والمؤسسات المراقبة كلها تحمل مسؤولية التعامل معها”.
قبل يومين من الانتخابات، وصف حركة طالبان عملية الانتخابات في بيان لها بأنها عملية أمريكية ومؤامرة، وأنذرت الناس من المشاركة فيها. ولكن الناس شاركوا فيها في ظل التهديدات والهجمات التي قامت بها المعارضة المسلحة، وأبدوا أصواتهم لمرشحيهم المفضلين. رغم أن الحكومة كلفت 66 ألف جندي من عناصر الشرطة الأمنية حفاظا لعملية الانتخابات، لكن وفقا لوزارة الداخلية وقعت 192 حادثة أمنة في مختلف مناطق البلاد، حيث قتل فيها 36 شخصا من المدنيين والعسكريين و أصيب 120 آخرون بجروح. من جهة أخرى، ادعت طالبان أنها نفذت أكثر من 400 هجوم في مناطق مختلفة أثناء الانتخابات والتي أسفرت عن مقتل وإصابة العشرات الأشخاص.
فقدان التنظيم ووجود التزوير في الانتخابات
رغم تأجيل الانتخابات عن وقتها المحدد بثلاث سنوات واجهت العملية فقدان التنظيم وأنواعا من الحيل والتزوير. و في يومي الانتخابات سجلت مفوضية الانتخابات أكثر من 5000 شكوى، مما يدل على وجود فساد وتزوير كبيرين في العملية.
من أهم مظاهر فقدان التنظيم في العملية والمشاكل الموجودة أثناء التصويت مايلي:
- تأخير في فتح عدد من مراكز التصويت: رغم أن الرئيس أشرف غني في أول يوم الانتخابات الساعة السابعة صباحا قام بفتح و تدشين العملية رسميا و أدلى بصوته في العاصمة كابل، لكن حدث تأخير في فتح عدد كبير من مراكز التصويت في كابل و بعض المقاطعات، وقد انتظر الناس أربع أو خمس ساعات لفتح المراكز، و بناء على هذا التأخير أعلنت مفوضية الانتخابات أن المراكز التي لم تفتح إلى الساعة الواحدة ظهرا عليها الإستمرار في العملية لليوم الثاني.
- سوء التنظيم في إدارة موظفي الانتخابات: إن سوء الإدارة لعملية الانتخابات من قبل الموظفين أدى إلى الخلط في قوائم الناس (المصوتين) بناء على التقارير الصادرة من بعض وسائل الإعلام أنه اختلط قوائم بعض المقاطعات و بعض المراكز، مثالا على ذلك، قوائم مقاطعة باميان حيث أرسلت إلى مقاطعة هرات. كذلك عدم وجود أسماء الناخبين في قوائم بعض المراكز، الأمر الذي أدى إلى حرمانهم من التصويت، أضف إلى ذلك تخريب آلات البصمات (بايوميتريك) أو عدم دراية الموظفين بها.
- تدخل سماسرة السلطة وانتحالات عدة في الانتخابات: كانت إحدى التحديات و المشاكل التي واجهتها عملية الانتخابات، ولقد اعترفت مفوضية الإنتخابات أن أثناء التصويت في بعض المراكز تدخل بعض سماسرة السلطة مما أدى إلى كسر بعض صناديق التصويت.
و بحسب وسائل الإعلام أن في بعض مراكز التصويت و بالأخص في المقاطعات تدخل بعض أصحاب القوة وبعض القواد النظاميين المحليين في عملية الاتتخابات و ملأوا صناديق التصويت لصالح مرشحيهم.
النتيجة
رغم كل الشكوك على مصداقية إجراء الانتخابات بدليل عدم مساعدة الوضع في البلد لمثل هذه العملية، ومعارضة أحزاب سياسية قبيل الانتخابات، فإن الحكومة كانت مصممة على إجراء الانتخابات وقد نفذت الخطة مع وجود نواقص وتحديات متعللة بـتجاوز مدة البرلمان بثلاث سنوات و بناء على الأسباب الأخرى القانونية والحكومية.
بناء على أن الحكومة غير مسلطة على كل أراضي أفغانستان فعلمية الإنتخابات لم تشمل معظم الأراضي الأفغانية، شارك الناس في مناطق تحت سيطرة الحكومة وصوتوا لمرشحيهم حسب رغبتهم، وقد استهدف المعارضة المسلحة للحكومة منذ بداية الحملات الانتخابية بعض المناطق، كما هاجموا بعض مراكز الاقتراع أيام التصويت مما أسفرت عن قتل وإصابة عشرات من المواطنين.نظرا لهذا الوضع المهدد أثناء الانتخابات و أن عامة الناس قبلوا كل هذه المشاكل و التحديات و ذهبوا لمراكز التصويت وضحى بعضهم بأرواحهم في هذا الطريق، كل هذا يدل دلالة صادقة على أن الشعب يريد تأمين الشفافية و إقامة العدل، و أنه لابد من إحترام أصوات الناس وآرائهم. وأن ما رفعت من شكاوى بخصوص المشاكل والتزوير الذي شهدتها الانتخابات، لابد من تقييمها و أخذها في الإعتبار لئلا يضيع الرأي العام.
فعلى مفوضية الإنتخابات أن تقوم بإجراءات لازمة حيال الشكاوى الموجودة بخصوص التزوير، وعدم تنظيم الأمور، وتدخل أصحاب القوة من رؤساء حكوميين محليين في العملية، كما يجب عليها أن تقوم بتمييز الأصوات القانونية من غير القانونية، و أن تتعامل مع هذه القضايا بجدية وحسم حتى لا تفقد العملية شرعيتها، و أن تجلب ثقة الشعب.
انتهى