الإفراج عن الملا برادر والتطورات الجديدة في السلام الأفغاني

 

بعد إنشاء حكومة الوحدة الوطنية في أفغانستان بذلت جهود لبدء مفاوضات السلام بين الحكومة الأفغانية وطالبان أكثر من العهد الماضي، لكن لم تكن لها نتيجة إيجابية بعد مضي أربع سنوات، وفي الآونة الأخيرة بدأت خطوات أخرى للبدء في محادثاث السلام وجها لوجه بين الولايات المتحدة و حركة طالبان.

وبالإستمرار في الخطوات الجديدة لقضية السلام وخبر إفراج باكستان عن ثلاثة من كبار المسئولين لحركة طالبان بما فيهم الملا برادر، ووقوع العديد من الحوادث والتي لفتت أنظار الناس على المستوى المحلي والدولي، كل هذه القضايا تشير إلى بدء محادثات السلام بين أمريكا و طالبان وجه لوجه، لكن الحكومة الأفغانية تعتقد أن الجهود الأخيرة للمفاوضات هي في الحقيقة بداية لمحادثات السلام بين الحكومة وطالبان بشكل مباشر.

على الرغم من وجود العديد من المناقشات حول قضية السلام الأفغاني ولكن ما زالت هناك جوانب غامضة ومجهولة جعلت قضية السلام أكثر تعقيدا، فما هي آخر التطورات أو الخطوات التي اتخذت في قضية السلام الأفغاني؟ وما الأثر الذي سيرتب على إطلاق الملا برادار من الأسر في عملية السلام؟ وبشكل عام إلى أي جهة ستسير محادثات السلام الأفغاني؟ هي الأسئلة التي تناولها هذا التحليل بالبحث والدراسة.

 

التطورات الأخيرة لمحادثات السلام

فيما يتعلق بالجهود والتطورات الأخيرة لمحادثات السلام الأفغاني يعتقد بأن زلمي خليلزاد بعد تعيينه لهذه المهمة -من قبل وزارة الخارجية الأمريكية- اتخذ بعض الخطوات السرية في المفاوضات، فضلا عن الخطوات الظاهرة المرئية.

إن وزارة الخارجية الأمريكية منذ شهرين تقريبا عينت زلمي خليلزاد ليقود محادثات السلام بين الحكومة الأفغانية وطالبان، وقام المذكور بعد استلامه المهمة برحلة لعشرة أيام، وزار خمسة بلدان (باكستان، والمملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، وقطر)، بما في ذلك أفغانستان لأجل تنسيق المحاولات في قضية السلام الأفغاني.

وخلال زيارة خليلزاد لأفغانستان التقى بعد لقائه بالرئيس الأفغاني والرئيس التنفيذي، بعدد من الأفغان السياسين والقادة الجهاديين والشخصيات البارزة في البلد و ناقشهم كيفية محادثات السلام مع طالبان داخل أفغانستان، وتلقى آرائهم في القضية.

معلوم أن زلمي خليلزاد (هو أفغاني الأصل الأمريكي) يعد من ساسة أمريكيين، ومن أشدهم انتقادا لباكستان، لكنه سافر إلى إسلام آباد حسب هذه المهمة (قضية السلام الأفغاني)، وبعد مناقشة القضية مع المسؤولين الباكستانيين، ناشدهم على مساعدة الحكومة الأفغانية في مفاوضات السلام.

ثم سافر زلمي خليلزاد إلى المملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات العربية المتحدة، وقطر، ويؤمل أن هذه الرحلات سوف تشجع الدول المذكورة بأن تحث طالبان على المفاوضات، ومن ناحية أخرى، ستحفز هذه الرحلات ولا سيما عن طريق المملكة العربية السعودية، إسلام آباد على التعاون الحقيقي المنشود في قضية السلام في أفغانستان.

بالإضافة إلى ذلك، فإن الأمر المهم في محاولات السلام الجديدة هو الأهمية التي تلقاها مكتب طالبان في قطر مرة أخرى، لأنه كان من المتوقع بعد تولي ترامب الحكم بأن يغلق المكتب في الدوحة، لكن بعد مرور سنة على رئاسة ترمب يبدو أنه أصبح للمكتب دور محوري في قضية السلام؛ وكثرت منذ الأشهر الماضية القليلة رحلات المسئوليين الأمريكيين إلى قطر ولقاءاتهم مع طالبان بخصوص محادثات السلام الأفغاني، كما سافر زلمي خليلزاد أيضا إلى قطر والتقى بطالبان في قضية السلام، وقد صرح طالبان بلقائهم معه، وتفاؤلهم بشأن القضية الأفغانية وحلها عن طريق المفاوضات، وهذا ما يدل على أن الأمريكان قد اتخذوا خطوات عملية في محادثات السلام وجها لوجه مع طالبان، ويؤمل بأن تكون لهذه المفاوضات نتائج إيجابية.

 

الإفراج عن الملا برادر

يعتقد المحللون بأن الجهود الإقليمية والتطورات الأخيرة في قضية السلام الأفغاني والتي كان من إحدى نتايجها إطلاق سراح مسئولي طالبان من سجون باكستان ولا سيما الملا عبدالغني برادر، من النقاط الإيجابية والواعدة لهذه المحاولات.

الملا عبد الغني (المشهور بـ: ملا برادر) هو من سكان مقاطعة أرزجان، وأحد الأشخاص الأربعة الذين بدأوا حركة طالبان في عام 1994م، وكان نائبا للملا محمد عمر أيام حكم طالبان، وحاكم مقاطعة هرات كما وصل إلى رتبة اللواء في الجانب العسكري في عهد طالبان.

بعد الغزو الأمريكي لأفغانستان وانهيار نظام طالبان في عام 2001م بدأ الملا برادر حربًا ضد القوات الأجنبية وقوات الحكومة الأفغانية كعضو أساسي في حركة طالبان، لكن بعد مرور تسع سنوات من المقاومة اعتلقته المخابرات الباكستانية في مدينة كراتشي عام 2010م، ويقال عن سبب إعتقاله أنه كان يريد التفاوض مع الحكومة الأفغانية دون إذن من باكستان.

والجدير بالذكر أن باكستان أذاعت خبر إطلاق سراح الملا برادر في عام 2013م، لكن الخبر رفض في ذلك الوقت من قبل أشخاص قريبين بعائلة الملا برادر وطالبان، وجاءت الأخبار عن إفراج ثلاثة قياديين من حركة طالبان بعدما بدأت محادثات الولايات المتحدة مع طالبان، ويقال بأن الملا برادر أفرج عنه بعد زيارة وزير الخارجية لدولة قطر ولقائه برئيس الوزراء الباكستاني عمران خان ووصايته بالإفراج عنه.

بشكل عام، نستطيع القول بأن إطلاق سراح الملا برادر تعد خطوة إيجابية وستزداد من ثقة الأطراف في محادثات السلام، وكان طالبان دائما تطلب الإفراج عن سجنائهم في المفاوضات، ومن ناحية أخرى، المفرج عنه هو سياسي رائد و شخصية مؤثرة، و كان يميل إلى محادثات السلام الأفغاني، و قيل أن المخابرات الباكستانية اعتقلته عام 2010م، لأنه كان يريد البدء في مفاوضات السلام الأفغاني.

 

اتهامات بإجراء صفقات سرية في قضية السلام الأفغاني

مع أن الإفراج عن الملا برادر و اثنين أخرين من قياديي طالبان يعد من التطورات في قضية السلام الأفغاني وجانبا من المفاوضات في هذه القضية، فإن هناك اتهامات أثيرت إثر مقتل الجنرال عبد الرازق قائد الشرطة في محافظة قندهار قبل أيام، ولا سيما لازالت القضية في هالة من الغموض.

حدث مقتل الجنرال عبدالرازق أثناء اجتماع مهم في محافظة قندهار، والذي كان الجنرال سكات ميلر القائد العام للقوات الأجنبية مع بعض المسؤولين الكبار في الاجتماع، واتهم البعض بأن الأمريكان والحكومة الأفغانية وراء مقتله وتم الحادث بمؤامرة سرية.

وقد بدأت فعاليات نشطة في وسائل التواصل الاجتماعي ضد الولايات المتحدة، ويقال بأن الحكومة الأفغانية والمسؤولين الأمريكيين بدأوا بمحاولات لتهدئة الأمور في هذه القضية، وقد سافر الرئيس الأفغاني والرئيس التنفيذي وعدد من المسؤولين الحكوميين والسياسيين إلى قندهار وشاركوا في مراسم العزاء، كما تمت مراسم العزاء له في كثير من المحافظات. يتم اتخاذ جميع هذه الخطوات في حين، أن لجنة مناهضة التعذيب التابعة للأمم المتحدة قد انتقدت أعماله بشدة في الأعوام الماضية، ومن جانب آخر، مع أنه كان الرجل الأقوى في جنوب أفغانستان، ولكن رسميا كان قائد الشرطة للمحافظة، لذلك كانت الخطوات بعد مقتله خلاف المعتاد.

يبدو أن الولايات المتحدة تحاول ما لم تستطع أن تفعله الحكومة الأفغانية وعجزت عنه في  العقد الماضي تقريبا، فبدأت الولايات المتحدة محادثات السلام مع طالبان مباشرة، بعد مرور 17 عاما وبعدما لم تنجح جهود الحكومة الأفغانية، وقبلت الولايات المتحدة بأن الحرب القائمة لا تنتهي إلا عن طريق المفاوضات.

فضلا عن هذا، وبصرف النظر عن أهمية باكستان في قضية السلام الأفغاني والاستقرار في أفغانستان، فإن هناك دول أخرى مجاورة لأفغانستان مثل: إيران وروسيا والصين يجب أن تكون لها دور في قضية السلام ولا سيما أنها أظهرت قلقها عن وجود الأمريكي في أفغانستان عدة مرات، فإن الحاجة إلى جلب ثقتهم تكون ملحة لتتعاون هذه الدول في قضية السلام، ولا بد أن تجتهد الولايات المتحدة بكل وسيلة ممكنة لتخفيض قلق هذه الدول، ولا سيما أن دور هذه الدول في قضية السلام الأفغاني يعد دورا رئيسا أيضا، مع أنه لم تهتم بدورها في القضية حاليا.

انتهى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *