سفر رئيس الوزراء الباكستاني إلى الولايات المتحدة الأمريكية، والسلام الأفغاني
امان الله کاکر
فور اعتلائه كرسي رئاسة الجمهورية للولايات المتحدة الأمريكية عام 2017 أوقف دونالد ترامب دعمه لباكستان، وهدد بأن دعم باكستان للإرهابيين الذين ينفذون أعمالهم الإرهابية في أفغانستان سيؤدي إلى تدهور العلاقات بين أمريكا وباكستان إلى حدٍ كبير. إلا أن سفر المسؤولين الأمريكيين إلى باكستان، ووساطة محمد بن سلمان لعمران خان، وموقف باكستان الأخير الداعم للسلام الأفغاني رمم شيئا من العلاقات بين باكستان والولايات المتحدة الأمريكية، ونتج عن ذلك دعوة ترامب لعمران خان لزيارة الولايات المتحدة الأمريكية وتمت الزيارة بتاريخ 21/يوليو واستمرت لثلاثة أيام. سندرس في هذا الجزء من تحليل الأسبوع مدى نجاح هذه الزيارة في تحسين العلاقات بين البلدين، وتأثيرها على السلام الأفغاني.
نظرة سريعة على العلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية وباكستان
مرت دولة باكستان منذ تأسيسها بمراحل عديدة في علاقاتها مع الولايات المتحدة الأمريكية، وكان بين الدولتين علاقات مكثفة – تتحسن حينا وتسوء حينا- على الصعيد الاقتصادي والتجاري ومكافحة الإرهاب وقضية السلاح النووي. بعد الهجوم الأمريكي على أفغانستان عام 2001 ساندت باكستان الولايات المتحدة في هجماتها حيث فتحت لها ممراتها الهوائية والبرية كما سلمت لها قادة طالبان الذين كانت الولايات المتحدة تبحث عنهم. من جانبٍ آخر لم تقطع باكستان مساعداتها عن جماعة طالبان التي شكلت تهديدا للولايات المتحدة في أرض أفغانستان.
واستمر الوضع على النحو المذكور إلى حين قدوم الرئيس ترامب، الذي لم يرتض استمراره بعد انتصاره في الانتخابات، وألقى باللائمة على كبار المسؤولين الأمريكيين على دعم باكستان على الصعيد العسكري والاقتصادي، وأوقف تدفق الدعم لباكستان دفعة واحدة. هدد ترامب باكستان أنه في حال عدم اتخاذ باكستان خطوات حازمة تجاه الإرهابيين فإنه سيدعو إلى مقاطعة باكستان على أوسع نطاق. وبتعيين عمران خان رئيسا للوزراء الباكستاني ورث على طاولة أعماله قضية إعادة ترميم العلاقات مع الولايات المتحدة بعد مرورها بالتحديات المذكورة، وقد استطاع عمران خان أن يتخذ خطواته بحنكة مما أنتج تحسين العلاقات التي تكدرت بين الدولتين.
خصائص الزيارة الأخيرة
تختلف زيارة عمران خان الأخيرة عن زيارات رؤساء الوزراء الباكستانيين السابقين في أن الزيارة الأخيرة كانت بمرافقة قادة الجيش والاستخبارات وهم قمر جاويد باجوه، وفيض حميد، بالإضافة إلى كبار المسؤولين في القطاعات المدنية. الإدارة التي رافقت رئيس الوزراء (الاستخبارات الباكستانية) يُظن عنها في الداخل والخارج أنها أودت برئيس الوزراء السابق نواز شريف إلى المُعتقل لأجل قضايا تحسين العلاقات مع الدول الأخرى وخصوصا سياسة عدم التدخل في شؤون أفغانستان. ولعل ما ذُكر هو السبب الذي جعل نواز شريف يُبقي منصب وزارة الخارجية شاغرا، ليُرسل رسالة غير مباشرة إلى دول العالم بأن السلطة في باكستان بيد هذه الإدارات.
تم استقبال عمران خان في الولايات المتحدة الأمريكية من قِبل وزير الخارجية الباكستاني شاه محمود قريشي والسفير الباكستاني بالولايات المتحدة أسد خان، ولم يقدم لاستقبال عمران خان أحدٌ من المسؤولين الأمريكيين.
كما ألقى عمران خان كلمة مطولة لجمعية المقيمين الباكستانيين في الولايات المتحدة وكان عددهم بالآلاف، وتخللت كلمته تنديدا بأنشطة مخالفيه داخل باكستان، كما ردد الشعارات التي كان يرفعها في فترة الانتخابات. الهدف الأساسي من سفر عمران خان هو إعادة تحسين العلاقات مع الرئيس ترامب ليُقنعه بإرجاع تدفق الدعم الأمريكي لباكستان على الصعيد الاقتصادي والعسكري.
لم صار ترامب مناصرا لباكستان فجأة؟
تنظر الولايات المتحدة الأمريكية وخصوصا إدارة ترامب إلى باكستان من ناحية ارتباطها بقضية أفغانستان، وتعتقد الولايات المتحدة أنها بحاجة إلى مساعدة باكستان للوصول إلى أهدافها في أفغانستان والمنطقة. من جانبٍ آخر إذا اعتبرت الصين دولة باكستان مورّدا جيدا لصادراتها، فإن الولايات المتحدة كذلك ستُعد مُصدرا هاما لدولة باكستان. كما أن موقع باكستان له أهمية خاصة لمصالح الولايات المتحدة الأمريكية في جنوب آسيا، ولذا لا ترغب الولايات المتحدة أن تفقد مساندة باكستان بهذه السهولة.
مع تدهور العلاقات بين الولايات المتحدة وباكستان واتهام ترامب لباكستان بالخداع والكذب وأنها لم تعامل الولايات معاملة حسنة بعد تلقيها الدعم منها، لم يكتف ترامب بقطع الدعم عن باكستان بل هدد بتفعيل المقاطعات على باكستان. وقد استطاعت باكستان بعد إدراكها لأهمية تحسين العلاقات المتدهورة مع الولايات المتحدة أن تخطو في اتجاه تحسين علاقاتها عبر زيارات كبار مسؤوليها إلى الولايات المتحدة ووساطة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وسماحها لتردد الطيران فوق أرضها بين أفغانستان والهند، وكذلك إظهارها حسن نواياها للولايات المتحدة باتخاذها مواقف مساندة للسلام الأفغاني.
ضمت الولايات المتحدة دُعاة الاستقلال البلوشيين إلى القائمة السوداء المتهمة بالإرهاب، وهو أمر انتظرته باكستان كثيرا. كما قامت باكستان – وفق معهودها – بمخادعة الولايات المتحدة عبر إلقاء القبض على حافظ سعيد، وهو شخص تم اعتقاله أكثر من ست مرات منذ عام 2001 بناء على الضغوطات الدولية وتم الإفراج عنه بعد كل اعتقال. وقد رحبت الهند بهذه الخطوة، كما أظهر رئيس الولايات المتحدة ابتهاجه باعتقال حافظ سعيد وقال بأن الولايات المتحدة كانت تسعى لإلقاء القبض عليه، في حين أن حافظ سعيد كان يُشارك علانية في المظاهرات والجلسات المعارضة بباكستان.
تصريحات الرئيس الأمريكي ورئيس الوزراء الباكستان حيال السلام الأفغاني
لا يوجد تقدم حيال السلام الأفغاني إلا على مستوى اللقاءات والمؤتمرات، ولم يلحظ الشعب الأفغاني أي تقدم عملي في سبيل إحلال السلام. التصريحات التي تم ذكرها في اللقاء بين الرئيس ترامب ورئيس الوزراء الباكستاني أثارت حفيظة الشعب الأفغاني. من جانبٍ شكلت قضية السلام الأفغاني نقطة هامة في أجندة زيارة عمران خان وقد ارتفع رصيد باكستان لدى الولايات المتحدة بسبب ذلك، كما أن دور الاستخبارات والجيش والباكستاني كان مؤثرا في هذا الصدد، ومن جانبٍ آخر قد تكون مواقف البنتاجون والبيت الأبيض مختلفة عن تصريحات الرئيس ترامب، وذلك لأن تجربة ترامب في السياسة تجربة جديدة، والبنتاجون لا يمنح رصيد تقدم السلام الأفغاني لباكستان مثل ما يفعل ترامب في جلسة واحدة، كما أدلى ترامب بتصريحات غير مناسبة حيال أفغانستان متضمنة أن الولايات المتحدة الأمريكية قادرة على حذف أفغانستان من الخريطة خلال أسبوع واحد. وتُظهر هذه التصريحات المستخفّة أن هناك معاملات تتم من وراء الستار بين الولايات المتحدة وباكستان حيال أفغانستان. وقد أثارت تصريحات ترامب الأخيرة ردود أفعال المسؤولين بالحكومة الأفغانية والمسؤولين في الحكومة السابقة بما فيهم الرئيس الأفغاني السابق، وقد طالبت الحكومةُ الأفغانية توضيحا من الولايات المتحدة حيال التصريحات المذكورة، وقد عد الرئيس السابق حامد كرزاي هذا الموقف ردة فعل ضعيفة، كما هدد بأن على الولايات المتحدة إخراج قواتها من أفغانستان. وقد صرح سفير طالبان السابق لدى باكستان عبدالسلام ضعيف بأن دول المنطقة لا ترغب في حدوث تقدم في عملية السلام الأفغاني، وأنها تشارك في مؤتمرات السلام بحثا عن مصالحها وحسب.
النتائج
علينا أن نقر أن إفساد الحكومة الأفغانية لعملية السلام الأفغاني ودعوتها المتكررة للجانب الباكستاني بلعب دوره حيال السلام من الأخطاء الفادحة. لسوء الحظ أدى هذا الأمر إلى الإضرار بمفاوضات السلام بين أطراف النزاع بأفغانستان، كما تم منح باكستان فرصة أخرى لتخرج من انزوائها وتمسك بمقود القضية الأفغانية، مع إقناع القصر الأبيض الأمريكي بأن تنظر إلى أفغانستان من ناحية باكستان وحسب.
استطاعت باكستان بالاستفادة من قضية السلام الأفغاني أن تصلح علاقاتها مع الولايات المتحدة وأن تحصل كذلك دعم ترامب لقضية كشمير، وهو موضوع طالما ربطته السلطات الباكستانية بالسلام الأفغاني. ومن جانبٍ آخر فإن حصول باكستان على الدعم الاقتصادي الأمريكي كان أهم هدفٍ من الزيارة الأخيرة حيث إن مشكلة باكستان الاقتصادية أخذت في التضخم في السنوات الأخيرة، ولعل هذا الهدف هو السبب الذي من أجله أظهرت الحكومة الباكستانية موقفا مساندا للسلام الأفغاني.
لا يظهر حتى الآن أن باكستان نجحت في الحصول على الدعم الأمريكي، كما أن الرئيس الأمريكي ترامب اعتبر دور باكستان دورا مهما حيال السلام الأفغاني، وأبدى دورا وسيطا بين الهند وباكستان لحل قضية كشمير، إلا أن الهند رفضت وساطة الولايات المتحدة وأكدت على أن قضية كشمير تُحل بين الهند وباكستان وحسب.
على الحكومة الأفغانية وطالبان أن يتعظا من تقارب باكستان والولايات المتحدة لأجل مصالحهما، كما على الحكومة الأفغانية وطالبان اغتنام الفرص التي لا تتواجد إلا بندرة، مع العمل سريعا على إنجاح السلام الأفغاني. كان بإمكان أفغانستان أن تزيل العديد من العوائق التي اعترضت طريق السلام وذلك عبر إعمال الضغط على باكستان من ناحية الصين في ظل الصعوبات الاقتصادية التي تواجهها باكستان، إلا أن حكومة الوحدة الوطنية لم تُبق مكانا لهذه الآمال لضعفها، وهو أمر ينبغي أن يتخذ قادة الشعب الأفغاني حياله القرارات المناسبة.
٭ ٭ ٭ ٭ ٭