مؤتمر موسكو وتأثيراته على المصالحة الأفغانية
استضافت موسكو الأسبوع الماضي (9 نوفمبر، 2018) مؤتمرا هاما حيال الصلح الأفغاني. دُعيت 12 دولة للمؤتمر ومن ضمنها الولايات المتحدة الأمريكية وأفغانستان. الحضور الأمريكي لم يعْدُ دور المراقب في المؤتمر، كما شارك من الجانب الأفغاني وفد من المجلس الأعلى للسلام الأفغاني ولم يتم تمثيل الحكومة الأفغانية رسميا في المؤتمر.
في إشارة إلى حضور وتهديدات تنظيم “الدولة الإسلامية” أو ما يُدعى بتنظيم داعش في أفغانستان، ذكر وزير الخارجية الروسي في افتتاحية المؤتمر أن تنظيم داعش يتم دعمه من بعض الدول لأجل زعزعة الأمن في المنطقة، كما نوّه بجهود روسيا لإرساء السلام والاستقرار في أفغانستان.
لفت المؤتمر اهتماما دوليا، حيث شارك فيه وفد من طالبان. كما لوحظ أن الاهتمام والتدخل الروسي في أفغانستان أخذ يزداد على إثر الحرب الباردة الأخيرة بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية.
نناقش في هذه المقالة تأثيرات الحرب الباردة بين هاتين الدولتين على أفغانستان، والأهداف التي يخطو نحوها الجانب الروسي، ونتائج وتأثيرات المؤتمر المنعقد أخيرا في روسيا.
الحرب الباردة الأمريكية الروسية، وأفغانستان
مع أن كل خطوة تُتخذ في اتجاه السلام الأفغاني توقد جذوة من الأمل؛ إلا أن مؤتمر روسيا حمل معه رسائل تداعيات الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وتباين مواقفهما حيال قضية أفغانستان. من هذا المنطلق، أكد وزير الخارجية الروسي في حديثه أن بلاده لا تريد أن تقع أفغانستان ضحية لاحتراب القوى الإقليمية والدولية على أرضها، وأن الهدف الوحيد من المؤتمر هو تدعيم السلام الأفغاني.
تطويل الحرب الأمريكية في أفغانستان وفشل جهود الحكومة الأفغانية حيال الصلح من جهة أخرى تسببا في كثرة الأيدى الإقليمية والدولية المتدخلة في القضية الأفغانية. مع نشوء الحرب الباردة الجديدة بين الولايات المتحدة وروسيا على المستووين الإقليمي والدولي منذ سنوات قليلة، صارت أفغانستان إحدى ميادين هذه الحرب الباردة.
تتوجس روسيا حاليا من الحضور الأمريكي في أفغانستان وقد ازداد قلقها مع إنشاء قواعد للقوات الأمريكية وتوسع نشاط تنظيم داعش في أفغانستان منذ عام 2015؛ لذا بدأت روسيا بلعب دور مهم في القضية الأفغانية منذ ذلك الحين.
هناك تحليلان حيال جهود الجانب الروسي الأخيرة وتأثيراتها على القضية الأفغانية:
أولا: قد تكون الجهود الروسية منصبة في توجيه الحرب الباردة مع الولايات المتحدة بحيث يزداد الضغط على الجانب الأمريكي ومن ثم تؤدي خطوات حفظ السلام والأمن إلى آثار عكسيةٍ نتاجُها زيادةٌ في تعقيد وتطويل الحرب الأفغانية.
ثانيا: هناك تحليلات تقول بأن الولايات المتحدة الأمريكية قد لا تُرحب باتساع دور الجانب الروسي في القضية الأفغانية وخصوصا توطيد العلاقات بين روسيا وطالبان. لذلك ستزيد الولايات المتحدة من مساعيها لأجل الوصول إلى اتفاق مع طالبان عبر محادثات مباشرةٍ معهم.
نتائج وتأثيرات مؤتمر موسكو
مقارنة بعهد رئاسة حامد كرزاي للبلد فإن العلاقات بين حكومة الوحدة الوطنية بأفغانستان والجانب الروسي قد ازدادت تدهورا، وقد حدث ذلك عندما عزمت حكومة الوحدة الوطنية على تأسيس علاقات وطيدة مع واشنطن، وقد أثمر جميعُ ذلك تغيرات ملموسة في سياسات روسيا تجاه أفغانستان. من هنا يُلاحظ أن الجانب الأفغاني متشكك من مصداقية الجهود الروسية تجاه السلام الأفغاني، كما أن المؤتمر الأخير زاد في توتر الجو أكثر من ذي قبل.
من جانب، لا ترغب الحكومة الأفغانية في المشاركة بمؤتمر يُدار من دولة أخرى، ومن جانب آخر تقلق الحكومة الأفغانية إلى حد ما من إغفالها خلال المحادثات بين الجانب الأمريكي وطالبان. لذلك أيدت الحكومة الأفغانية موقف الولايات المتحدة الأمريكية ضد الجانب الروسي بعدم مشاركتها في المؤتمر. في الوقت ذاته فإن مشاركة وفد المجلس الأعلى للسلام الأفغاني أظهر موقفا ضعيفا ومتشككا حيث أن المجلس الأعلى للسلام هو المخول رسميا في محادثات السلام مع طالبان، رغم أن المجلس لم يحرز تقدما في عملية المصالحة وصار يُعرف كجهة غير مُجدية في إرساء السلام في أفغانستان.
على الصعيد الآخر، حصلت طالبان على فرصة جيدة لكي تشارك رسميا وتُسمع صوتها في مؤتمر له أهميته على المستويين الإقليمي والدولي. من جانبٍ أوصلت طالبان رسالة إلى الولايات المتحدة والحكومة الأفغانية بأن لديها دعما من دولة قوية كروسيا، ومن جانب آخر أسمعت طالبان صوتها لدول المنطقة والعالم بشكل بارز وعلى أوسع نطاق. لقد أكد وفد حركة طالبان بأنهم لا يُشكلون خطرا للدول المجاورة ودول الإقليم، وأن هذا هو سبب ما يتلقّونه من دعمٍ إقليمي.
قامت طالبان بتطوير جهودهم الدبلوماسية في السنوات الأخيرة، وتحديدا بعد افتتاح مكتبهم السياسي في قطر عام 2013. كما أدركوا أن توطيد علاقاتهم مع روسيا سيكون من شأنه تصعيد الضغوط على الولايات المتحدة الأمريكية ويُمهد السبيل للمحادثات المباشرة بين أمريكا وتنظيم طالبان.
بالإضافة إلى ذلك، فإن حضور ممثلي طالبان في مؤتمر موسكو يُشكل مصدر قلق للجانب الأمريكي وقد يؤثر ذلك على موقف الولايات المتحدة الأمريكية تجاه المحادثات المباشرة مع طالبان؛ حيث أن الولايات المتحدة لا ترغب في اتساع دور روسيا في القضية الأفغانية.
المحادثات بين الولايات المتحدة الأمريكية وطالبان
انعقد مؤتمر موسكو في وقت اتخذت فيه الولايات المتحدة تجاه السلام الأفغاني خطوات مشجعة مقارنة بالماضي. بالتزامن مع ذلك، قام المبعوث الخاص من وزارة الخارجية الأمريكية للسلام الأفغاني –والذي التقى بممثلي طالبان في قطر- زلمي خليلزاد بزيارته الثانية للمنطقة.
إن السبب الأصلي لاستمرار الحرب في أفغانستان هو تواجد القوات الأجنبية في أفغانستان، لذا، ما لم تضع الولايات المتحدة موعد انسحاب قواتها من أفغانستان على طاولة المفاوضات مع طالبان، فإن المحادثات لن تثمر أي نتائج مطلوبة. كما أن عامل فشل جهود الحكومة الأفغانية تجاه عملية السلام أن طالبان ترى المحادثات غير مُجدية عندما تُطرح بُغيتهم الأساسية (خروج القوات الأجنبية من أفغانستان)، ومن ثم تتنكر طالبان للمحادثات المباشرة مع الحكومة الأفغانية.
بالإضافة إلى ذلك، فإن القضية أخذت بُعدا خارجيا (خروج القوات الأجنبية من أفغانستان) وبعدا داخليا (تمهيد الطريق للمحادثات الأفغانية). في البعد الخارجي فإن الجهود الإقليمية تُعد مثمرة إلى حد ما كما أن ضغوط الجانب الروسي على الولايات المتحدة قد تنتج تغييرات في موقف الجانب الأمريكي؛ حيث أن نجاح عملية السلام الأفغاني تبدو مستحيلة مالم تلعب الولايات المتحدة الأمريكية دورا مباشرا في المحادثات.
النهاية