مكافحة الفساد الإداري في عهد الرئيس أشرف غني
كان تحقيق الحكم الراشد في أفغانستان هو أحد الوعود الذي تعهد الرئيس غني على تحقيقه في بداية فترة رئاسته، والنزاهة ومكافحة الفساد الإداري من أهم مظاهر ذلك.
وفقا لتقارير منظمات دولية فإن أفغانستان كان على صدر الدول التي يستشري فيها الفساد عند وصول الرئيس غني إلى الرئاسة. من ناحية أخرى كان يجب على حكومة غني مكافحة الفساد الإداري واجتثاث جذوره ليتمكن من الحصول على المساعدات المالية للمجتمع الدولي. لذلك؛ مع أن الحكومة قد قامت بخطوات في مكافحة الفساد خلال السنوات الأربع من فترة حكومة الوحدة الوطنية؛ إلا أن هناك قصورا ومشاكل كانت موجودة في هذا المجال لأسباب مختلفة، ولذا؛ لم تكن جهود الحكومة في مكافحة الفساد ناجحة عموما، ويعد أفغانستان في الوقت الحاضر إحدى أفسد الدول في العالم كما كانت.
برنامج الرئيس غني وأسلوبه في مكافحة الفساد، والأعمال التي قامت بها الحكومة في هذا المجال خلال أربع سنوات الماضية، وأسباب فشل الحكومة في مكافحة الفساد؛ هي موضوعات نتعرض لها في هذا التحليل.
استراتيجية رئيس الجمهورية في مكافحة الفساد الإداري
كان مسؤولو حكومة الوحدة الوطنية يضعون مكافحة الفساد الإداري ضمن قائمة أولوياتهم خلال الحملة الانتخابية وكذلك بعد إقامة هذه الحكومة. الرئيس التنفيذي لحكومة الوحدة الوطنية لم يقدم أي ميثاق انتخابي أو أية أطروحة كتبية أثناء الحملات الانتخابية وبعد الوصول إلى السلطة؛ ولكن الرئيس غني خصص قسما من ميثاق حملته الانتخابية لإيضاح برنامجه لمكافحة الفساد الإداري، ونظرا لأعمال حكومة الوحدة الوطنية خلال السنوات الأربع الماضية؛ فإن رئيس الجمهورية قد خطا بعض الخطوات على طريق مكافحة الفساد.
كان أشرف غني قد تعهد (بتسعة عشر وعدا) على طريق مكافحة الفساد الإداري، وأكد من ضمنها على نقطتين، (المساءلة والشفافية). عدم تسجيل الأموال بطريقة شرعية وقانونية، وعدم وجود نظام حقوقي مؤثر؛ ذُكرا في هذا الميثاق من العوامل الأساسية للفساد الإداري في البلاد. ولذلك؛ ذكر في برنامجه لمكافحة الفساد الإداري الخطوات التالية:
- الإصلاحات في وزارة العدل، والادعاء العام، والشرطة.
- تسجيل الأراضي، والأملاك، والعقارات بطريقة شرعية وقانونية.
- النظر في العقود الحكومية.
- منع التهريب والتصدير بطريقة غير قانونية.
- التحكم في البنادر والطرق بواسطة المؤسسات المهتمة.
- الإجراءات اللازمة لمنع بيع وشراء المناصب الحكومية.
بعد تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، عرض الرئيس غني برنامجه لمكافحة الفساد الإداري على مؤتمر لندن (۲۰۱٤م) ضمن مقال له حول الإصلاحات، وقد وعد هناك بعشرين وعدا لمكافحة الفساد الإداري.
عموما؛ برنامج رئيس الجمهورية لمكافحة الفساد الإداري يتلخص في وضع القوانين والأساليب، وتشكيل الإدارات واللجان لمكافحة الفساد، وبذل الجهود لمتابعة القضايا الكبيرة للفساد الإداري بواسطة رئيس الحكومة شخصيا، وتكثيف الجهود لمكافحة الفساد الإداري عندما يحين موعد المؤتمرات الدولية، وتقديم بعض المسؤولين الحكوميين رفيعي المستوى إلى المؤسسات العدلية والقضائية.
إجراءات الحكومة لمكافحة الفساد الإداري خلال أربع سنوات
بدأ رئيس الجمهورية أشرف غني مكافحته للفساد الإداري من إعادة فتح قضية ما يسمى بـ (كابل بنك). كابل بنك أسسه شيرخان فرنود عام ۲۰۰٤م، واشتراه بنك أفغانستان المركزي عام ۲۰۱۰م لكونه معرضا لخطر الانهيار. اختفى في هذه القضية حوالي مليار دولار، واعتقل بعض من المقترضين له فيما بعد، لكن الأشخاص الوجهاء استثنوا من اتخاذ إجارءات مماثل بشأنهم. بعد إعادة فتح القضية من قبل رئيس الجمهورية، أرسل بعض المتهمين في هذه القضية إلى السجن ودفع ديونهم إلى كابل بنك، وتم تجميد أموال البعض الآخر. كما أن عددا من المتهمين في القضية منعوا من السفر خارج البلاد. وفقا لتقرير منظمة النزاهة الدولية فإن إعادة فتح القضية عام ۲۰۱٤م أدت إلى نزول أفغانستان من المرتبة الثانية إلى المرتبة الرابعة ضمن الدول الفاسدة في العالم.
وفي الخطوة الثانية؛ فإن الرئيس غني عرض برنامجه لمكافحة الفساد الإداري إلى مؤتمر لندن الدولي عام ۲۰۱٤م، والذي ذُكر فيه الفساد في العقود الكبيرة، وضعف سلطة القانون، واستغلال النظام الحقوقي أنها أهم أسباب الفساد الإداري في البلاد.
مع أن الحكومة استطاعت عام ۲۰۱٥م الحصول على حوالي ۲۲۸ مليون دولار من مقترضي كابل بنك، إلا أن جهود الحكومة وأساليبها لمكافحة الفساد لم تكن موحدة، وكانت مواقف المسؤولين الحكوميين متعارضة في بعض الأحيان، وكان الإفراج عن (خليل الله فيروزي) أحد أهم المتهمين في قضية كابل بنك من السجن، وتوقيع عقد بلدة سكنية بحضور المسؤولين الحكوميين رفيعي المستوى مثل وزير الإسكان وممثل رئيس الجمهورية الأسبق للإصلاحات والحكم الراشد، من ضمن هذه الإجراءات. هذا الوضع أحدث شكوكا في برنامج الحكومة لمكافحة الفساد الإداري، وأدرج اسم أفغانستان مرة أخرى في تقرير منظمة النزاهة الدولية ضمن ثاني دول الفاسدة عام ۲۰۱٥م.
تأسيس لجنة المشتريات الوطنية تحت إشراف رئيس الحكومة نفسه، كانت خطوة أخرى من قبله في هذا العام. وکانت اللجنة تقوم بتقيیم العقود في جلساتها الأسبوعية في القصر الرئاسي، وتم نشر عقد معدن (نحاس عينك) الكبير لضمان النزاهة في شهر مايو من عام ۲۰۱٥م. كما أن الخطوات الأخرى مثل تأسيس المجلس الأعلى لتنفيذ القانون ومكافحة الفساد الإداري، وفتح مركز عدلي وقضائي لمكافحة الفساد، وتسجيل أموال المسؤولين الحكوميين، وعزل ٦۰۰ قاض و۲۰ أعضاء النيابة العامة، وعزل ۲٥ في المائة من مؤظفي الجمارك، وتجنيب اختلاس ۲۲۰ مليون دولار في ۱۲٥۰ عقدا، وخطوات أخرى من قبل الحكومة في هذا العام أدت إلى نزول أفغانستان من المرتبة الثانية إلى المرتبة الثامنة ضمن الدول الأكثر فسادا في العالم.
أما في عام ۲۰۱۷م تصدر أفغانستان مرة أخرى قائمة الدول الأکثر فسادا في العالم وبحصوله علی ۱٥ امتيازا بعد الصومال، والسودان الجنوبي، وسوريا أصبح رابع أكثر دول العالم فسادا. مع أن المدعي العام الأفغاني أخبر عن النظر في ۱٥۲٦ قضية تتعلق بالفساد الإداري في هذا العام بما فيها قضايا للمسؤولين الحكوميين رفيعي المستوى؛ إلا أن جهود الحكومة باءت بالفشل وفقا لتقرير منظمة النزاهة الدولية. ويرى مراقب الشفافية في أفغانستان أن السبب في فشل مكافحة الفساد الإداري هذا العام هو الخلافات السياسية الموجودة داخل الحكومة.
في عام ۲۰۱۸م أيضا أسست إدارة تفتيش أخرى من قبل رئيس الجمهورية للإشراف على فعاليات المسؤولين الحكوميين رفيعي المستوى، وحضر وزيرا (عبدالرزاق وحيدري وزيرا الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات) لأول مرة في محكمة علنية، لكن التقارير تقول أن نسبة الفساد الإداري ارتفعت هذا العام. وفقا لتقرير بعثة الأمم المتحدة في أفغانستان (يوناما) التي تقوم بتقييم جهود الحكومة من بداية عام ۲۰۱۷م إلى أبريل من عام ۲۰۱۸م؛ أن الفساد الإداري في أفغانستان يتم بشكل غير إنساني ودون استحياء.
هل كان رئيس الجمهورية ناجحا في مكافحته للفساد الإداري؟
تنشر عدد من المؤسسات الداخلية والأجنبية كمنظمة النزاهة الدولية، ومؤسسة آسيا، وإدارة مكافحة الجرائم والمخدرات التابعة لمنظمة الأمم المتحدة ومراقب النزاهة في أفغانستان، تنشر تقاريرها السنوية حول وضع الفساد الإداري في أفغانستان.
وفقا لتقارير المنظمات المشرفة على مكافحة الفساد؛ فإن الفساد مستشر في قطاعات المعادن، والمؤسسات الأمنية، والمؤسسات العدلية والقضائية، و وزارة الخارجية، والمعارف، والجمارك، والبرلمان، ومؤسسات أخرى في السنوات الأربع الماضية، ولم تؤد إجراءات رئيس الجمهورية إلى إنهاء الفساد في المؤسسات الحكومية. بالإضافة إلى ذلك؛ فإن الرئيس لم يوفق بتنفيذ عدد من وعوده.
وحول ما قام به الرئيس من أعمال؛ فإن تأسيس عدد من المؤسسات لمكافحة الفساد الإداري كان في وقت هناك مؤسسات أخرى تعمل لمكافحة الفساد الإداري؛ مثل الإدارة العليا للتفتيش، والإدارة العليا لمكافحة الفساد الإداري، والإدارة العليا للإشراف على استراتيجية مكافحة الفساد الإداري…
عموما؛ فإن العمل لمكافحة الفساد الإداري كان عند اقتراب موعد المؤتمرات الدولية. على سبيل المثال، كانت إعادة فتح قضية كابل بنك مع اقتراب موعد مؤتمر لندن، كما كان فتح مركز عدلي وقضائي لمكافحة الفساد الإداري مع اقتراب موعد مؤتمر بروكسل…
على كل؛ فإن وجود مؤسسات متعددة لمكافحة الفساد الإداري، وفقدان مؤسسة قوية ذات صلاحية في هذا المجال، وعدم الاستقرار السياسي والأمني في البلاد، وعدم توحيد جهود مكافحة الفساد الإداري؛ كانت من العوامل التي أدت إلى فشل جهود مكافحة الفساد الإداري في هذه الفترة.
نظرا لتقييم مختصر لجهود رئيس الجمهورية في مكافحة الفساد الإداري خلال أربع سنوات؛ أن هناك جهودا بذلت في هذه الفترة، مثل؛ وضع بعض القوانين، وإنشاء بعض المؤسسات لمكافحة الفساد، وخطوات أخرى؛ إلا أن هذه الجهود لم تكن كافية، بل لم تحقق أية إنجازات ملحوظة في هذا المجال.
انتهى