التعدين في أفغانستان بطريقة غير فنية وبشكل اعتباطي
قتل ثلاثون شخصا وجرح خمسة عشر آخرون الأسبوع الماضي في قرية “شبو” بمديرية كوهستان في محافظة بدخشان نتيجة انهيار جدران إحدى الحُفَر على مجموعة من مستخرجي الذهب من الرمل. قال المسؤولون المحليون في بدخشان أن عمق هذه الحفرة كان أكثر من عشرين مترا والتي تم حفرها من قبل سكان المنطقة لغسل الذهب والحصول عليه بطريقة غير فنية.
عدم الاستقرار وضعف الإدارة للحكومة المركزية شجع الناس سيما الأشخاص والمسلحين غير المسؤولين على حفر واستخراج المعادن شخصيا وبطريقة غير فنية مستغلين فقر الناس وحاجتهم في مختلف مناطق البلاد. هذه الحفريات تتم بطريقة شخصية وبدون إجراءات السلامة والأمن للعمال، ما يؤدي في كثير من الحالات إلى مثل هذه الحوادث الخطيرة.
مع أن بعد عام ۲۰۰۱م وإقامة النظام الحالي في أفغانستان كان من المؤمل أن يهتم هذا النظام بالاستخراج القانوني والفني للمناجم، ولكن وبعد مضي ۱۸ عاما وإنفاق مئات الملايين من الدولارات تقول التقارير أن المعادن يتم استخراجها بطريقة غير فنية وبشكل غير قانوني.
مناجم أفغانستان، وطرق استخراجها، وعدم وجود الإجراءات الوقائية عند استخراجها، وماذا يجب على الحكومة الأفغانية أن تقوم به تجاه استخراج المعادن؟ موضوعات نتحدث عنها في هذا التحليل.
المناجم في أفغانستان
مع أن الشعب الأفغاني من أفقر الشعوب في العالم وعشرات من مواطني هذا البلد يقعون ضحايا لإيجاد لقمة العيش بأشكال مختلفة داخل البلاد وخارجها بسبب الفقر والبطالة؛ إلا أن أراضي هذا البلد تعتبر من أغنى الأراضي في المنطقة التي فيها أقسام من المناجم والثروات الطبيعية التي لم تستخرج ولم ينتفع بها حتى الآن.
طبقا لتقرير عام ۱۸۹۰م الذي تم إعداده من قبل علماء الأرض البريطانيين وبعد التحقيقات التي تمت من قبل الروس والأمريكيين والألمان والفرنسيين حول المعادن في أفغانستان فإن هذا البلد غني بمناجم كبيرة من النفط والغاز والفحم الحجري والذهب والفضة ولازورد والنحاس وغيرها.
وطبقا للتحقيقات الخمسية التي إجريت من قبل إدارة علم الأرض الأمريكية من عام ۲۰۰٦م إلى ۲۰۱۰م فإن قيمة المناجم الموجودة في أفغانستان تقدر بتريليون واحد (ألف مليار) دولار. أما الحكومة الأفغانية تقدر قيمة معادن البلاد بثلاثة تريليونات دولار، ويقال أن مواقع المعادن في أفغانستان تصل إلى ۱٤۰۰ موقع.
استخراج المعادن في أفغانستان
مع أن المعادن وثروات باطن الأرض يستفاد منها في دول أخرى لمكافحة الفقر وتوفير الرفاهية للشعب وتدل على الاستقرار الوطني والاقليمي، ومع أن أفغانستان فيه معادن طبيعية غير مستخرجة وغير مستفادة منها؛ إلا أن الحروب الطويلة وعدم الاستقرار السياسي أصبح عائقا أمام الاستفادة الصحيحة من معادن البلاد. واستمر الاستخراج غير القانوني وغير الفني لها لعشرات السنين، وكثيرا ما تحول إلى مقابر جماعية للعمال.
طبقا للمعلومات المقدمة من قبل اللجنة المشتركة المستقلة للرقابة وتقييم مكافحة الفساد الإداري فإن ” قطاع المعادن في أفغانستان تحول إلى مشكلة بدلا من أن يكون فرصة للبلاد، لأن هذا القطاع له علاقة مباشرة بالمخدرات والاضطرابات والجماعات الفوضوية ” ، وقسمت اللجنة في تقرير لها الاستخراج غير القانوني للمناجم في أفغانستان إلى ثمانية أقسام:
۱- استخراج المعادن في المناطق التي تقع خارج سيطرة الحكومة الأفغانية. مع أن عقد الاتفاقيات مثل هذه المعادن يتعلق بوزارة المعادن والبترول؛ إلا أنهم مضطرون إلى دفع الأموال للجماعات المسلحة غير القانونية في المناطق والطرق التي يستخدمها العمال أنفسهم أو يستخدمونها لنقل محاصيلهم.
۲- المعادن التي تقع خارج نطاق سيطرة الحكومة الأفغانية وليس هناك عقد بينهم وبين الحكومة الأفغانية، ويتم استخراجها بشكل كامل تحت إشراف الجماعات المسلحة غير القانونية.
۳- استخراج المعادن التي يسيطر عليها شخصيات سياسية بما فيهم أعضاء البرلمان إما كشركاء أو مالكين لها أو المتحكمين فيها.
٤- استخراج المعادن دون الالتزام بشروط العقد أو المستلزمات القانونية. مثل الاستخراج وفقا لعقد الكشف أو عدم اتباع قواعد السلامة وقواعد الصحة والعمل الواجب اتباعها (OHS) أو مستلزمات التنمية البيئية والاجتماعية.
٥- الاستمرار في استخراج المعادن حتى بعد نهاية عقدها.
٦- استخراج المعادن من قبل الشركات التي تقوم بأعمال بناء البنية التحتية، وتحصل على مواد البناء التي تحتاجها مشاريعها من المعادن دون أن يكون بينها بين تلك المعادن أي عقد.
۷- استخراج المعادن غير مصدق عليها للفترة القانونية التي يجب أن ينتظر حتى نهايتها لبدء تنفيذ العقد.
۸- استخراج المعادن بطريقة غير فنية وفي مساحة صغيرة دون الحصول على الرخصة أو العقد.
استخراج المعادن من دون إجراءات الحماية
عدم وجود إجراءات الحماية أحد الموضوعات التي يتم البحث حوله في استخراج المعادن. أكثر المعادن في أفغانستان تستخرج بطريقة بدائية وغير معيارية من قبل أشخاص غير مسؤولين، ما يأخذ ضحايا من العمال في هذه المعادن.
الأحداث الأخيرة في محافظة بدخشان والتي كانت بسبب الاستخراج من قبل أشخاص غير مسؤولين وبطريقة غير مهنية والتي راح ضحيتها ثلاثون من العمال لم تكن أول حادثة من نوعها؛ ولكن قبلها أيضا قتل عشرات العمال في مثل هذه الحوادث. مثلا في ۱٤ من سبتمبر ۲۰۱۳م قتل ۲۷ شخصا وجرح ۳۰ آخرون نتيجة انهيار منجم للفحم الحجري في منطقة ” آبخورك ” في مديرية ” روي ودوآب ” بولاية سمنجان. كما قتل حوالي ۱٦ عاملا في حادثة أخرى في منجم للفحم الحجري في منطقة ” دهن تور ” في مديرية دره صوف بولاية سمنجان في ۳۰ من أبريل من عام ۲۰۱٤م.
عدم وجود خطة عملية للتعدين بطريقة مهنية وأيضا عدم وجود إجراءات الحماية المهمة في التعدين أدى في السنوات الأخيرة إلى مقتل وجرح عشرات العمال. طبقا للنتائج التي توصلت إليها المؤسسة المدنية لجماعة التحقيق وحماية حقوق الإنسان والتي نشرتها بعد التحقيق حول ستين منجما في محافظات مختلفة في أفغانستان عام ۲۰۱٥م فإن قلة الحقوق المادية وعدم وجود وسائل الإنذار عند الخطر، وعدم وجود ملابس واقية، وعدم وجود فرق الإنقاذ، وعدم وجود الأغذية الصحية، وعدم وجود وسائل النقل المنظمة، ووجود الغبار والأتربة الكثيرة في حقول المعادن، ووجود الغازات السامة، وقلة الأوكسيجين، والضغوط من قبل أصحاب العمل؛ هي من الأمور التي تسبب المشاكل للعمال في حقول المعادن في أفغانستان.
مهمة الحكومة تجاه التعدين
حول التعدين أو كيفية استخراج المعادن في أفغانستان؛ يجب على الحكومة أن تأخذ الأمور الآتية بعين الاعتبار:
منع الاستخراج غير القانوني للمعادن: الاستخراج غير القانوني للمعادن من قبل أصحاب السلطة والجماعات المسلحة غير القانونية هو أحد العوامل المهمة التي زادت من عدم الاهتمام بالوقاية الصحية وحماية عمال المعادن. مع أن أحد العوامل المهمة لاستخراج المعادن بشكل غير قانوني هو عدم وجود الأمن، ولكن يجب منع أصحاب القوة المحليين والشخصيات السياسية والمسؤولين الحكوميين الآخرين من استخراج المعادن بشكل غير قانوني وبطريقة غير مهنية في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة، أو متابعة عملهم على الأقل.
وجود الفساد الإداري: الفساد الإداري وعدم متابعة عمل استخراج المعادن من قبل الحكومة أدى إلى استغلال العمال من قبل أصحاب العمل وحرمان العامل من حقوقه اللازمة. عدم وجود الشفافية في العقود وعدم متابعة عملية الاستخراج بشكل عملي كان من دواعي القلق دائما، ويجب على الحكومة الأفغانية أن تعمل على استراتيجية عملية ومؤثرة لمحو الفساد في وزارت المعادن والبترول حتى تستطيع منع الفساد في هذا القطاع.
عدم القابلية: الحكومة الأفغانية ومع مرور أكثر من ۱۸ عاما تواجه مشكلات كثيرة فيما يتعلق بإدارة المناجم الطبيعية وكيفية إبرام عقود استخراج معادن البلاد. عدم القابلية لإدارة واستخراج المعادن في وزارة المعادن والبترول هو أحد العوامل المهمة المؤدية إلى حرمان أفغانستان من الانتفاع بمناجمها ومواردها تحت الأرضية وغير مستخرجة التي لم يستفد منها بعد في رفاهية الشعب وتنمية البلاد الاقتصادية. كما أن هذا الأمر أتاح الفرصة لاستخراج المعادن من قبل أشخاص غير مسؤولين وبطريقة غير مهنية، يجب على وزارة المعادن والبترول أن تعمل على إعداد القابلية في هذا المجال طبقا للمعايير الدولية.
انتهى