إيران ـ علاقاتها مع طالبان؛ ما هي أهداف إيران؟
إيران من البلاد المجاورة لأفغانستان التي نشِرت تقارير في الإعلام عن علاقاتها مع طالبان عدة مرات منذ فترة طويلة، وإن كانت تنكر علاقتها بطالبان دائما؛ فإنها أيدت أخيرا أن هيئة من حركة طالبان زارت إيران قبل أيام، وبحثت مع المسؤولين الإيرانيين إنهاء الحرب الحالية في أفغانستان.
زیارة إيران من قبل أعضاء من حركة طالبان يأتي في وقت كانت هناك مفاوضات مباشرة بين طالبان وأمريكا حول عملية السلام في أبوظبي، ومع أن الجلسة الثانية كانت من المقرر أن تكون في السعودية؛ لكن تم رفض جلسة المباحثات في السعودية من قبل طالبان بعد زيارة مندوبين من الحركة لإيران، وتعينت الجلسة في قطر، ثم تأخرت جلسة قطر أيضا بعد وقوع الخلاف على طريقة عملها.
ظهور دبلوماسية طالبان السياسية على مستوى المنطقة والعالم، والعلاقات الإيرانية – الطالبانية، وما هي الأهداف التي تريدها إيران من وراء علاقتها بطالبان؟ هذه الأسئلة نحاول الإجابة عنها في هذا التحليل.
علاقات طالبان في المنطقة
إقامة العلاقات مع دول المنطقة سيما دول الجوار لها أهمية بالغة لدى حركة طالبان. لأن هذه العلاقات أوصلت طالبان إلى الحضور في مباحثات على مستوى المنطقة والعالم، ومن جهة أخرى استطاعوا أن يعرفوا أنفسهم للعالم كقوة عسكرية إضافة إلى كونهم حركة سياسية.
المكتب السياسي لحركة طالبان الذي يتواجد فيه ساستها منذ ۲۰۱۰م؛ كان له دور كبير في تنمية علاقات طالبان الدبلوماسية. قامت الحركة عن طريق هذا المكتب بتنمية دبلوماسيتها وتوسيع نطاق علاقاتها مع العالم، واستطاعت تحرير خمسة من اعضاءها من سجن غوانتانامو مقابل جندي أمريكي واحد، كما استطاع تحرير عسكريين من مختلف الدول مثل تاجيكستان وروسيا عن طريق هذا المكتب، كما شاركوا في مؤتمرات دولية مثل باجواش وأخيرا في مؤتمر موسكو، واستطاعوا إيصال صوتهم للعالم، كما استطاعوا إقامة علاقات مع دول مختلفة مثل روسيا والصين وأزبيكستان ودول أخرى، وحاولوا أن يحدوا من قلق هذه الدول بشأنهم. كما حاولت الحركة عن طريق هذا المكتب المقابلة مع مختلف الأطراف والشخصيات الأفغانية ودعوتهم إلى قطر وتبادل الآراء معهم.
إضافة إلى ذلك يبدو أن حركة طالبان استطاعت في السنوات الأخيرة إخراج نفسها من حصر الدولة الوحيدة (باكستان) إلى حد كبير وتوسعت علاقاتها إلى حد تستطيع رفع حاجاتها عن طريق دول مختلفة.
طهران – علاقات طالبان
لم تقل إيران شيئا بشأن طالبان في بداية ظهورها في أفغانستان، ولكن عندما سيطرت الحركة على هراة المحافظة المحاذية لإيران؛ فإنها اعتبرت وجودها في هذه المنطقة خطرا على نفسها ولأول مرة اعتبرتها صناعة باكستانية وسعودية وأمريكية. كما أن مع دخول طالبان إلى كابل اعتبرهم وزير الخارجية الإيراني “علي أكبر ولايتي” متردين وقال: ” طالبان لا تستطيع أن تسبب أية مشكلة لحكومة برهان الدين رباني، وقال أن الحكومة المشروعة الوحيدة في أفغانستان لدى إيران هي حكومة برهان الدين رباني ” .
أغلقت طالبان السفارة الإيرانية في كابل في الثاني من يناير ۱۹۹۷م، وأعطت لمؤظفيها مهلة ٤۸ ساعة للخروج من أفغانستان. وبعد السيطرة على مزار عام ۱۹۹۸م قتلوا عشرة دبلوماسيين والإعلاميين الإيرانيين بتهمة التجسس الأمر الذي سبب غضب الإيرانيين الشديد.
إن العلاقات الإيرانية مع الإمارة الإسلامية لم تصبح طبيعية منذ سيطرة طالبان على كابل، ووقفت إيران طيلة هذه الفترة بجانب المعارضين لطالبان ولم تعترف بالإمارة الإسلامية حتى النهاية.
وقفت إيران سرا بجانب أمريكا في هجومها على أفغانستان عام ۲۰۰۱م، ولكن اشتد الخلاف بين إيران وأمريكا بعد سنوات واعتبرت إيران الحضور الأمريكي خطرا على نفسها، وتبدو أن إيران بمساندة الروسيا دولة منافسة لأمريكا في المنطقة، بدأت بتوطيد علاقاتها مع طالبان.
كثر الكلام حول علاقات إيران مع طالبان لأول مرة عندما نشرت بعض وسائل الإعلام تقارير عن زيارة أعضاء من حركة طالبان لإيران برئاسة طيب آغا في ۱۷ من أبريل عام ۲۰۱٥م، إلا أن هذه التقارير تم إنكارها من قبل وزاراة الخارجية الإيرانية. كما أن مقتل الملا أختر محمد منصور في منطقة باكستانية قريبة من الحدود الإيرانية، هو الأمر الذي أزاح الستار عن وجود علاقات بين إيران وطالبان.
إضافة إلى ذلك، فإن بعض المسؤولين المحليين في الحكومة الأفغانية سيما في المناطق الغربية تحدثوا عن المساعدات الإيرانية المالية والعسكرية مع طالبان، إلا أن إيران لم تقبل مثل هذه التصريحات، والحكومة الأفغانية لم تخطُ أي خطوة للتحقيق في هذا الموضوع. وكشف مستشار وزارة الخارجية الأمريكية لإيران برايان هوك لوسائل الإعلام في الآونة الأخيرة عن أنواع من الأسلحة الثقيلة والخفيفة التي قدمتها إيران إلى طالبان. قال هوك لوسائل الإعلام: أن إيران تقدم مساعدات عسكرية إلى طالبان منذ عام ۲۰۱۷م.
مع كل هذا؛ اعترفت إيران أخيرا وبشكل رسمي أن هيئة من حركة طالبان زارت إيران في ۳۰ ديسمبر ۲۰۱۸م وتحدثت مع مساعد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، أما إيران فإنها تعتبر علاقاتها مع طالبان من أجل إحلال السلام في أفغانستان.
لماذا تحتفظ إيران بعلاقاتها مع طالبان؟
ما هي الأهداف التي تريد إيران تحقيقها من إقامة العلاقات مع طالبان؟ الدولة التي طالما خالفت نظام طالبان مخالفة شديدة، هناك نقاط يجب أخذها بعين الاعتبار في هذا الشأن:
الحفاظ على الأمن القومي الإيراني: ظهور تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في أفغانستان واتساع رقعة فعالياته إلى دول الجوار؛ يسبب القلق لإيران بالإضافة إلى الدول الأخرى في المنطقة. هناك شكوك على أمريكا والدول المتحالفة معها حول ما إذا كان تنظيم الدولة مشروعا لها، والقصد منها إيجاد القلاقل والحروب في المنطقة. نظرا لذلك يبدو أن إيران تشك في الجهود التي تبذلها الحكومة الأفغانية في مكافحتها لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، لذا فإنها تقيم علاقات مباشرة مع طالبان للتخفيف من التهديدات الأمنية التي تواجهها.
الضغط على أمريكا والحكومة الأفغانية: إن أمريكا دولة مخالفة للنظام الإيراني الحالي أكثر من أي بلد آخر، وبعد إعلان انسحابها من الاتفاق النووي مع إيران، تحاول الضغط على هذا النظام بازدياد أنواع من العقوبات عليه. لذا فإن إيران تحاول بتوطيد علاقاتها مع طالبان تعريض المصالح الأمريكية في أفغانستان إلى خطر وتحاول مواجهة ضغوطها بالضغط المضاد.
في جانب آخر، تحاول إيران الضغط على الحكومة الأفغانية أيضا بالطريقة نفسها. هناك جدل في الوقت الحاضر بشأن موضوع تقسيم مياه نهر “هريرود” بين افغانستان وإيران. تريد الحكومة الأفغانية إدارة مياهها حسب المصالح الوطنية، لكن هذا الأمر ربما يسبب خطرا على إيران كما يراه الإيرانيون.
المشاركة في عملية السلام الأفغانية: وصلت عملية السلام في أفغانستان إلى مرحلتها المهمة والصعبة، ويبدو أن أمريكا تريد حقا هذه المرة إنهاء الحرب عن طريق الحوار. هناك عدد من الدول تلعب دورا في مفاوضات السلام الجارية، وإيران كذلك تحاول إظهار نفوذه السياسي بإقامتها علاقات مباشرة مع طالبان وإيجاد دور لها في هذه العملية، كما تريد أيضا تحسين علاقاتها مع طالبان لتحقيق مصالحها المستقبلية مع الحركة.
انتهى