مأزق السلام الأفغاني والضغوط الإقليمية على طالبان

 

هناك محاولات تقودها الولايات المتحدة منذ أشهر لإنهاء الحرب الجارية في أفغانستان. حركة طالبان والولايات المتحدة تفاوضا معا ثلاث مرات بشكل مباشر في هذه الفترة؛ لكن هذه المفاضات توقفت بعد جلسة أبوظبي، ويبدو أن هناك موانع تقف دون استمرار هذه المفاوضات.

قيل بعد جلسة أبوظبي أن الطرفين سيجلسان في السعودية مستقبلا، ولكن تعين بعد ذلك أن يجلسا في قطر، وكما يبدو لم تتم الجلسة في قطر أيضا بسبب الاختلاف على خطة عمل هذه الجلسة.

السبب الأساسي المؤدي إلى إلغاء هذه الجلسة وإيقاف مفاوضات السلام الجارية هو الاختلافات الموجودة بين بعض الدول، وتأتي الزيارات الأخيرة لمستشار الأمن القومي الأفغاني حمد الله محب وزلمي خليل‌زاد ممثل الولايات المتحدة الخاص للسلام في أفغانستان لبعض دول المنطقة لإنهاء هذه الخلافات.

لماذا توقف الحوار بين طالبان والولايات المتحدة حول السلام في أفغاستان؟ وهل تؤدي ضغوط دول المنطقة على طالبان إلى بدء هذا الحوار من جديد؟ هي أسئلة نحاول الإجابة عنها في هذا التحليل.

 

لماذا تأجلت مفاوضات السلام؟

بعد أن بدأت المفاوضات المباشرة بين طالبان وأمريكا، فإنه ينظر إليها على أنها بصيص أمل يمكن أن تؤدي إلى إنهاء الحرب الطويلة في أفغانستان. استمرار هذه المفاوضات وثلاث حوارات بين مندوبين من حركة طالبان وممثلي الولايات المتحدة، والإفراج عن بعض قادة طالبان من السجون الباكستانية، ومشاركة قادة طالبان العسكريين سيما أعضاء من شبكة حقاني في مفاوضات السلام؛ كل هذه الأمور تجعل الشعب الأفغاني يؤمل أن تحقق هذه المفاوضات النتيجة المرجوة وتؤدي إلى أنهاء الحرب الجارية.

بعد ثلاث جلسات في سلسلة مباحثات مباشرة بين طالبان والولايات المتحدة؛ ألغيت الجلسلة الرابعة التي كان من المقرر أن تكون في قطر، وكما يبدو كان سبب إلغاءها هو وجود الخلافات بين الطرفين على خطة عمل هذه الجلسة، ولكن هناك أسباب أخرى غير هذا السبب قد يكون لها دور في إلغاءها أيضا:

الأول: كان خروج الأمركيين من أفغانستان منذ البداية هو أهم وأكبر شرط لطالبان في مفاوضات السلام. وقد تم التشديد من قبل طالبان على خروج الأمريكيين من أفغانستان في جلسة المباحثات الأخيرة أيضا؛ لكن يبدو أن الأمريكيين لايريدون الخروج من أفغانستان بشكل كامل، ويريدون إبقاء بعض جنودهم في المنطقة، ولذلك يبذلون قصارى جهدهم في هذه المفاوضات لإقناع طالبان على قبول قاعدة أو قاعدتين عسكريتين لهم في أفغانستان.

الثاني: رفض طالبان الحوار مع حكومة كابل أيضا هو الآخر عقبة كبيرة أمام المفاوضات الجارية. تريد الحكومة التفاوض مع طالبان بشكل مباشر، لكن الحركة رفضت التفاوض مع الحكومة حتى الآن. تنصب جهود الحكومة الأفغانية والولايات المتحدة الآن على الضغط على طالبان عن طريق الدول الأخرى لقبول التفاوض مع الحكومة الأفغانية.

الثالث: وهناك أسباب أخرى تقع عقبة أمام المفاوضات الجارية تعود إلى طالبان أنفسهم، مثلا الخلافات الموجودة بين دولتي السعودية وقطر تحد من قدرة طالبان على المشاركة في المفاوضات، الأمر الذي يحد من قدرة طالبان على اتخاذ قرار بشأن المفاوضات الجارية. تضطر الحركة أن تأخذ بعين الاعتبار مطالب جميع الأطراف التي ساعدتها خلال ثمانية عشر عاما الماضية وكانت بينها وبين الحركة علاقات بشكل من الأشكال.

 

ضغوط دول المنطقة على طالبان

بعد توقف مفاوضات السلام الأفغانية؛ بدأت الحكومة الأفغانية وزلمي خليل‌زاد ممثل الولايات المتحدة الخاص للسلام في أفغانستان زياراتهما إلى الدول التي لها دور بارز في المنطقة، كما يمكن أن يعول على تعاون هذه الدول في العمل على إنهاء الحرب الجارية في أفغانستان.

زلمي خليل‌زاد وفي زيارته الرابعة سافر إلى الهند وباكستان بالإضافة إلى الصين، كما زار مستشار الأمن القومي الأفغاني حمدالله محب الصين والهند والسعودية، وإن كلا من حمدالله محب وزلمي خليل‌زاد يعملان على إقناع هذه الدول لبذل جهودها والتعاون مع الحكومة الأفغانية لإقناع طالبان على التفاوض مع الحكومة لإنهاء الحرب الجارية في البلاد.

الصين هي الدولة التي تعتمد سياستها في المنطقة على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، ولكن تحاول تنمية نفوذها عن طريق سياستها وخططها الاقتصادية. يستطيع هذا البلد التعاون مع عملية السلام الأفغانية عن طريق العمل على تحسين العلاقات بين كابل وإسلام آباد؛ لأن الصين تريد الأمن والاسقرار الدائمين في أفغانستان من أجل مصالحها الطويلة الأمد.

المملكة العربية السعودية تتمتع بمكانة عالية في العالم العربي من جهة، ومن جهة أخرى أعلنت أخيرا عن إعطائها باكستان مليارات الدولارات؛ لذلك تستطيع الضغط على طالبان عن طريق باكستان للتفاوض مع الحكومة الأفغانية. كما أن باكستان تتمتع بالنفوذ الأكبر على طالبان أكثر من أي دولة أخرى، ويقال أن أكثر مراكز وقواعد طالبان تقع في هذا البلد. ولذلك يعول دائما على التعاون الباكستاني في إنجاح عملية السلام في أفغانستان. الضغوط الأمريكية على طالبان بشأن السلام في أفغانستان مستمرة منذ فترة طويلة، وكما يبدو فإن باكستان بدأت العمل على إقناع طالبان بالجلوس مع الحكومة الأفغانية تحت هذه الضغوط. وذكرت التقارير الأسبوع الماضي أن الجنود الباكستانيين ألقوا القبض على أحد قادة طالبان رفيع المستوى في منطقة خيبربختونخوا القبلية، إلا أنهم أفرجوا عنه بعد ساعات قليلة.

 

هل تستطيع ضغوط دول المنطقة إجبار طالبان على قبول مفاوضات السلام؟

حول الضغوط الأمريكية والأفغانية على حركة طالبان فإن الحركة نشرت الأسبوع الماضي بيانا هددت فيه أن الأمريكيين إذا لم يغيروا خطتهم بشأن عملية السلام في أفغانستان وإذا لم يعودوا مرة أخرى إلى الخطة التي تم الاتفاق عليها من قبل؛ فإن الحركة ستوقف معهم جميع أنواع الحوار والتفاوض.

قالت الحركة أن الأمريكيين وافقوا في جلسة نوفمبر على أن يكون موضوع التفاوض في الجلسة القادمة هو خروج القوات الأجنبية من أفغانستان وعدم استخدام الأراضي الأفغانية ضد الدول الأخرى؛ لكنهم الآن يعرضون عن تنفيذ ما تم الاتفاق عليه ويدرجون في الخطة موضوعات جديدة. وقد جاء في بيان الحركة أيضا: «إذا شارك الأمريكيون في المفاوضات بحسن النية وقبلوا المطالب المشروعة للشعب الأفغاني؛ فإنه يمكن حل القضية في هذه الحالة، ولكن إذا تهربوا من قبول مطالب الشعب الأفغاني المشروعة، واستمروا في جهودهم للوصول إلى أغراضهم السياسية عن طريق استخدام القوة العسكرية، أو حاولوا الضغط على الحركة عن طريق الدول الأخرى؛ فإن هذا يدل على عدم وجود الإرادة لديهم لإيجاد حل سلمي للأزمة في أفغانستان».

يظهر من بيان المنتشر من قبل طالبان أن عملية السلام الجديدة تواجه الخطر بسبب ازدياد ضغوط دول المنطقة على الحركة في التفاوض بين طالبان والولايات المتحدة.

قالت وكالة رويترز للأنباء الأسبوع الماضي أن الخلاف على مكان إجراء المفاوضات هو أحد العوامل المهمة  المؤدية إلى توقف مفاوضات السلام الأفغانية، وسبب هذا الخلاف هو المشكلات الموجودة بين عدد من دول المنطقة. وفقا لرويترز فإن السعودية والإمارات العربية المتحدة لا توافقان على أن يتم إجراء المفاوضات في دولة قطر، بينما لا توافق إيران على السعودية والإمارات العربية المتحدة مكانا لإجراء المفاوضات.

يبدو أن العلاقات المتدهورة بين الدول الدخيلة في عملية السلام هي قضية مهمة تستطيع إنجاح هذه العملية أو إفشالها. وفي مثل هذا الوضع يجب على أمريكا والحكومة الأفغانية الاحتفاظ بهذه العملية بعيدا عن خلافات دول المنطقة فيما بينها متأثرا بعلاقاتهم المتدهورة، كما يجب إيجاد إجماع بين دول المنطقة لبدء الحوار من جديد وإنجاح عملية السلام.

انتهى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *