جوانب غامضة في قضية السلام الأفغاني
في خطابه السنوي أمام الكونغرس الأمريكي، الأسبوع الماضي (6 فبراير 2019)، أكد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن إدارته تجري محادثات متسارعة مع حركة طالبان وغيرها من الجماعات في أفغانستان من أجل تسوية سياسية، وأنها ستتمكن من خفض القوات الأمريكية هناك والتركيز على مكافحة الإرهاب إذا حققت تقدما في المحادثات.
وقال الرئيس الأمريكي أثناء مقابلة مع شبكة سي بي إس في 3 فبراير 2019، إن الاستخبارات الأمريكية ستبقى في أفغانستان بعد انسحاب القوات الأمريكية من البلاد. إلا أن مجلس الشيوخ الأمريكي يعارض قرار ترامب سحب القوات الأمريكية من أفغانستان. وفي غضون ذلك، يبدو أن الرئيس الأفغاني أشرف غني كذلك غير راض عن قرار ترامب بالانسحاب الكامل من أفغانستان، وأرسل رسالة إلى الرئيس ترامب بعد الجولة الرابعة من مباحثات السلام بين أمريكا وطالبان في العاصمة القطرية الدوحة، وطلب منه عدم سحب جميع القوات الأمريكية من أفغانستان واقترح خفض التكاليف بالنسبة للولايات المتحدة.
على الرغم من الآمال الكثيرة في تحقيق السلام في أفغانستان بعد التطورات الأخيرة في المحادثات، هناك غموض في سحب القوات الأمريكية من أفغانستان، والمحادثات بين الحكومة الأفغانية وطالبان، وكيفية النظام المستقبلي. هي القضايا التي نناقشها في هذا التحليل.
محادثات السلام بين أمريكا وطالبان
أجريت محادثات السلام بين ممثلي الولايات المتحدة وطالبان مباشرة خلال الأشهر الأربعة الماضية عدة مرات. مع أن بعد الاجتماع الثالث في أبوظبي تم تأجيل المفاوضات لفترة قصيرة بسبب الخلاف على أجندة التفاوض في الاجتماع الرابع، إلا أن المحادثات بدأت مرة أخرى وناقش الجانبان قضايا مختلفة بشأن السلام الأفغاني في الدوحة استمرت لمدة ستة أيام.
وكان من المتوقع أن يصدر الجانبان بيانا مشتركا حول تطورات المحادثات بعد الجولة الرابعة؛ لأن بعض وسائل الإعلام تحدثت عن العديد من الاتفاقات خلال المحادثات، بما فيها الجدول الزمني لسحب القوات الأمريكية من أفغانستان، وتبادل الأسرى، ووقف إطلاق النار، والحكومة المؤقتة، وتمهيد الطريق للمحادثات بين الحكومة الأفغانية وطالبان، ومنع استخدام أفغانستان قاعدة ضد دول أخرى بعد انسحاب القوات الأجنبية من البلاد.
بعد انتهاء الجولة الرابعة من المفاوضات أعرب زلمي خليلزاد عن رضاه من المحادثات التي أجراها الجانبان في العاصمة القطرية الدوحة، وقال في تغريدة: “كانت مفاوضات ستة أيام مع طالبان أكثر إنتاجية مما كانت في الماضي، وقد حققنا تقدما لافتا للنظر حول القضايا المهمة، ولكننا لم نتوصل إلى أي اتفاق نهائي حتى الآن”. من جانبه أعلنت حركة طالبان في بيان لها: “تم مناقشة الانسحاب الأمريكي من أفغانستان فضلا عن قضايا مهمة أخرى في هذه الجولة من المفاوضات وتم إحراز التقدم حول هذه القضايا”.
مع كل هذا، السلام الأفغاني لا يزال يواجه نوعا من الغموض في بعض القضايا المهمة؛ لأن المفاوضات تجري خلف أبواب مغلقة ولا تنتشر تفاصيلها. وعلى وجه الخصوص، فمعارضة الحكومة الأفغانية للعملية ومستقبل العلاقات الأمريكية الأفغانية قضية أثارت مخاوف بشأن مصير عملية السلام.
جوانب غامضة في المفاوضات
في بلد مزقته الحرب مثل أفغانستان، كل خطوة نحو السلام تثير آمال في الشعب، والشعب الأفغاني متفائل بشأن مفاوضات مباشرة بين الولايات المتحدة وطالبان، ويتوقع أن المحادثات ستؤدي إلى إنهاء الحرب الدامية في البلاد، ولكن هناك بعض الغموض في العملية نذكر بعضها في ما يلي:
أولا: إن وجود القوات الأجنبية في أفغانستان هو أحد العقبات الرئيسية أمام تحقيق السلام في البلاد، وهي قضية رئيسية في المفاوضات الجارية ولم يتم اتخاذ أي قرار بشأنها حتى الآن. ولكن خطاب الرئيس الأمريكي السنوي أمام الكونغرس ومقابلته مع شبكة سي بي إس الأمريكية يدل على أن الولايات المتحدة ستسحب قواتها من أفغانستان، إلا أن معارضة مجلس الشيوخ الأمريكي لهذا القرار، وكذلك هذا الجزء من تصريحات الرئيس ترامب «أنه إذا قام بسحب قواته من أفغانستان، فسيتم التركيز على الوجود الاستخباراتي في البلاد» نقاط الغموض بشأن وجود القوات الأجنبية في أفغانستان.
ثانيا: يرى بعض المحللين المحادثات الجارية بين أمريكا وطالبان كصفقة بين أمريكا وباكستان، ولكن الأسئلة التي تطرح نفسها هي لماذا تتعاون باكستان مع السلام الأفغاني بعد عقود؟ ما هي فوائد باكستان؟ ما الذي أعطيت لباكستان للتعاون في العملية؟ وإذا كانت صفقة مع باكستان، أنها مجرد صفقة بين أمريكا وباكستان، أم هي متعلقة بالقضية الأفغانية؟ طرحت هذه الأسئلة لأن الرئيس الأفغاني أشار إلى معاهدة “غندومك” التاريخية في خطابه للشعب الأفغاني وأكد على أنه «لا الأم أنجبت ولدا، يجبرني على توقيع مثل معاهدة غندومك».
ثالثا: لدى الحكومة الأفغانية وحركة طالبان مواقف ضد بعضهما البعض حيال عملية السلام. لقد صرحت طالبان مرارا وتكرارا أنها لن تتحدث إلا مع الولايات المتحدة بدلا من الحكومة الأفغانية، والحكومة لا تقبل أي محادثات سلام بدون سيادتها. السؤال الذي يطرح نفسه هو أن اتفاق حول مستقبل القضية الأفغانية سيكون بين الولايات المتحدة وحركة طالبان فقط، أم سيكون بمشاركة الحكومة؟ أو بعبارة أخرى، إن القرار النهائي سيكون بين الأمريكيين والأفغان أم سيكون بين الأفغان فقط؟ هذه قضية تهدد اتفاقية السلام المحتملة، لأنه إذا كانت أمريكا تدعم الحكومة الأفغانية، فإن طالبان قد تنسحب من المفاوضات؛ أما إذا لا تدعم موقف الحكومة، فستتدهور العلاقات بين كابل وواشنطن.
رابعا: حركة طالبان تريد إصلاح الدستور والنظام الحالي، فإن الغموض هو أن النظام المستقبلي سيكون نحو يرضي طالبان (مثل النظام الحالي في إيران المتأثر بالقادة الدينيين) أم سيكون نوع النظام الذي يمكن فيه نقل السلطة السياسية من خلال وسائل الديمقراطية مثل الانتخابات.
النتيجة
إن انسحاب القوات الأجنبية من أفغانستان هو القضية الأكثر أهمية في محادثات السلام بين الولايات المتحدة وطالبان وهو أيضا خط أحمر لطالبان، لكن تعليقات ترامب الأخيرة تشير إلى أنهم يبحثون عن سبيل للبقاء في أفغانستان. يبدو أن الولايات المتحدة تريد سحب معظم قواتها من أفغانستان، لكنها تريد ترك بعضها في البلاد لأغراض استخباراتية كما قال الرئيس ترامب في مقابلته مع شبكة سي بي إس، وعليه تحاول الولايات المتحدة قبول ذلك من قبل طالبان، حتى يمكن لها إيجاد موطئ قدم في أفغانستان.
من ناحية أخرى، قد رفضت حركة طالبان إجراء أي محادثات سلام مع الحكومة الأفغانية، وعليه لم يحضر ممثلو الحكومة اجتماع مسكو الأسبوع الماضي. وقد ناقش ممثلو طالبان وسياسيون أفغان بارزون قضايا مختلفة في اجتماع مسكو، لذا يعتبر الاجتماع أول خطوة مهمة نحو التفاهم بينالأفغان. ولكن الرئيس الأفغاني صرح في مقابلة مع شبكة “طلوع نيوز” أنه لا يوجد لدى أي جهة سلطة تنفيذية لتنفيذ اتفاقية السلام سوى الحكومة، فإنها مشكلة تحتاج حلها إلى وقت طويل.
ومع ذلك، فمن المتوقع أنه إذا توصلت الولايات المتحدة وطالبان إلى اتفاق نهائي لإنهاء الحرب الدائرة، فمن الممكن حل مأزق المفاوضات بين الحكومة وطالبان من قبل القادة السياسيين الذين شاركوا في اجتماع مسكو.
النهاية