ارتفاع عدد الضحايا المدنيين الأفغان بفعل الهجمات الجوية

 

تظاهر مئات من سكان محافظة وردك الأسبوع الماضي في كابل للتنديد بالهجمات الجوية والعمليات الليلة التي تشنها القوات المشتركة الأفغانية والأجنبية على مديرية “جلغه” بهذه الولاية (وردك). أدان المتظاهرون مقتل المدنيين في العمليات الأخيرة للقوات المشتركة في مديرية جلغه وهددوا بقطع طريق كابل – قندهار إن لم توقف الحكومة هذه الهجمات العمياء.

قتل وجرح قبل أيام أكثر من عشرين مدنيا بينهم نساء وأطفال في قرى دراني، وبابك، وشورتوغي، وتشوتو من مديرية جلغه بمحافظة وردك بفعل القصف الجوي للقوات المشتركة الأفغانية والأجنبية. تم استهداف مسجد ومدرسة في هذه الهجمات للقوات المشتركة إضافة إلى القصف الجوي على بيوت الأهالي.

أدت الهجمات الجوية للقوات المشتركة الأفغانية والأجنبية وعملياتها الليلية أخيرا إلى وقوع ضحايا كثيرة في صفوف المدنيين. يقول مكتب النيابة العامة لمنظمة الأمم المتحدة في أفغانستان في تقريره الأخير حول الضحايا في صفوف المدنيين أن الإحصائيات تشير إلى أن الخسائر في صفوف المدنيين بفعل الهجمات الجوية عام ۲۰۱۸م ارتفعت بالنسبة للعام الماضي.

ارتفاع عدد الضحايا المدنيين، والهجمات الجوية على أماكن مذهبية المأهولة بالسكان، وتداعيات مثل هذه الأحداث؛ هي موضوعات نتطرق إليها في هذا التحليل.

 

ارتفاع عدد الضحايا المدنيين

اتسعت رقعة الحرب بعد تشكيل حكومة الوحدة الوطنية في أفغانستان، وأصبح الوضع الأمني للبلاد أكثر اضطرابا سنة بعد سنة، ومع اشتداد أوار الحرب وازدياد هجمات المعارضة المسلحة؛ ازداد القصف الجوي للقوات الأفغانية والأجنبية، وأدت إلى وقوع ضحايا كثيرة في صفوف المدنيين في كثير من الأحيان.

طبقا للتقرير السنوي لمؤسسة يوناما والذي تم نشره الأسبوع الماضي؛ شوهد ارتفاع ملحوظ في عدد الضحايا من المدنيين بفعل الهجمات الجوية للقوات الأفغانية والأجنبية عام ۲۰۱۸م. وارتفعت نسبة الخسائر بنسبة ٦۰% من العام ۲۰۱۷م، كما ارتفع عدد القتلى المدنيين نتيجة للهجمات الجوية بنسبة ۸۲% من العام الماضي. جاء في التقرير الأخير لمؤسسة يوناما أن حوالي ۱۰۹۹۳ مدنيا سقطوا بين قتيل وجريح في الحرب الأفغانية عام ۲۰۱۸م (۳۸۰٤ قتيلا و۷۱۸۹ جريحا). تشير الإحصائيات عن خسائر المدنيين عام ۲۰۱۸م إلى ارتفاع ٥% بالنسبة لعام ۲۰۱۷م، لأن عدد الضحايا المدنيين في هذا العام كان ۱۰٤٥۳.

نُسِبَ القسم الأكبر من الضحايا المدنيين في هذا التقرير (٦۰%) إلى المخالفين للحكومة الأفغانية (طالبان ۳۷%، الدولة الإسلامية – داعش ۲۰%، بقية الجماعات المسلحة ٦%)، كما نُسِبَ ۲٤% من الضحايا المدنيين إل القوات المؤيدة للحكومة الأفغانية (القوات الأفغانية ۱٤%، القوات الأجنبية ٦%، والجماعات المسلحة الأخرى ٤%).

 

الهجمات الجوية على أماكن مذهبية والمأهولة بالسكان

بعد الإعلان عن استراتيجية الولايات المتحدة الجديدة لأفغانستان وجنوب آسيا؛ فإن الهجمات الجوية للقوات المشتركة الأفغانية والأجنبية ازدادت بشكل ملحوظ، إلا أن هذه الهجمات أدت إلى مقتل المدنيين الأفغان، واستهدفت في كثير من الأحيان المدارس الدينية والمساجد وبيوت الأهالي بدلا من أن تستهدف المعارضة المسلحة.

الهجوم الجوي الذي وقع في أبريل ۲۰۱۸م في محافظة كندز على مدرسة دينية عندما كان الطلاب وبينهم أطفال يحتفلون بإتمامهم حفظ القرآن الكريم، قُتِل وجُرِح في هذا الحفل بفعل الهجوم الجوي للقوات الأفغانية أكثر من مائة مدني بينهم أطفال. مع أن الحكومة الأفغانية ادعت أن المشاركين في هذا الحفل هم من قادة حركة طالبان؛ إلا أن الحركة وهيئات التحقيق رفضت ادعاءات الحكومة.

تقول التقارير أن القوات الأمريكية أحرقت مدرسة (حميد المدارس) الدينية والتاريخية في محافظة كابيسا في ۱۹ فبراير ۲۰۱۹م، كما دمروا منزلين سكنيين باستخدام مواد متفجرة، كما تم تدمير مدرسة أخرى بواسطة المتفجرات في محافظة لوجر في هجوم للقوات المشتركة الأفغانية والأجنبية.

بالإضافة إلى تدمير المدارس في محافظتي كابيسا ولوجر؛ فإن القوات المشتركة الأفغانية والأجنبية دمرت بيتا ومسجدا ومدرسة دينية في مديرية جلغه بمحافظة وردك، وقتلت وجرحت أكثر من عشرين شخصا بينهم نساء وأطفال.

ازدادت الهجمات الجوية والعمليات الليلية للقوات المشتركة عامة، سيما استهداف المناطق المدنية مثل المدارس والمساجد في الآونة الأخيرة بشكل غير مسبوق من قبل القوات المشتركة الأفغانية والأجنبية. مع أن بعض السياسيين وأعضاء البرلمان طالبوا بوقف العمليات الليلية وقتل المدنيين؛ إلا أن هذه العمليات لم تَقِل حتى الآن.

 

تداعيات الهجمات الجوية بشكل عشوائي

تم استهداف بيوت المدنيين والمساجد والمدارس تحت مسمى مكافحة الإرهاب خلال ۱۸ عاما الماضية من الحرب الأفغانية الجارية، وغمضت الحكومة عينها في كل مرة عن قتل النساء والأطفال الأبرياء بحجة أن القصف وقع خطأ، ولم تتخذ أي قرار بشأن مرتكبي مثل هذه الجرائم أو تعقيبهم قضائيا. وهذا الوضع له تداعياته وتأثيره بلاشك على رؤية الشعب في الذين يقومون بمثل هذه الممارسات:

الأول: استمرار الهجمات على المدنيين يؤدي إلى التباعد بين الحكومة والشعب. في مثل هذا الوضع لن يبق الشعب مكتوفي الأيدي، وسيبدون غضبهم ردا على الظلم الذي يمارَسُ ضدهم ويبحثون عن خيارات أخرى للإنقاذ بأنفسهم من هذا الوضع.

الثاني: قتل المدنيين الأبرياء عموما، وقصف المناطق الشعبية المأهولة بالسكان يثير الانزجار وردة فعل شعبي ضد مرتكبي هذه الحوادث ويلعب دورا كبيرا في استمرار الحرب في البلاد.

الثالث: تكثفت الجهود للتوصل إلى السلام في الأشهر الأخيرة أكثر من أي وقت، وقويت الآمال تبعا لذلك. في مثل هذا الوضع فإن تدمير المساجد والمدارس الدينية من قبل القوات المشتركة الأفغانية والأجنبية يلحق ضررا كبيرا بعملية السلام، ويثير شعور الانتقام لدى الشعب، ويولد الرؤى العدائية، ويجعل الطرف الآخر يشدد على شروطه أكثر من الماضي.

 

النتائج

بدأت المفاوضات المباشرة بين الأمريكيين وطالبان منذ أشهر، وكانت آخر جلساتهم الأسبوع الماضي في قطر وللمرة الخامسة، ويؤمل أن تنتهي هذه الحرب قريبا.

الحكومة الأفغانية لايُسمح لها بالمشاركة في المفاوضات المباشرة بين أمريكا وطالبان، فإن طالبان هم الذين يرفضون مشاركة الحكومة الأفغانية في هذه المفاوضات، لذلك يُعتقَدُ أن الحكومة تريد بتكثيفها من هجماتها الجوية وعملياتها الليلية الضغط على طالبان حتى يوافقوا على الجلوس مع الحكومة على طاولة المفاوضات، ولكن تبين خلال ۱۸ سنة الماضية أن الضغوط العسكرية كانت تجربة فاشلة ولايمكن أن تحصل الحكومة بها على أي مكسب.

طريقة المواجهة بين الطرفين في أفغانستان منذ ۱۸ عاما وعدم الالتزام بقوانين الحرب أدت إلى ارتفاع عدد الضحايا بين المدنيين. قتل الأطفال والنساء واستهداف المدنيين الأبرياء عموما؛ كل ذلك ينافي المعايير الإسلامية والإنسانية. مع أن آلافا من المدنيين يسقطون بين قتيل وجريح منذ ۱۸ عاما من الحرب في أفغانستان؛ إلا أن الحكومة الأفغانية والمجتمع الدولي لم يبديا أي ردة فعل تجاه هذه المذابح طيلة هذه الفترة.

مع كل ذلك؛ بشأن الهجمات الوحشية الأخيرة يجب على حكومة الوحدة الوطنية أن تخرج من صمتها والاكتفاء بالإدانة التي لاتغير شيئا، وتتابع مركتبي هذه الجرائم وتعاقبهم. بالإضافة إلى ذلك؛ تجب متابعة الأسباب المؤدية إلى وقوع هذه الجرائم حتى لا تتكرر مثل هذه الهجمات الوحشية في المستقبل، وإلا؛ فإن نتيجة تعاطي الحكومة مع مثل هذه الحوادث بهذه الطريقة ستؤدي إلى تقوية موقف المعارضة المسلحة.

انتهى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *