المشكلة بين باكستان والهند وتأثيرها على المنطقة
في الرابع عشر من فبراير من العام ۲۰۱۹م الجاري وقع هجوم بسيارة مفخخة على القوات الهندية في الجزء الهندي من كشمير، وقتل فيه حوالي ٤٥ شخصا. ألقت الهند مسؤولية هذا الهجوم على الاستخبارات الباكستانية وهدد بالانتقام من باكستان.
بعد هذه التهديدات الهندية طلبت باكستان من منظمة الأمم المتحدة أن تلعب دورها في التخفيف من حدة هذه المشكلة؛ إلا أن القوات الجوية الهندية قصفت الثلاثاء الماضي (۲٦ فبراير ۲۰۱۹م) منطقة بالاكوت في بختونخوا الباكستانية وقالت أنها استهدفت مراكز لحركة جيش محمد المسلحة.[1] ()
بعد يوم من هذا الهجوم (۲۷ فبراير ۲۰۱۹م) حدثت مشكلة جوية بين باكستان والهند. باكستان تتحدث عن إسقاطها طائرتين هنديتين والقبض على طيار هندي، ولكن الهند تتحدث عن إسقاطها لطائرة باكستانية وأخرى هندية سقطت بنفسها.
العلاقات المتوترة بين البلدين النوويين باكستان والهند، والمشكلة الجديدة بين البلدين وتأثيرها على المنطقة؛ موضوعات نتطرق إليها في هذا التحليل.
العلاقات المتوترة بين باكستان والهند
بعد تقسيم الهند وتشكيل باكستان سنة ۱۹٤۷م وقعت بينهما ثلاث حروب دموية خلال ۷۲ عاما. مع أن هذه الحرب كانت على منطقة كشمير؛ إلا أن كشمير مازالت منطقة مقسمة ومتنازع عليها، والشعب في كلا طرفي الحدود من هذه المنطقة يواجهون مشكلة النزاع بين الجماعات المتشددة.
حرب كشمير الأولى: انفصلت باكستان من الهند عام ۱۹٤۷م وظهرت كدولة مستقلة. في شهر أكتوبر من هذا العام حاولت باكستان إحكام سيطرتها على منطقة «جامو وكشمير»، وقامت بهجوم عسكري على هذه المنطقة؛ لكن «هري سنک» حاكم المنطقة طلب من الهند المساعدة، واشترطت الهند في مساعدتها له توقيع معاهدة إلحاق المنطقة بالهند ما أدى إلى الحرب الأولى بين باكستان والهند. استمرت هذه الحرب إلى شهر يناير من عام ۱۹٤۹م، وفي النهاية استطاعت باكستان السيطرة على قرابة ثلث منطقة كشمير، وتسميه حتى الآن «کشمیر الحرة».
حرب کشمیر الثانية: بدأت الحرب الثانية بين باكستان والهند عام ۱۹٦٥. كانت الحرب على تلك المناطق التي وقعت عليها الحرب الأولى. باكستان هي التي بدأت الحرب بإعلانها عن عملية عسكرية لها على منطقة جبل الطارق في جامو وكشمير واستمرت الحرب إلى شهر سبتمبر من هذا العام.
كانت الحرب على المناطق الحدودية الدولية من قبل القوات الماشية من الدولتين، واستمرت الحرب خمسة أشهر وألحقت خسائر كبيرة في الأرواح والممتلكات بكلا الطرفين. انتهت الحرب في النهاية بإعلان وقف إطلاق النار من قبل منظمة الأمم المتحدة و «بیان تاشکند».
حرب كشمير الثالثة: بعد نهاية الحرب الباكستانية الهندية الثانية ظهرت فكرة انفصال بنغلاديش في شرق باكستان والتي تبعد عن باكستان الحالية آلاف الكيلومترات، وفي النهاية رفع البنغاليون شعار الانفصال وطالبوا بالاستقلال. قامت الحكومة الباكستانية في شهر مارس من عام ۱۹۷۱م بعملية عسكرية لقمع حركة باكستان الشرقية أيام حكم رئيس الوزراء يحيى خان. واشتد أوار الحرب واتسعت رقعتها عندما تدخلت القوات العسكرية الهندية لمساعدة البنغاليين. تقاتلت القوات الهندية مع باكستان حوالي ۱٤ يوما، وانهزمت باكستان في النهاية واعترفت الهند ثم باكستان ببنغلاديش كدولة مستقلة.
المشكلة الجديدة بين باكستان والهند
تأزمت العلاقات بين باكستان والهند منذ أيام والتي لم تكن طيبة في الأصل منذ سبعة عقود، وحصلت مناوشات بين قوات الطرفين على الحدود المشتركة في كشمير.
المسؤولون الهنود قالوا يوم الثلاثاء الماضي: «وفقا للمعلومات الاستخباراتية تم استهداف أكبر مركز لجيش محمد في منطقة بالاكوت الباكستانية وقتل وجرح خلال الهجوم عدد من مسلحي هذه الجماعة». مع أن آصف غفور المتحدث باسم الجيش الباكستاني رفض ادعاء الهند وقال أن الطائرات الهندية تجاوزت منطقة كشمير ودخلت ثلاثة أميال إلى الحدود الباكستانية وألقت قنابل على منطقة جبلية ودمرت عددا من الأشجار؛ إلا أن سكان بالاكوت في منطقة بختونخوا قالوا للمراسلين أنهم سمعوا أصوات الطائرات والقصف في المنطقة.
بعد الهجوم الهندي هذا اجتمع رئيس الوزراء الباكستاني عمرانخان بأعضاء مجلس الأمن القومي فی بلاده وقال أنه سيرد على الهجوم الجوي للهند في وقت مناسب. بعد الهجوم الهندي انتشر تقارير عن إسقاط كل من الطرفين لطائرات الطرف الآخر. تدعي باكستان أنها أسقطت طائرتين هنديتين وألقت القبض على طيار أحدهما حيا، ونشر الفيديو في الإعلام؛ ولكن الهند تتحدث عن سقوط طائرة هندية وأخرى باكستانية.
مع توتر العلاقات بين إسلامباد ودلهي قال رئيس الوزراء الباكستاني عمرانخان: يجب على باكستان والهند التعقل وضبط النفس، لأن الحرب ليست لصالح أي من الطرفين، وباكستان لاتريد الحرب. وطلب من الهند حل الخلافات والمشاكل عن طريق الحوار، وأن باكستان مستعدة للتحدث حول جميع القضايا بما فيها قضية جامو وكشمير.
بالإضافة إلى ذلك؛ طالبت باكستان منظمة الأمم المتحدة بلعب دورها للتخفيف من حدة التوتر، وسلمت باكستان الطيار الهندى الأسير إلى بلده، يبدو أن جهود باكستان تنصب في عدم تأزم العلاقات بينها وبين الهند. وأن السبب في الموقف الباكستاني هذا أنها في هذا الوقت تحت الضغوط الدولية لدعمها الإرهاب من جهة، ومن جهة أخرى بالإضافة إلى الخلافات الداخلية تواجه أزمة اقتصادية كبيرة، لهذا السبب تحاول إسلامآباد أن لاتؤدي الخلافات مع الهند إلى حرب كبيرة أخرى.
في جانب آخر يبدو أن تصريحات الهند الشديدة وهجومها الجوي على باكستان ما هي إلا لعبة سياسية يحاول مودي بذلك كسب التأييد الشعبي في الانتخابات البرلمانية القادمة.
تأثير المشكلة على المنطقة
إن باكستان والهند دولتان كبيرتان ومهمتان في المنطقة، لو أدت المشكلة الموجودة بين هاتين الدولتين إلى الحرب بينهما؛ سيكون لها أثر مباشر على الوضع الأمني والسياسي والاقتصادي في المنطقة. لأن الحروب السابقة بين باكستان والهند لم تلحق أضرارا كبيرة بكلتا الدولتين فقط؛ وإنما كان لها أثر بالغ على الوضع في المنطقة. كما أن لكلا البلدين صداقة استراتيجية مع بعض دول المنطقة، وتأزم العلاقات بين البلدين يزيد القلق من إيجاد الخلافات بين مختلف الدول على مستوى المنطقة.
مع توتر العلاقات بين باكستان والهند في الأيام الأخيرة منعت إدارة الخطوط الجوية الباكستانية عبور جميع الطائرات من فوق أراضيها لأجل غیر مسمی، ما ألحق أضرارا مالية بالشركات الجوية التجارية من جهة، ومن جهة أخرى أدى إلى المشكلات وتأخير السفر لمئات من الأشخاص.
تتفاقم المشكلة بين باكستان والهند في وقت تجري مفاوضات بين أمريكا وطالبان للسلام في أفغانستان. مع أن المسؤولين الباكستانيين قالوا أن توتر العلاقات بين باكستان والهند سيؤثر على مفاوضات السلام في أفغانستان؛ إلا أن الحكومة الأفغانية ترفض تصريحات إسلامآباد وتقول أن المشكلة بين باكستان والهند لن تلحق أي ضرر بعملية السلام في أفغانستان.
يبدو أن باكستان مستعدة للتعاون مع عملية السلام الأفغانية تحت الضغوط الأمريكية الشديدة، ويدل على ذلك إطلاق سراح الملا عبدالغني برادر و وصوله إلى قطر؛ إلا أن القول بتأثر عملية السلام كما يقال، التوقعات تقول أن العملية ستمضی قدما وفق البرنامج الأمريكي، وتريد باكستان تخفيف الضغوط الهندية والدولية عن نفسها وحل المشكلة عن طريق الحوار.
بشكل عام؛ يجب القول أن المشكلة الموجودة بين باكستان والهند ليست لصالح البلدين والمنطقة. يجب على الطرفين ضبط النفس، كما يجب على المجتمع الدولي تخفيف حدة المشكلة، والسعي لحلها عن طريق الحوار.
انتهى
[1] جيش محمد جماعة مسلحة متشددة في باكستان، أعلنت عن وجوده عام ۲۰۰۰م، وعلى رأسه مولانا مسعود أظهر. تحملت هذه الجماعة مسؤولية الهجوم على مبنى البرلمان الهندي في العاصمة دلهي عام ۲۰۰۱م. أدخلت الهند وبريطانيا وأمريكا جماعة جيش محمد منذ البداية في قائمة الإرهاب، كما أعلن الحاكم العسكري الباكستاني الجماعة مخالفة للقانون وفرض على أميرها قيد الإقامة الجبرية؛ لكن أمير الجماعة تمارس مهامه تحت مسمى جماعة (خادم الإسلام) في باكستان.