نقاط البحث المهمة في الدور الخامس من المفاوضات المباشرة بين طالبان وأمريكا

 

بدأ الدور الخامس من المفاوضات المباشرة بين الأمريكيين ومندوبين من حركة طالبان الأسبوع الماضي (٦ حوت ۱۳۹۷هـ ش) في الدوحة. حصل توقف طارئ في هذا الدور من المفاوضات يومي ۹ و۱۰ من شهر حوت؛ إلا أنها بدأت مرة أخرى في اليوم ۱۱ وتستمر حتى الآن.

مع أن تفاصيل الدور الحالي من المفاوضات المباشرة بين طالبان وأمريكا ليست واضحة؛ لكن المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية روبرت بالادينو قال بشأن المفاوضات الجارية: بعد قرار التفاوض المباشر بين طالبان وأمريكا في قطر؛ يتم الحديث الآن حول كيفية مكافحة الإرهاب، وخروج القوات الأجنبية من افغانستان، وحول الحوار بين طالبان والحكومة الأفغانية، ووقف إطلاق النار. وصرح المكتب السياسي لحركة طالبان في قطر للمراسلين أن المفاوضات تمضي قدما وبشكل إيجابي.

الدور الخامس من المفاوضات بين طالبان وأمريكا أخذ وقتا أكثر من سابقاته، ويبدو أن مناقشات تجري بين الطرفين في مختلف الموضوعات وبشكل عميق. ما هي نقاط الخلاف في المناقشات الجارية، وما هي مواقف الطرفين بهذا الشأن؟ يتم البحث حولها في هذه السطور.

حضور القوات الأجنبية

تعتبر حركة طالبان حضور القوات الأجنبية في أفغانستان هو العامل الوحيد في كفاحها المسلح في ثمانية عشر عاما الماضية، كما يعتبر خروج هذه القوات من أفغانستان بحثا محوريا في المفاوضات الجارية والتي ليس القرار النهائي بشأنه واضحا، ويبدو أن كلا من الطرفين يحاول تحميل شروطه على الطرف الآخر.

شدد ترمب في خطابه السنوي إلى الكونغرس على خروج القوات الأمريكية من أفغانستان، ومن جهة أخرى فإن مخالفة المجلس الثاني للكونغرس (سنا) لخروج هذه القوات أو تصريحات المسؤولين الأمريكيين بأنهم يريدون «إخراج قواتهم العسكرية والتركيز على الأمور الاستخباراتية»؛ التناقض في تصريحات المسؤولين الأمريكيين بهذا الشأن يعقد الموضوع أكثر فأكثر.

حول المفاوضات المباشرة بين طالبان وأمريكا؛ شددت حركة طالبان على اتفاق بشأن خروج القوات الأجنبية من أفغانستان قبل كل شيء. مع أن تفاصيل القضية ليست معروفة؛ ولكن طبقا للمراسلين فإن الموضوع المهم المطروح في مباحثات قطر هو تحديد موعد لخروج القوات الأمريكية من أفغانستان وهذا ما يستبعد أن يتفق الطرفان بشأنه. يقال أن أمريكا تريد لخروجها من ثلاث إلى خمس سنوات؛ لكن حركة طالبان تريد خروج القوات الأجنبية من البلاد في مدة أقصاها سنة واحدة فقط.

بالإضافة إلى ذلك؛ فإن أمريكا لاتريد سحب قواتها من أفغانستان بشكل كامل، بل تريد إبقاء عدد من قواتها في أفغانستان لأمور استخباراتية؛ الأمر الذي يزيد من تعقيد قضية خروج القوات الأجنبية. تريد طالبان خروج كامل القوات الأجنبية، ويسعى الطرف الأمريكي إلى الاحتفاظ بعدد من قواته تحت أي مسمى؛ مثلما فعل في العراق.

مكافحة الإرهاب

الاتفاق على مكافحة الإرهاب بعد مفاوضات السلام، وعدم استخدام الأراضي الأفغانية من قبل الإرهابيين ضد الدول الأخرى؛ هو الموضوع المهم الذي تشدد عليه أمريكا في المفاوضات مع طالبان كشرط أساسي لإنهاء حضورها العسكري في أفغانستان.

يجب على طالبان إعطاء ضمانات مقنعة للأمريكيين والمجتمع الدولي حتى تستطيع أمريكا والمجتمع الدولي إقناع شعوبهم والبدء بإخراج قواتهم؛ إلا أن السؤال المهم هو، هل يستطيع طالبان أن يعطوا ضمانات لأمريكا بمكافحة الإرهاب؟ في الوقت الذي بدأ ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية يوسع نطاق فعالياته في أفغانستان منذ أربع سنوات، كما أن هناك جماعات مسلحة أخرى تعمل في المنطقة. من جهة أخرى؛ فإن الاختلاف الموجود بين الطرفين في تعريف الإرهاب يزيد من تعقيد المفاوضات.

الهدنة

الهدنة هي الأخرى من الموضوعات المطروحة المهمة في الحوار بين طالبان والأمريكيين. مع أن طالبان رفضت في بيان لها أنها بحثت في مباحثات قطر مع الطرف الأمريكي قضية الهدنة والحوار مع الحكومة الأفغانية؛ لكن وزارة الخارجية الأمريكية قالت أن الهدنة والتفاوض مع الحكومة الأفغانية أيضا من ضمن الموضوعات المطروحة.

يتوقع أن لاتوافق الحركة على الهدنة مع الأمريكيين قبل التوصل لأى اتفاق نهائي بشأن حضور القوات الأجنبية. لأن الحركة وافقت على الهدنة لثلاثة أيام في عيد الفطر الماضي؛ لكن حضور مقاتلي طالبان في المدن وقضاء بعض الوقت مع المسؤولين الحكوميين والعسكريين أدى إلى ضعف روح القتال في بعض العناصر من الحركة.

بالإضافة إلى كل ذلك؛ عندما يتم الحديث عن الهدنة بعد قرار الحوار بين طالبان وأمريكا؛ السؤال هو متى تكون هذه الهدنة؟ وهل يتم إعلان الهدنة بعد خروج القوات الأجنبية بشكل كامل أم يتم إعلانها أثناء خروج هذه القوات؟ وهل الهدنة تكون مع القوات الأجنبية فقط أم تكون سارية مع قوات الحكومة الأفغانية أيضا؟ وهل تكون الهدنة لفترة محددة أم..؟ هذه أسئلة مطروحة حول الهدنة، والتوصل إلى اتفاق بشأنها يحتاج إلى مزيد من الوقت والبحث.

الحوار الأفغاني الأفغاني (الحكومة الأفغانية وطالبان)

الحوار بين طالبان والحكومة الأفغانية جانب آخر من عملية السلام الأفغانية وله أهميته لدى أمريكا والمجتمع الدولي. هناك اختلاف في موقفي الحكومة الأفغانية وحركة طالبان في الوقت الحالي. لاتريد الحركة التفاوض مع الحكومة الأفغانية، بينما الحكومة لاتقبل أي تفاوض ليس لها فيه الدور الأهم. في مثل هذا الوضع؛ لو بقيت الحكومة في الحاشية، أو تم التوقيع على اتفاق سلام بين طالبان وأمريكا في غياب دور الحكومة الأفغانية؛ فإن النتيجة لن تكون لصالح مستقبل البلاد.

تتحدث طالبان عن تعديل الدستور وإصلاحات أساسية في النظام بشكل عام؛ لكن الحكومة الأفغانية لاتريد أن يكون النظام في أفغانستان طالبانيا بعد المصالحة مع الحركة. هذه النقطة هي التي يحتاج حلها إلى مزيد من الوقت ومزيد من البحث؛ ولكن من الأفضل تشكيل اجتماع وطني عام يتفاوض مع الحركة حتى يسهل الخروج من هذا المأزق.

ومن جهة أخرى؛ فإن الحرب في أفغانستان لاتقتصر على الطرفين (أمريكا وطالبان) فقط؛ وإنما هناك طرف آخر أهم هو الشعب الأفغاني، والذي يعزز بعض المواقف المعارضة لاقتصار القضية على الطرفين أمريكا وطالبان. لو شارك في هذه المفاوضات شخصيات مؤثرة بالنيابة عن الشعب، وعمل طالبان في هذه المفاوضات على إزالة القلق الذي يجده في نفسه كثير من الشعب؛ هذا ما يمكن أن يساعد على ظهور موقف أفغاني موحد. لذلك؛ فإن على طالبان السعي إلى جعل استقلال أفغانستان مطلبا شعبيا حتى يتيسر بذلك الضغط على أمريكا.

في الوقت نفسه يخشى الشعب العودة مرة أخرى إلى تجربة ثبت فشلها من قبل؛ وهو النظام أو الحكومة التي تتشكل بواسطة حزب واحد. كما يخشى الكثير من الشعب عودة الوضع الاقتصادي السيء الذي كان يحكم أفغانستان في ذلك الوقت، ويمكن إزالة هذا القلق إذا اطمأن الشعب على حصول ضمانات على أن أحدا من الأحزاب بما فيها طالبان لاتريد تكرار تلك التجربة، وأن أحدا لايريد الوصول إلى السلطة أو الاحتفاظ بها بالقوة.

النتيجة

بالنظر إلى اتفاقيات السلام المعقودة على المستوى الدولي، يبدو أن مفاوضات السلام تتطلب المزيد من الوقت والمثابرة؛ بدأت المفاوضات بين الحكومة الفينزويلية وجماعة فارك في سبتمبر ۲۰۱۲م؛ ولكن استغرقت أربع سنوات، وتم توقيع اتفاقية السلام في أغسطس من عام ۲۰۱٦م. كما بدأت المفاوضات بين الحكومة الأفغانية والحزب الإسلامي عام ۲۰۱۰م؛ ولكن تم التوقيع على اتفاقية السلام إبان حكومة الوحدة الوطنية عام ۲۰۱۷م.

انقضت خمسة أشهر ونيف من بدء المفاوضات المباشرة بين طالبان والولايات المتحدة، لو نظرنا إلى اتفاقيات السلام في العالم أو نظرنا إلى الحرب المستمرة منذ ۱۸ عاما الماضية؛ فإنه من الصعب التوصل إلى اتفاق بشأن قضية في غاية التعقيد وفي فترة بسيطة.

من جهة أخرى؛ اختارت حركة طالبان في المفاوضات الجارية سياسة الانتظار، وربما تكون الحركة حاليا في حالة لاترى في الانتظار ضررا على نفسها، بل ترى الضرر في الاستعجال. تعرف الحركة أن الأمريكيين عازمون على الخروج؛ سيخرجون العام القادم إن لم يخرجوا هذا العام. كما يجب على ترامب أن يتخذ قراره بشأن أفغانستان قبل إجراء الانتخابات في أمريكا، وطالبان مطمئنون على القرار الأمريكي بالخروج من أفغانستان، لذلك يعتبرون التأخير في المفاوضات لصالحهم.

ربما هناك سبب آخر للتأخير في المفاوضات بين طالبان وأمريكا، هو أن الطرفين يستمران في النقاش للحفاظ على أكبر قدر ممكن من مصالحهم. ومع كل ذلك؛ فإن النقاشات معقدة، وتحتاج إلى مزيد من الوقت، ولاينبغي القول أن يتوصل الطرفان إلى الاتفاق بشأن جميع الموضوعات وفي فترة قصيرة.

انتهى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *