العلاقات المتأزمة بين كابل وواشنطن

 

انتقد مستشار الأمن القومي الأفغاني حمد الله محب قبل أيام (۲۳ حوت ۱۳۹۷هـ ش) في واشنطن المبعوث الأمريكي للسلام في أفغانستان زلمي خليل‌زاد بشدة، واتهمه بأنه يغمض عينيه عن الحكومة الأفغانية في مسار عملية السلام الجارية لمصالحه الشخصية؛ لكن وزارة الخارجية الأمريكية اعتبرت مثل هذه التصريحات تلحق الضرر بالعلاقات بين كابل وواشنطن وبعملية السلام في أفغانستان، كما أحضرت حمد الله محب إلى الوزارة.

نقلت رويترز عن بعض الوكالات بهذا الشأن أن ديفيد هيل النائب السياسي لوزير الخارجية الأمريكية قال في محادثة هاتفية مع الرئيس الأفغاني أشرف غني: ” إن حمد الله محب غير مرحب به في واشنطن بعد الآن، ولاتريد الولايات المتحدة أن تتعاون معه في كابل ولا في واشنطن” .

انتقاد الموقف الأمريكي تجاه عملية السلام الأفغانية من قبل حمد الله محب واتهامه لخليل‌زاد بالتطلع إلى الوصول إلى السلطة يأتي في وقت ترفض الحكومة الأفغانية المفاوضات المباشرة بين طالبان وأمريكا حيث لا دور لها في هذه المفاوضات.

بحثنا هنا السياسة الخارجية لحكومة الوحدة الوطنية تجاه أمريكا، والأزمة في العلاقات بين كابل وواشنطن، ومستقبل هذه العلاقات.

سياسة كابل الخارجية تجاه واشنطن

اتجهت العلاقات بين كابل وواشنطن إلى التأزم في السنوات الأخيرة من حكم حامد كرزي، لكنها تحسنت بعد قيام حكومة الوحدة الوطنية، ووقع أشرف غني الاتفاقية الاستراتيجية مع أمریکا فور وصوله إلى القصر الرئاسي في ۲٤ ساعة الأولى.

مع تحسن العلاقات بين كابل وواشنطن غير الرئيس الأمريكي باراك أوباما التوقيت الزمني لخروج قوات بلاده من أفغانستان في ۲۰۱٦م، وأعلن عن إبقائه لـ ۸٤۰۰ جنديا من قوات بلاده إلى عام ۲۰۱۷م، وكان من المنتظر أن یبقى ٥٥۰۰ جنديا أمريكيا في أفغانستان إلى نهاية عام ۲۰۱٦م.

وبعد نهاية حكم أوباما ووصول دونالد ترمب إلى سدة الحكم في أمريكا كان الموقف الأمريكي بشأن أفغانستان غير واضح لمدة حوالي ثمانية أشهر. مع أن الحكومة الأفغانية كانت قلقة بشأن الخطة الأمريكية المستقبلية ولم تكن على علم بها؛ ولكن بعد إعلان ترمب عن خطته بشأن أفغانستان والتي كانت تركز على الحرب إلى حد كبير، انتهى قلق الحكومة الأفغانية ورحبت بالخطة الأمريكية الجديدة.

بعد إعلان الخطة الأمريكية العسكرية الجديدة بشأن أفغانستان، نظمت الحكومة الأفغانية سياستها الخارجية متناسقة مع هذه الخطة، ما مكنها من الحفاظ على توازن سياستها الخارجية بين دول المنطقة. الخطة الأمریکیة كانت متناغمة مع خطة الحكومة الأفغانية والحكومة الهندية في المنطقة، هذا من جهة؛ ومن جهة أخرى كانت بعض دول المنطقة (مثل باكستان وإيران وروسيا والصين) مستاءة من هذه الخطة.

تبعية سياسة الحكومة الأفغانية الخارجية لأمريكا أدت إلى فشل خطة الرئيس غني الهادفة إلى بناء إجماع بين دول المنطقة من أجل السلام في أفغانستان. كما أن حكومة الوحدة الوطنية اقتربت من واشنطن بعد الإعلان عن خطتها الجديدة إلى حد أغمضت عيونها عن كل ما ترتكبه القوات الأجنبية في أفغانستان.

تَكَثَّفَ القصف الجوي بعد إعلان ترمب عن خطته بشكل غير مسبوق، قُصِفَت بيوت الناس والمدارس والمساجد وحتى مراكز قوات الأمن الأفغانية؛ لكن الحكومة الأفغانية لم تبد استياءا منه قط ، أما الآن عندما اختارت أمريكا الحوار مع طالبان بدلا من الحرب؛ ترفض ذلك حكومة كابل، وتبدو العلاقات بين كابل وواشنطن على جسر من عدم الثقة.

عدم الثقة بين كابل وواشنطن

منذ قيام حكومة الوحدة الوطنية ومع تغيير الخطة الأمريكية بشأن الحرب في أفغانستان (الحوار مع طالبان بدلا من الحرب، وإخراج القوات الأجنبية من أفغانستان) هذه أول مرة تشهد العلاقات بين كابل وواشنطن تأزما.

بذل الرئيس أشرف غني وسعه بشكل ملحوظ للتوصل إلى المصالحة مع طالبان، إلا أن الحركة شددت دائما على الحوار مع أمريكا لا مع الحكومة العميلة كما يقولون. مع أن أمريكا حاولت كثيرا إلحاق الهزيمة بطالبان في ميادين القتال؛ لكن ظنها خاب والسنوات ۱۸ الماضية  كشفت أن تجربتها كانت فاشلة. ولذلك غيرت خطتها بشأن أفغانستان واختارت الحوار مع طالبان.

كان الرئيس غني يتوقع أن تحضر طالبان للحوار والسلام مع الحكومة مثلما فعل حكمتيار، إلا أن المفاوضات بدأت بين أمريكا وطالبان خلافا لما كان يتوقعه، ولم يسمح للحكومة الأفغانية بالمشاركة في هذه المفاوضات، ما أقلق الحكومة وتبدي استياءها منها دائما.

عينت أمريكا زلمي خليل‌زاد مبعوثا لها للسلام في أفغانستان. وبدأ خليل‌زاد الحوار مع طالبان وجلس مع مندوبيهم خمس مرات حتى الآن. قال الرئيس الأفغاني في بداية هذه المفاوضات ” أن الجهود الأمريكية الجارية إنما هي جزء من خطتنا وتتم تحت إشراف الحكومة الأفغانية ” ؛ ولكن عندما كثر الحديث في هذه المفاوضات عن خروج القوات الأجنبية من أفغانستان، ازداد قلق الحكومة الأفغانية تبعا كذلك. حاول الرئيس غني في رسالة له إلى ترمب وطلب منه أن لا تخرج الولايات المتحدة جميع قواته من أفغانستان، وقال في كلمة له أن لا أحد من الأطراف الأجنبية يستطيع أن يتخذ قرارا بشأن السلام في أفغانستان.

بعد تصريحات غني؛ فإن مستشار الأمن القومي الأفغاني في مقابلة له مع الصحفيين انتقد المبعوث الأمريكي للسلام في أفغانستان بشدة وأبدى مخالفته الصريحة مع المفاوضات الجارية بين أمريكا وطالبان، واتهم زلمي خليل‌زاد بتنحية الحكومة الأفغانية وإعطاء الشرعية لطالبان. كما اتهمه بالسعي إلى إقامة حكومة مؤقتة يكون هو على رأسها.

ردة فعل وزارة الخارجية الأمريكية إزاء انتقادات محب كانت شديدة، ورفضت تصريحات محب واعتبرت الهجوم على خليل‌زاد هجوما على وزارة الخارجية الأمريكية. وقال الرئيس التنفيذي لحكومة الوحدة الوطنية في إشارة إلى تصريحات محب أن أفغانستان ليس في وضع يتحمل تأزم العلاقات مع المجتمع الدولي.

مستقبل العلاقات بين كابل وواشنطن

السلام مع طالبان قضية مصيرية بالنسبة لأفغانستان، الحكومة الأفغانية كونها حكومة والصديق الاستراتيجي مع الولايات المتحدة ترى من حقها أن تكون على اطلاع كامل ودائم من كيفية مسار عملية السلام.

هذه أول مرة تواجه العلاقات بين كابل وواشنطن تأزما في حكومة الوحدة الوطنية. تأزمت العلاقات بين كابل وواشنطن في السنوات الأخيرة من حكم الرئيس السابق حامد كرزي على يبدو بسبب قصف الطائرات الأمريكية ومقتل وإصابة المدنيين الأفغان، واتساع رقعة الحرب؛ لكن تأزم العلاقات الأفغانية الأمريكية في حكومة الوحدة الوطنية ليس بسبب القصف الجوي ومقتل المدنيين، ولكن هناك عوامل أخرى… في الوقت الحاضر؛ رشح أشرف غني نفسه مرة أخرى لرئاسة الجمهورية، وكما يبدو فإنه يخشى أن تخسر معركة الانتخابات، ولهذا السبب يسعى إلى تحديد مكانه ودوره في مفاوضات السلام.

حول الدور الخامس من مفاوضات السلام بين طالبان وأمريكا في قطر يقال أن الطرفين اتفقا على خروج القوات الأجنبية من أفغانستان ومكافحة الإرهاب، وسيوقعان على الاتفاقية المعدة بهذا الشأن في الجلسة القادمة. وإذا تم الاتفاق على هذه الاتفاقية دون حضور ممثلي الحكومة الأفغانية؛ فإنها سترى نفسها منزوية تماما، وتتجه العلاقات بين كابل وواشنطن إلى التأزم أكثر فأكثر.

انتهى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *