حرب روسيا والغرب الباردة وأثرها على المنطقة

مع أزمة أوكرانيا عام 2014م، تحدثَ كثير من المحللين عن حرب باردة ثانية بين روسيا والغرب، وخاصة أوروبّا، وتنبأوا بأن العالم يقف على هاوية حرب باردة أخرى. لم تنته أزمة أوكرانيا بعد ولم ترجع العلاقات الأمريكية الروسية إلى وضع سويّ. وفي مثل هذه الأوضاع يبدو من تصريحات الرئيس الروسي بوتين، ومن رد الناتو وأمريكا بأن العلاقات بين البلدين تشرف على مرحلة حرجة، وأن هذه الحرب الباردة (الثانية) تشتد أكثر.

إضافة إلى ذلك، عُقدت في 24 و25 من شهر يونيو الجاري، قمة وزراء الدفاع للناتو، وتمت فيها مناقشة أوضاع روسيا وأوروبّا وأفغانستان. بما أن العالم يتجه نحو حرب باردة أخرى ما الذي يقف خلفها، وماذا سيكون أثر الوضع المتدهور بين روسيا وأوروبّا على المنطقة عامة وعلى أفغانستان خاصة؟

خلفية القضية

منذ الثورة الشيوعية عام 1917م، في روسيا، ظهر منافس شيوعي أمام الرأسمالية الغربية، وبعد الحرب العالمية الثانية بدأت رسميا الحرب الباردة (الأولى) بين روسيا والغرب، أثرت بشكل كبير على مجريات الأمور على المستوى العالمي. وقام الأمريكيون والأوروبّيون عام 1949م، بإحداث الناتو لصد التوسع النظري الشيوعي الروسي، وجاء في المادة الخامسة في دستورها: “إن الهجوم على عضو، لهو هجوم على جميع الأعضاء!”.

إلى جانب ذلك، أراد الرئيس الأمريكي ترومن بخطة له، وضع حصار على الفكر الشيوعي في آسيا وأوروبّا، إلى أن دخلت أمريكا في عهد الرئيس “أيزن هاور”، في اتفاقيات “سيتو”، و”سينتو” مع الشرق الأوسط ودول آسيا الجنوبية. لم تؤثر هذه الاتفاقيات على أفغانستان، ولكن بعد أن اجتاحت روسيا أفغانستان أثر ذلك سلبا على الوجه الروسي ووقفت كثير من الدول لدعم المجاهدين الأفغان وتم إجبار روسيا للخروج من أفغانستان.

الحرب الباردة الجديدة

عام 1989م، عندما خرج الروس من أفغانستان، سببت نزعات الحرية في آسيا الوسطى، وهزيمة روسيا العسكرية والسياسية والدبلوماسية وأزماتها الاقتصادية انهيار الاتحاد السوفياتي. مع انهيار الاتحاد السوفياتي حصلت دول في شرق أوروبّا وفي آسيا الوسطى على استقلالها، وجذبت اهتمام العالم إليها.

وكان عدد من حكام هذه الدول من الموالين للاتحاد السوفياتي والشيوعيين السابقين، وفي بعض المناطق حدثت خلافات بين الغرب وروسيا على خلع هذه الوجوه، خلافات انتهت إلى أزمات وحروب.

في 2003 و2004 حدثت تحركات مناوئة لروسيا في جورجيا وأوكرانيا، عُرفت بالثورة الوردية والبرتقالية. انصبت محاولات هذا الحراك على خلع حكام موالين لروسيا، وتدهورت على إثرها العلاقات بين الغرب وروسيا. عام 2003 قامت في جورجيا حكومة موالية للغرب، وحدثت بينها وبين روسيا خلافات على “أبخازيا”، و”أوزيتا الجنوبية”، وصلت تلك الخلافات ذروتها عام 2008م، إلى أن اجتاحت روسيا جورجيا وأعلنت استقلال منطقة أبخازيا.

وفي انتخابات عام 2004م، فاز المرشح الموالي للروس، ويكتور يانوكوويش، حدثت بعدها مظاهرات مما حملت القضاء العالي إلى إصدار القرار بإعادة إجراء الانتخابات، وفاز فيها مرشح موالٍ للغرب هو ويكتور يوشينكو. اعتبر بوتين أن المظاهرات كانت بتحريض من الغرب وتدهورت بذلك العلاقات بين روسيا والغرب.

جرت انتخابات أخرى عام 2010م، وفاز فيها ويكتوريانو كوويش الموالي لروسيا، وعمل على عدم انحياز خارجية بلده. وكانت لهذه الحكومة من 2010 إلى 2013 علاقات جيدة مع الاتحاد الأوروبّي إلى أن أجرى يانوكوويش محادثات مع الاتحاد للشراكة ووصل الأمر على وشك توقيع الاتفاقية، قامت موسكو بوضع ضغوط عليه مما جعله يمتنع من توقيع الاتفاقية، وهو أمر أدّى إلى خروج مظاهرات واسعة ضده أصبحت ثورة عام 2014م.

وفي هذا العام وصل رجل أعمال الموالي للغرب بوروشينكو إلى السلطة وقام بتوقيع اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبّي، ولكن ذهاب يانكوويش من السلطة وتوقيع الاتفاقية مع الاتحاد الأوروبّي سببت مظاهرات شرقي البلد، وتم تمهيد الطريق للاجتياح الروسي إلى أن جرى استفتاء شعبي في جزيرة القرم وأصبحت جزءا من روسيا.

ودوما انتقد الغرب الموقف الروسي في أوكرانيا واعتبر موسكو سبب كل سوء. ومن هنا ومنذ سنة وضع الغرب تعزيرات كثيرة على روسيا، وعلّق كثيرا من علاقاته مع روسيا. إضافة إلى ذلك هناك خلافات أخرى بين روسيا والغرب في ملف إيران وسوريا.

تهديد روسيا وردة فعل الغرب

زيارة وزير الدفاع الأمريكي إلى أوروبّا: قام كارتر وزير الدفاع الأمريكي كردة فعل لتصريحات بوتين بزيارة إلى دول أوروبّية. وأهم ما كان في الزيارة أن أمريكا سترسل بعد عامين أسلحتها إلى أوروبّا. وفي هذا المجال أظهر المسؤولون في كل من استونيا، وليتوانيا، ولاتفيا، وبلغاريا، ورومانيا، وبولندا، استعدادا لقبول أسلحة أمريكا. ويقال إن أمريكا سترسل إلى أوروبّا أسلحة حسب الضرورة.

ردة فعل الناتو: لقد أثارت الخلافات والقتال في أوكرانيا منذ سنة ومعها تصريحات بوتين الأخيرة بأن روسيا ستخزن ترسانتها النووية في 40 قارة، أوروبّا كثيرا. وكردة فعل لهذه التصريحات بدأت الناتو تدريبات عسكرية في بولندا، وفي 24 و25 من شهر يونيو عُقدت قمة وزراء دفاع الناتو لتناقش قضايا أوكرانيا وروسيا وأفغانستان. وتم أخذ القرار في هذه القمة بأن الناتو سترفع عدد قواتها من 13 ألف إلى 40 ألف، وأنها ستجدد أسلحتها النووية.

إلى جانب ذلك ستقوم الناتو بتشكيل وحدات قيادية في دول أوروبّية، وتستقر هذه الوحدات غالبا في دول واقعة شرقي أوروبّا مثل بلغاريا، واستونيا، ولاتفيا، ليتوانيا، وبولندا، ورومانيا. هو أمر يظهر سيناريو حرب باردة.

أثر الحرب الباردة الجارية على المنطقة

مع أن الأمريكان يجنبون أنفسهم بدء حرب باردة “ثانية”، ومن هنا قال أوباما الرئيس الأمريكي، إن هذه ليست حربا باردة، إنما هي عدم قبول روسيا بإرادة أوكرانيا[1]. وتحدث وزير الدفاع الأمريكي في زيارته إلى أوروبّا بنفس اللغة، وأنهم لا يريدون بدء حرب باردة[2]، ولكن رغم هذه التحفظات الدبلوماسية لقد بدأت بين روسيا والغرب حرب باردة غير رسمية.

تخوض الآن روسيا والغرب حربا باردة، وصلت تردداتها إلى سوريا، وإيران، وأوكرانيا، وأوروبّا الشرقية، وآسيا الوسطى. قامت روسيا في الأمم المتحدة باستخدام (ويتو) أما أي قرار غربي مخالف لبشار الأسد، واقترحت لإيران قوة الدفاع الجوي. وفي أوكرانيا جعلت جزيرة القرم من أراضيها، وبدأت شرقي أوروبّا منافسة مع الناتو.

فإن الحرب الباردة الجديدة خلقت تنافسا على الأسلحة من جهة، ومن جهة أخرى إذا ما تمت تجزئة العالم من جديد فإن حدوث حروب أهلية كثيرة يكون من الممكن. وتصريحات بوتين الأخيرة بأن روسيا ستخزن ترسانتها النووية في 40 جزيرة، أثارت ردود فعل أوروبّية واسعة. منها قرار أمريكا في جلسة عسكرية بوضع آليات عسكرية في دول أوروبّية، وقرار الناتو برفع عدد جنودها من 13 ألف إلى 40 ألف ومحاولتها تجديد الأسلحة النووية بحوزتها، إضافة إلى تشكيل وحدات قيادية في ستة دول أوروبّية. كل ذلك سوف يخلق في المنطقة وخاصة في أوروبّا منافسة على الأسلحة، وسوف تتقوى شركات الأسلحة الكبيرة في كل بلد، وهو أمر يهدد أمن العالم على الأمد البعيد.

وفي حال استمرار هذه المنافسة الروسية الغربية، فإن ذلك سيؤثر كثيرا على الاقتصاد الأوروبّي. على سبيل المثال انخفض دخل أوكرانيا الصناعي عام 2014 من 20% إلى 10%.

على أساس تحقيق لمجلة (إكانوميست)، إلى نهاية الحرب الباردة سوف يشهد 18% من سكان العالم حروبا أهلية، لأن أي جهة في الحرب تدعم من يخالف عدوه، وبذلك ستندلع حروب بالوكالة في دول كثيرة، وبنهاية الحرب الباردة تكون الحرب الأهلية أقل مقارنة بأثناء الحرب الباردة، لأن دعم المخالف يختفي[3].

من جهة أخرى، قرّبت هذه الحرب الباردة روسيا من الصين كثيرا. وفي حال رغبة روسيا في الحصول على دعم صيني في هذه الحرب، عليها أن تدعم الصين في البحر الجنوبي.

مع وجود خلافات حادة وكثيرة بين أمريكا وروسيا منذ عقد من الزمن، إلا أن تأييدا في بعض المجالات مثل أفغانستان حدث بينهما. ولكن الحرب الباردة الجديدة أثرت كثيرا على مجال التعاون بين أمريكا وروسيا وقد قامت الأخيرة بسد الطريق على تجهيزات الناتو لفترة.

النهاية

[1] Office of the White House Press Secretary, ‘Statement by the President on Ukraine’, 29 July 2014, http://www.whitehouse.gov/the-press-office/2014/07/29/statement-president-ukraine

[2] Jonathan Beale, Moving ever closer to a new cold war, BBC NEWs, 24 June 2015, see online:< http://www.bbc.com/news/world-europe-33237439>

[3] How to Stop Fighting, Sometimes’, The Economist, 7 November 2013, http://www.economist.com/news/  briefing/21589431-bringing-endconflicts-within-states-vexatioushistory-provides-guide

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *