الاضطرابات الأمنية في أفغانستان، من بوابة البرلمان إلى الحدود
لقي هجوم طالبان في 21 من شهر يونيو على البرلمان الأفغاني اهتماما اعلاميا واسعا على المستوى العالمي، من دون أن توفر السلطات الأفغانية أجوبة مقنعة عن أسئلة طُرحت حول ملابسات الهجوم. وقامت وسائل إعلام تابعة لأمريكا والتي كانت تروج قبل الهجوم بأن مهلة عمل البرلمان قد انتهت وأن البرلمان فقد شرعيته، أصبحت هي نفسها تتحدث عن (كسر احترام بيت الشعب بيد الأعداء)، ومن أجل الفرار عن الحقيقة سارعت نحو إبراز دور جندي في المعركة وادعت أنه قتل ستة من المهاجمين بست رصاصات من دون أن يضيّع أي رصاصة.
وتزامنا مع هذا، تشكل بين عبدالرشيد دوستم وعطاء محمد نور ائتلاف يهدف إلى قتال طالبان من أجل سد توسعها في الشمال. وفيما يفكر نائب رئيس البلد بدلا من استخدام القوات الحكومية في صناعة الميليشيا، إلي أين تتجه أفغانستان؟
هجوم عرضي لأي هدف؟
إن حركة طالبان تهتم كثيرا بتلك النوعية من العمليات التي تحدث في مواقع ومناسبات عدة. وتحدث هذه العمليات غالبا حينما تتوجه وسائل الإعلام في الداخل والخارج نحو حدث خاص يجري.
من الممكن أن لا تُحدث مثل هذه العمليات أي خسائر في صفوف القوات الحكومية، وأحيانا يبدو أن طالبان تفشل في الوصول إلى هدفها، وأن الهجوم لم يسفر إلا عن خسارة للمهاجمين فقط، لكن طالبان لا تهتم بذلك، بل تهتم بنتيجة هذه العمليات على عقول وقلوب الناس في الداخل والخارج، والتي تنقلها وسائل الإعلام وتظهر ضعف الحكومة الأفغانية. وتشبه هذه العمليات مسرحية يحاول اللاعبون فيها وضع أثر على المشاهدين.
قبل بضع سنوات قامت حركة طالبان بتنفيذ هجوم على حفلة أقيمت لإحياء ذكرى استقلال البلد، مما أدّى إلى إخلال الحفلة. وانتشر الخبر في العالم وظهر جنود بزي عسكري يفرون، حتى أن الحكومة امتنعت عن إجراء هذه الحفلة بعد ذلك وحتى الآن. وأعتبر امتناع الحكومة عن إجراء الحفلات في “المكان المفتوح” فوزا لطالبان، والحال أن الحضور الشعبي في مثل هذه الحفلات كان دليلا على تماسك شعبي حكومي.
وكان الهجوم على البرلمان أكثر أثرا من الهجوم على ذكرى استقلال البلد. فكان من المقرر في هذا اليوم أن يعرف النائب الثان للرئيس، وزير الدفاع إلى البرلمان. وأثناء دخولهم إلى البرلمان حدث انفجار وهزّ الصالة فانتشر الدخان وانتهت الجلسة.
هاجمت حركة طالبان في 27 من أبريل2008م، على حفلة ذكرى فوز المجاهدين في كابول. وقامت الحركة بعد ذلك بنشر تفاصيل الهجوم في شريط فيديو، وظهر في الفيديو عدد من الأفراد المجهولين يشاهدون الحفلة عبر التلفاز في مكان يقال إنه كان مقر قيادة العمليات. وعندما يبدأ النشيد الوطني، ويقوم المشاركون احتراما له، يتصل واحد منهم بالمهاجمين ويصدر الأمر بالهجوم قائلا الله أكبر.
ما وراء الهجوم على البرلمان
أثناء الهجوم على ذكرى فوز المجاهدين، استقر المهاجمون في مبنى مشرف على مكان الحفلة، وكان القرار ببدء الهجوم بيدهم، ولكن ملف الهجوم على البرلمان أمر معقد جدا. كما يبدو من الصور فإن الهجوم حدث حينما أراد نائب الرئيس والمرشح لوزارة الدفاع الدخول إلى صالة البرلمان. ويبدو أن قيادة العمليات كانت على علم بتفاصيل الجلسة. فعندما أعلن رئيس الجلسة دخول نائب الرئيس ووزير الدفاع المرشح، حدث الانفجار ليظهر أن الهجوم نوعي، وتحديد وقت الانفجار يظهر وجود أيادي قوية ورائه.
برأي شهود عيان كانت السيارة المفخخة من نوع “لندكروزر”، المدرعة وبزجاجة سوداء. ترجل منها المهاجمون بزي عسكري في الشارع، ثم ارتطمت السيارة بالجدار وانفجرت. وسارع المهاجمون في قصف البرلمان بالصواريخ ثم حاولوا الوصول إلى عمارة جارية البناء على طرف الشارع، فاستهدفهم حارث العمارة التابع لشركة أهلية.
وحسب العادة، عندما يحدث هجوم مثل هذا على يد طالبان، يتسائل الجميع عن كيفية وصول المهاجمين إلى أماكن ذات إجراءات أمنية شديدة، مع كميات كبيرة من المتفجرات والأسلحة الثقيلة. وقد حدث هذا طيلة عشر سنوات لعشر مرات في كابول. وفي كل مرة وعد المسؤولون بأنهم يحققون في الأمر، ولكن لم تظهر أي نتيجة لهذه التحقيقات.
ضعف الحكومة وائتلاف قادة في الشمال
بالهجوم على البرلمان ضرب المهاجمون رؤسهم بالجدار ولم يتمكنوا من الوصول إليه، ولكن الهجوم أثار انتقادات واسعة على “حكومة الوحدة الوطنية”. واللافت هذه المرة أن حركة طالبان تبنت الهجوم ولم تدل بأي تفاصيل خلافا للعادة. وفيما كانت مواقع طالبان على الانترنيت مليئة بأخبار عن حروب في “شهاردره”، وتكذيب استعادتها من قبل الحكومة، ورغم وعودها بنشر تفاصيل الهجوم لاحقا، لم تنشر أي تفاصيل عن الهجوم.
في أيام سبقت هجوم البرلمان، سيطرت طالبان على مديريتَيْن في ولاية كندز شمالي أفغانستان. وأثارت هذه التحركات قلقا لدى قادة في الشمال، ظهر في ائتلاف بين عطاء محمد نور حاكم ولاية بلخ والرئيس التنفيذي في حزب “الجمعية الإسلامية”، والجنرال عبدالرشيد دوستم زعيم “الحركة القومية”. إن الهجوم على البرلمان وضعف المسؤولين الأمنيين من الوقاية يمكن أن يعزز حدوث مثل هذه الائتلافات بشكل أقوى.
وقال الجنرال دوستم إن الحكومة إذا سمحت له فإنه يجلب 20 ألف مسلح ضد طالبان، فإما أن يقتل طالبان أو يجبرهم على الاستسلام.
فيما يصل عدد القوات الأفغانية 350 ألف وتم تدريبهم طيلة أكثر من 13 سنة بمبالغ كبيرة من الدولارات، يعني ما يقوله دوستم بأن مؤسسة الجيش والشرطة الوطنية ليست ذات أهمية وينبغي مرة أخرى إحداث وحدات قتال على مستوى المناطق من أجل القتال مع طالبان.
النتيجة
تستغل حركة طالبان في الآونة الأخيرة عمليات نوعية إلى جانب قتال منظم أدّى إلى سيطرتهم على بعض المديريات. مع أن هذه العمليات لم تسفر أي إنجازات عسكرية للحركة، إلا أنها بعثت انطباعا لدى القوات الحكومية بأن جهات قوية في الحكومة تدعم طالبان، وهو أمر يؤثر سلبا على معنويات الجيش.
مع أن وسائل الإعلام حاولت عبر الترويج بشأن جندي واحد ادعى قتل المهاجمين الستة وحده، بأن القوات الأفغانية تقاتل بمعنويات عالية واستعداد كامل، لكن الائتلاف بين دوستم ونور يظهر حقائق مرة لا يمكن للإعلام كتمانها. هل تكرار سيناريو أحداث سوريا في الشمال هو الذي يُقلق القادة المحليين فيه؟
مع أن البعض يرى بأن هذا الائتلاف سيؤدي دورا ايجابيا في دحر المسلحين في الشمال، ولكنه أمر يعني ضعفا متزايدا للحكومة المركزية وعودة أفغانستان إلى فترة ملوك الطوائف، شهدتها أفغانستان بعد سقوط حكومة د.نجيب.
فقد كان الشعب يأمل نظاما شعبيا في البلد، تفقد في ظله النزعات القومية أثرها، وتتشكل في البلد حكومة مركزية قوية، وأما الآن ومع ضعف الحكومة المركزية تتقوى القوات المحلية وسرعان ما تتشكل حركات مشابهة في أرجاء البلد.
بالنظر إلى قلق الدول الجارة من تغيير الأوضاع في أفغانستان، ستحاول دول المنطقة والجيران بأن تجد بين هذه القوات موالين لها، مما يعني استمرار حروب بالوكالة في أفغانستان.
يبدو أن صوت الحرب من قلب العاصمة الأفغانية كابول إلى حدود نهر جيحون يعلو على صوت السلام، ويرى أصحاب القوة بأن حل أزمة أفغانستان تكمن في فوّاهة السلاح. تجربة ظهر بطلانها مرات عدة في الماضي.
النهاية