البرلمان الأفغاني وقضية الفساد
في يوم 21/يوليو/2019م نشرت اللجنة المستقلة لمراقبة الفساد (MEC) تقريرا حيال الجوانب المعرضة للفساد في البرلمان الأفغاني، وذكرت ثلاثة نواحي هي: 1. الإطار القانوني والتنظيمي 2. نظم التعامل والمعايير الأخلاقية 3. الموارد البشرية والمالية والإدارية.
تم إعداد التقرير المذكور خلال عام كامل، وبالإضافة إلى الجوانب التي كانت عُرضة للفساد في البرلمان قدمّ التقرير كذلك توصيات ومقترحات لمعالجة هذه النواحي المتضررة من الفساد.
يا تُرى إلى أي مدى كانت أنشطة البرلمان ناجعة في الفترة المنصرمة؟ وهل أدى مجلس النواب مهامه على الوجه المطلوب؟ وما هي الجوانب التي تأثرت بالفساد في المجلس؟ وهل كان للمجلس دور في مكافحة الفساد على مستوى البلد؟ أسئلة نسعى للإجابة عليها في هذا المقال.
الجوانب المعرضة للفساد في مجلس النواب
- آلية التقنين
التقرير المنشور من لجنة مراقبة الفساد يُظهر ثغرات معرضة للفساد في عمل البرلمان من ناحية التقنين ومراقبة التقنين.
آليات التقنين لا تتسم بالشفافية بالحد الكافي. ذُكر في المادة رقم 19 من قانون مراحل نشر وإنفاذ المستندات القانونية أنّ “عملية النظر والتدقيق والمراجعة للقوانين المطروحة ابتداءً تتطلب استدعاء مندوبي المؤسسات العلمية والبحثية المتمكنة ومندوبي المجتمع المدني بالإضافة إلى اللجان المعنية بالبرلمان”. إلا أن البرلمان في فترته السابقة لم يُنفذ ما ورد بهذه المادة. يُضاف إلى ذلك أن عملية مراقبة ومتابعة التقنين لا تتم وفق المعايير، كما أن المعلومات حيال عدد القوانين التي تم اعتمادُها من قبل المجلس ليست دقيقة.
أعضاء مجلس الشعب لا يتمتع بالخبرة العلمية والعملية الكافية لوضع مسودة القانون. القانون يشترط للتعيين في منصب الوزارات حيازة المتقدمين للشهادة الجامعية، إلا أن الشهادة ليست من شروط الوصول إلى الكراسي البرلمانية.
من جانبٍ آخر فإن الحكومة ترى أن القوة التنفيذية هي التي ينبغي أن تتحكم في البرلمان، وهذه النظرة تحول دون قبول البرلمان لمبادرات الحكومة.
يقضي نواب المجلس معظم أوقاتهم في مناقشة مراسيم رئيس الجمهورية، ولذا لا يجدون وقتا كافيا للتدقيق في بقية القوانين. وفق القانون فإن بإمكان رئيس الجمهورية أن يُصدر المراسيم التقنينية خلال عطلة مجلس الشعب، والتي تُحال للبرلمان خلال 30 يوما، مما يُشغل البرلمان عن التدقيق والعمل على القوانين الأخرى.
۲. مراقبة التقنين
وفق نتائج التقرير المنشور حديثا فإن آليات المراقبة في البرلمان غير مؤثرة وتُستغل من قِبل بعض أعضاء البرلمان للوصول إلى مصالحهم الشخصية. عندما يتم استدعاء الوزراء لا تُقدم مبررات وجيهة توجب الاستدعاء، ويتم مناقشة الوزراء حيال شؤون ثانوية وغير هامة.
من جانبٍ آخر فإن الدستور لا يشتمل على آليات محددة لفصل النزاعات التي تقع بين الحكومة ومجلس الشعب.
العامل المذكور وغيره من النواحي المعرضة للفساد في عمل البرلمان تؤيد القول بأن المجلس لا يقوم بمهامه بالشفافية والمهنية المطلوبة.
۳. نظم التعامل
يُغفل الكثير من أعضاء البرلمان نظم التعامل حين تتعارض المصالح ويُلاحظ تدخلهم في إرساء مناقصات المشاريع الحكومية على بعض الجهات الاستثمارية. يُضاف إلى ذلك أن الكثير من الأعضاء لم يُسجلوا قائمة أموالهم وممتلكاتهم ولم يُعلنوها حتى الآن.
علاوةً على عد بعض النواب أنفسهم أعلى من سلطة القانون، هناك فساد عريض فيما يتعلق بمصاريف أعضاء البرلمان وتورطهم في قضايا الرشوة وقبول الهدايا بما يُخالف القانون.
۴. المعايير الأخلاقية
يُشير تقرير لجنة مراقبة الفساد إلى التمييز في تطبيق نظم التنبيه والتأديب حيث توجد حصانة لدى بعض النواب من التنبيهات الجزائية، في حين أن ذلك يُصعب مسؤوليتهم تجاه ما عليهم من واجبات. من جانبٍ آخر فإن انتشار ثقافة الحصانة بين النواب يجعل إدانتهم واعتقالهم من المستحيلات.
۵. الموارد البشرية والإدارية
طرق التوظيف في مكاتب مجلس النواب بحاجة إلى شفافية أكثر، حيث إن الكثير من الموظفين داخل المجلس تم توظيفهم بناء على علاقاتهم بالنواب. من أسباب تعرض المجلس للفساد الإداري عدم وجود خطط عمل للتفتيش ومراقبة مصاريف البرلمان. كما أن هناك ضرورة لأنظمة شفافة فيما يتعلق بالرواتب تضمن نزاهة استغلال الموارد المالية للبرلمان.
النتائج
بدل أن يكون البرلمان الأفغاني مراقبا ومشرفا على الحكومة الأفغانية وناشطا في مجال مكافحة الفساد، نجد أن البرلمان نفسه جزء من المشكلة في العديد من القضايا.
عمليات التقنين ومراقبة الفساد معرضة للانتهاكات، ونظم التعامل والمعايير الأخلاقية يتم إغفالها في كثير من الأحيان، كما أن إدارة الموارد المالية والإدارية بالمجلس تتسم بالضعف.
مع أن البرلمان في دورته الحالية مر باضطرابات في قضية تعيين رئيس المجلس، إلا أنه يملك الفرصة لتحسين سمعته. بإمكان المجلس من خلال التقنين بشفافية والمراقبة الفعالة وإظهار ممارسات تعامل سليمة ونزيهة أن يُعيد الثقة المسلوبة في قراراته وأعضائه.
توصيات لمكافحة الفساد في مجلس النواب
قدم تقرير لجنة مراقبة وتقييم الفساد مجموعة من التوصيات لتقليل هشاشة البرلمان تجاه الفساد. ويتوقف تنفيذ هذه التوصيات على مدى رغبة المجلس الإداري بالبرلمان في تحسين عمل وصورة مجلس الشعب بشكل حقيقي.
لأجل رفع مستوى الشفافية حيال إعداد المسودة النهائية للمستندات التقنينية، يتوجب على المجلس أن يعقد جلسات استشارية وأن ينشر المسودة في الموقع الرسمي لمجلس الشورى وشبكات التواصل الاجتماعي مع دراسة وفحص شامل للآراء المتضمنة بالمسودة قبل إرسالها للبرلمان ليتم التصويت على اعتمادها. كما أن تشكيل فرق برلمانية للعمل على قبول أو رد المراسيم التقينينية الصادرة من رئيس الجمهورية كفيل بأن يحول دون تعطيل عملية اعتماد القوانين.
لأجل أن تتغير أنظار العامة تجاه البرلمان، على المجلس أن يُنجز مهامه بشفافية ونزاهةٍ ومهنية أكثر. هناك ضرورة لإعداد لائحة تتعلق بسوء استغلال الحصانة تجاه التنبيهات الجزائية ليتم الحد من هذه الظاهرة واستئصالها. كما تجب مراقبة المراحل التي أدت إلى تضخم رواتب أعضاء المجلس، مع الإشراف على حسن إدارة الموارد المالية والإدارية وأصولها الثابتة وإمكانياتها.