أفغانستان ومجازر في ظل الاتفاقية الأمنية مع أمريكا
صباح يوم الإثنين 20 من يوليو 2015م، هاجمت الطائرات الأمريكية على مقر للجيش الأفغاني في ولاية لوكر من دون أي مواجهات عسكرية على الأرض، مما أسفر عن قتل وجرح عدد من الجنود. وفي الهجوم الذي حدث في مديرية بركي برك لقي 9 جنود أفغان حتفهم وجُرح 6 آخرون على حد التقارير الرسمية. ويقول شهود عيان بأن عدد القتلى فاق العشر.
قالت القوات الأمريكية إن الهجوم حدث خطأ، واعتذرت لحدوثه. وفي الماضي أيضا حدثت مثل هذه الهجمات وأحيانا عزت القوات الأمريكية السبب إلى أن الجنود لم يكونوا في زيء عسكري، إلا أن هذه المرة لقي الجنود الأفغان مصرعهم بزيء عسكري وتحت علم أفغانستان الملون والمرفرف فوق مقرهم.
وحدث الهجوم بعد يوم من زيارة الجنرال مارتين دمبسي قائد أركان الجيش الأمريكي إلى أفغانستان لمناقشة كيفية مكافحة بلده مع الإرهاب وخطر داعش مع الجانب الأفغاني.
خلفية مجازر دائمة
إن القوات الأجنبية وخاصة الأمريكية قامت مرات عدة منذ 2001م، بقتل الأفغان وكان معظم القتلى من المدنيين.
وكان هجومهم على حفلة زفاف في ولاية ارزكان أول هجوم أسفر عن قتل جماعي، لقي فيه عشرات الأفراد حتفهم بينهم العروس. وادعى المسؤولون الأفغان تأييدا للمسؤولين الأمريكيين وقتها بأن الملا برادر شارك في الحفلة وأن العروس كانت من أقربائه! ولذلك فإن قتل العشرات من الأفراد هو جزء من مكافحة أمريكا للإرهاب. وظهر بعد ذلك أن ضحايا الهجوم كانوا من أقرباء أناس دعموا كرزاي أثناء سقوط حكم طالبان.
جدير بالذكر حادث “عزيز آباد” الذي حدث في ولاية هرات وتم قصف بيوت سكنية مما أسفر عن مقتل العشرات من المدنيين. ووصل تحقيق الوفد الحكومي إلى المنطقة بأن ادعاءات القوات الأجنبية بقتل عدد من عناصر طالبان المسلحة في الهجوم أمر عارٍ عن الحقيقية.
وقبل بضع سنوات خطفت عناصر من طالبان في ولاية كندز عددا من شاحنات النفط للقوات الأجنبية ثم تركتها فارة وفيما توجه سكان المنطقة لأخذ النفط منها قصفتها طائرات القوات الأجنبة، بطلب من قائد هذه القوات في ولاية كندز، وقتل على إثر ذلك أكثر من مئة شخص ولم تستعد الحكومة الآلمانية حتى لدفع الغرامة.
وحدثت عمليات كثيرة ضد القوات الأفغانية في مناطق مختلفة أسفرت عن قتل وجرح عدد كبير منهم.
وصلت هذه الجرائم إلى حد اضطر حامد كرزاي الرئيس الأفغاني وقتها بأن يتخذ موقفا مناهضا لأمريكا، وهو أمر امتنع بسببه كرزاي عن توقيع الاتفاقية الأمنية مع أمريكا. ويبدو الآن أن هذه الاتفاقية التي كانت من المتوقع أن تقنن الحضور الأمريكي في أفغانستان، قد قننته ولكن حسب القانون الأمريكي!
نتيجة الاتفاقية الأمنية خلافا للتوقعات
عندما كان الجدل على أشده بشأن الاتفاقية الأمنية، كان المقربون من الرئيس الأفغاني حامد كرزاي يحاولون بأن يظهروها دواء كل داء للبلد، وأنها تجعل الحضور الأمر يكي في أفغانستان “قانونيا”، وأن الأمريكيين لا يمكنهم تنفيذ عمليات عشوائية في كل مكان. ونرى الآن بأن القوات الأمريكية أقدمت على ما كانت تعمله قبل توقيع الاتفاقية، عمليات عشوائية ومن دون انسجام مع القوات الأفغانية.
وجاء في الفقرة الأولى من المادة الثانية للاتفاقية الأمنية الأفغانية الأمريكية التالي:
…ولا تنفذ قوات الولايات المتحدة أي نوع من الحملات الحربية في أفغانستان، إلا أن يتفق الطرفان على غير ذلك.
وتؤكد الفقرة الثالثة والرابعة من المادة الثانية:
- يعتقد الطرفان أن إحلال الأمن والاستقرار في أرض أفغانستان مسؤولية القوات الدفاعية والأمنية الوطنية الأفغانية. ويعمل الطرفان معا على إنماء القدرات لدى القوات الدفاعية والأمنية الوطنية الأفغانية من أجل مواجهة التهديات الداخلية والخارجية. حسب مطالبة أفغانستان تقوم الولايات المتحدة على الفور بتشخيص المساعدة التي تكون مستعدة لتقديمها للقوات الدفاعية والأمنية الوطنية الأفغانية.
- يؤيد الطرفان بأن عمليات الولايات المتحدة العسكرية من أجل كسر تنظيم القاعدة والمجموعات التابعة لها، يمكن أن يكون مقبولا به داخل إطار مكافحة مشتركة للإرهاب. يتفق الطرفان على أن يستمرا في تعاونهما وتنسيقهما القريب من أجل المصالح الأفغانية والأمريكية، دون التوسل بالعمليات المنفردة العسكرية من قبل الولايات المتحدة ضد الإرهاب. المراد من عمليات الولايات المتحدة العسكرية ضد الإرهاب يكون تلك العمليات المتممة في مساعدة عمليات القوات الدفاعية والأمنية الوطنية الأفغانية ضد الإرهاب، والتي تقودها القوات الوطنية الدفاعية والأمنية لهذا البلد، وتنفذها على أساس الاحترام الكامل بسيادة أفغانستان والاهتمام القوي بسلامة الشعب وأمنه، والاهتمام القوي بسلامة وأمن الشعب في بيوتهم.
تحقيقات حسب العادة
أثار الهجوم على مقر للجنود الأفغان اعتراضات كثيرة، وحسب المعمول به طيلة 14 سنة مضت شكّلت الحكومة الأفغانية وفدا لإجراء التحقيق بشأن حادث لوكر. وأظهرت القوات الأمريكية (حسب العادة أيضا)، أسفها بشأن الحادث ومع مواساتها لأسر الضحايا وعدت بإجراء التحقيق.
وبالنظر إلى تجارب ماضية خلال 14 سنة، إذ وعدت القوات الأمريكية بإجراء التحقيق بعد كل حادث، لم تظهر أي نتيجة لهذه التحقيقات. ويمكن القول هذه المرة أيضا بأن نتيجة هذا التحقيق أيضا سوف تنتهي إلى صمت أو أن القوات الأجنبية ستدعي بإطلاق النار عليهم من مقربة المقر العسكري للجنود وأنهم قصفوا دفاعا عن أنفسهم.
وأكدّت القوات الأفغانية بأنهم لم يطلبوا أي دعم جوي من القوات الأمريكية وأن عمليات القوات الأمريكية حدثت من دون تنسيق معهم.
ردة فعل “حكومة الوحدة الوطنية”
أظهر بيان القصر الرئاسي الأفغاني مدى ضعف أعلى سلطة البلد في الحفاظ على أرواح المواطنين. ويمكن لنا أن نعتبر هذا البيان نسخة لبيان أصدرته القوات الأمريكية بعد الحادث، إذ احتوى على أسف بشأن القتلى، وعلى مواساة مع أسر الضحايا، وأن وفدا شُكّل لإجراء التحقيق.
ولم يحتو البيان على ذكر ما تعهدت به القوات الأمريكية لأفغانستان في إطار الاتفاقية الأمنية، وطُلب منهم بلين القول أن يراعوا الحذر الكامل في المستقبل كي لا يحدث مثل هذا الحادث. وهو يعني أن هذه القوات راعت الحذر هذه المرة ولكن هناك ضرورة لمراعاة الحذر أكثر!
طلب عدد من أعضاء البرلمان الأفغاني تعاملا دستوريا مع هذه الجريمة. وإذا كان الهدف من التعامل الدستوري أن تقدم أمريكا توضيحا لنقضها التعهد في الاتفاقية الأمنية فإن الحكومة الأفغانية غير قادرة على ذلك. فلا تحتوي الاتفاقية الأمنية على ذكر مرجع يستمع شكوى الجانب الأفغاني إذا ما نقضت أمريكا التعهد.
وإنه غير معقول بأن نقبل أن القوات الأمريكية، التي تجول منذ سنوات عدة في سماء أفغانستان، لا تدرك موقع مقار القوات الأفغانية وخاصة تلك الواقعة على مقربة من العاصمة. أليس الهدف من وراء الهجوم تضعيف المعنويات لدى القوات الأفغانية وتوفير الأرضية لصناعة المليشيا في البلد؟
النهاية