الاتفاق النووي الإيراني الغربي وأثره على أفغانستان والمنطقة

منذ بضعة عقود كان ملف النووي الإيراني قضية ذات أهمية في الشرق الأوسط وسببت تدهورا في علاقات الثورة الإيرانية الإسلامية مع دول عدة في المنطقة وخاصة السعودية وإسرائيل. فهذه الدول رأت إلى إيران الذرية كخطر على نفسها وفي الوقت نفسه اعتبرت إيران قوة منافسة أمام نفوذها في المنطقة. ومنها اقتربت بعض الدول العربية ومعها إسرائيل من أمريكا ورحّبت بوضع العقوبات على إيران.

وكانت المحادثات جارية بين إيران والغرب على الملف النووي منذ عقد من الزمن، إلا أنها دخلت مرحلة تطورية فور تسلم حسن روحاني الرئاسة الإيرانية، وبعد 18 أشهر من المحادثات وصل الطرفان على توافق مبدئي مهّد الطريق لتوقيع اتفاقية نووية تاريخية على حد تعبير الطرفين.

وظهرت ردود فعل واسعة على المستوى العالمي بشأن التوافق، رحّبت بها دول كثيرة، كما ورحّبت بها كل أعضاء مجلس الأمن في الأمم المتحدة ضمن قرار برقم 2231. من جهة أخرى وفي الشرق الأوسط كانت ردود فعل مخالفة بشأن هذا الاتفاق، مما سبب تدهورا في علاقات بعض الدول العربية وإسرائيل مع أمريكا، وبعثت أمريكا وزيرها للدفاع إلى هذه الدول للإطمئنان، فالتقى ايشتن كارتر مع العاهل السعودي ملك سلمان ونتنياهو في إسرائيل.

إلى جانب ذلك، ظهرت في الإعلام الغربي توقعات بتعزيز العلاقات الدفاعية بين أمريكا وإسرائيل، وذلك للحد من المخالفة الإسرائيلية.

إن توافق إيران مع القوى النووية العالمية الست ستؤثر حتما على إيران وعلى سياستها الخارجية، ولكن ماذا سيكون أثره على المنطقة وأفغانستان؟

نظرة على برنامج إيران النووي

بدأ برنامج إيران النووي عام 1957م، عندما بدأت أمريكا التعاون مع إيران في خطة “النووي من أجل السلام”. بعدها تغير هذا التعاون بمنح أمريكا لإيران “خمسة ميكاوات من المفاعل النووية البحثية”[1]. حينها كانت العلاقات الأمريكية الإيرانية على ذروتها، وكانت طهران تُعتبر من حماة المصالح الأمريكية في المنطقة.

أسس رضاه شاه عام 1974م، منظمة إيران النووية، وأظهر أملا بأن تتمكن إيران في 20 عاما القادمة من توليد 23 ألف ميكاوات من الكهرباء عبر هذه الطاقة[2]، ولكن بعد حدوث “الثورة الإسلامية” في إيران تدهورت العلاقات الأمريكية الإيرانية، وكانت لها عوامل كثيرة على رأسها:

أولا: نقد الثوريين على أمريكا والغرب،

ثانيا: حبس الدبلوماسيين الأمريكيين،

ثالثا: وضع العقوبات على إيران.

رغم تدهور العلاقة تم التعاون الأمريكي مع البرنامج النووي والذي كانت في ثوب سلمي. إضافة إلى ذلك دخلت إيران في حرب طويلة مع العراق، ويرى بعض المراقبين بأن إيران اقتنعت خلال هذه الحرب بضرورة امتلاكها سلاحا نوويا كي تضمن أمنها.

وعلى حد وصف “منظمة الطاقة الذرية العالمية” حصلت إيران عام 1987م، على بعض مساعدات فنية من قبل عبدالقدير خان[3]. وفي التسعينيات وضعت أمريكا بعض التحضيرات على إيران، ازدادت أكثر فأكثر من عام 2002م، إلى عام 2014م. وبدأت إيران محادثات مع دول 5+1 على برنامجها النووي[4]. شهدت هذه المحادثات منحنيات كثيرة، ولكن لم يصل الطرفان إلى أية نتيجة حاسمة.

عندما أصبح حسن روحاني رئيسا لإيران، بدأت المحادثات على النووي من جديد، وتكلم الرئيس الأمريكي أوباما مع روحاني عبر هاتف، وكان ذلك أول اتصال على هذا المستوى منذ بضعة عقود.

في البداية اتفقت أمريكا مع إيران على اتفاقية لمدة ستة أشهر، كان بموجبه على إيران توقيف تخضيب اليورانيوم لمدة ستة أشهر، وعلى أمريكا توقيف وضع الحضيرات على إيران من أجل النووي الإيراني[5]. وأما الآن فقد تم التوافق مبدئيا على اتفاقية طويلة المدى بين إيران ودول 5+1.

إلى جانب ذلك، ظهرت في الإعلام الغربي توقعات بتعزيز العلاقات الدفاعية بين أمريكا وإسرائيل، وذلك للحد من المخالفة الإسرائيلية

الآن وبعد أربعة أشهر من المحادثات تطور توافق لوزان المبدئي إلى اتفاق جامع في فييانا.

ائتلاف إيراني أمريكي غير معلن

تحدث الإعلام كثيرا عن خطة أوباما، وصرّح هو بنفسه في حوار مع صحيفة نيويورك تايمز قائلا: “نحن نتعهد بالجاد أنهم (الإسرائيليون) يحافظوا على تفوقهم العسكري في المنطقة”. ولكنه يريد أيضا أن يخرج علاقاته مع كيوبا، وميانمار وإيران من دوّامه العقوبات. ومن هنا عزز علاقاته المتدهورة منذ خمسة عقود مع كيوبا من جديد، ووصل مع إيران، تزامنا مع انتشار داعش، على اتفاق نووي.

ويرى د.أحمد الموصلي أستاذ في الجامعة الأمريكية في بيروت بأن الأمريكيين وصلوا إلى قناعة بعدم القدرة على إرسال الجنود إلى الميدان، وأن إيران وحدها تستطيع محاربة التكفيريين. وبسببه أبرمت أمريكا الاتفاق النووي مع إيران وهو ما سيعزز الاقتصاد الإيراني كثيرا. وستعاد مثلا إلى إيران 120 مليار دولار من أموالها المجمدة، وسيرتفع إصدار إيران من النفط الذي تقلص على إثر تعزيرات 2012 و2013 إلى 50%. وهناك شركات دولية كثيرا ترغب في الاستثمار في إيران.

وتأتي الاتفاقية النووية في حال تريد أمريكا إحداث ائتلاف ضد داعش، وفي الصعيد نفسه زار قائد أركان الجيش الأمريكي أفغانستان. وتريد إيران أيضا إحداث نفس الائتلاف في المنطقة لاعتبارها داعش أكبر خطر على أمنها.

أثر الاتفاق النووي الإيراني الغربي على المنطقة

الشرق الأوسط: أثار الاتفاق النووي الغربي مع إيران ردود فعل كثيرة في السعودية وإسرائيل، لأن إيران تُعتبر منافسا قويا لهما في المنطقة. تتهم إسرائيل إيران بدعم حماس، وهناك منافسة إقليمية استراتيجة بينهما، أما السعودية فهي في منافسة فكرية واستراتيجية مع إيران.

اعتبرت إسرائيل هذا الاتفاق “خطأ تاريخيا”، ورأى نتنياهو رئيس الكيان الإسرائيلي أن هذا الاتفاق سيحول إيران إلى قوة ذرية خلال أسابيع عدة، وأن رفح التعزيرات سيجلب أموالا كثيرة لإيران مما سيعزز دخل إيران للصرف على صواريخ بعيدة المنال ودعم حزب الله وحلفائها.

وأظهرت السعودية أيضا قلقها من هذا الاتفاق، لأنها تخاف من إيران النووية. وتسائل المسؤولون السعوديون من كارتر وزير الدفاع الأمريكي خلال زيارته للمملكة، إذا ما خالفت إيران الاتفاق فهل تعود أمريكا لوضع العقوبات المالية؟ وتعهد وزير الدفاع الأمريكي بذلك لهم[6].

آسيا الجنوبية: وترى باكستان إلى ذلك بتفائل، لأنها سترفع سقف تجارتها مع إيران من جهة، ومن جهة أخرى تبدأ عملها في مشارع مشتركة مع إيران تم وقفها بضغوط أمريكية مثل مشروع غاز بين إيران وباكستان والهند.

ورحّبت الهند بالاتفاق أيضا واعتبرته في مصلحتها، لأن الاتفاق يفتح الباب أوسع على وجه تعاونات اقتصادية وتجارية بين الهند وإيران.

إيران تملك كثيرا من مصادر الغاز والنفط والهند بلد مصرفي يستورد كثيرا من الطاقات الضرورية، فيمكنها استيراد النفط من إيران. كانت الهند تستورد في 2008 و2009، 17% من ضرورتها في الطاقة من إيران، ولكن بعد وضع العقوبات الأمريكية على إيران توقف مشروع أنبوب الغاز بين إيران وباكستان والهند وتقلص استيراد الهند من إيران إلى 6%. إضافة إلى ذلك يصب هذا الاتفاق في صالح الهند في مجال النقل ويمكنها الوصول إلى أفغانستان وآسيا الوسطى عبر معبر شابهار.

أثر الاتفاق الإيراني الغربي على أفغانستان

يشعر كثير من الأفغان بقلق تجاه الاتفاق النووي بين الغرب وإيران، لأنهم يرون بأن الاقتصاد الإيراني المتصاعد يوفر أرضية أوسع لدعم حلفاء إيران في البلد وفي تعزيز الهجوم الثقافي. ولكن هناك من يرى غير ذلك، ويتوقع أن ينفع الاتفاق أفغانستان في المجال التجاري والاستراتيجي والاقتصادي. في الحقيقة سيؤثر هذا الاتفاق إيجابيا وسلبيا معا على الوضع الأفغاني.

إنه سيكون في صالح أفغانستان، لأن إيران يمكنهما من جهة العمل على مشارع اقتصادية مثل (أنبوب غاز بين الصين وأفغانستان وإيران)، ومن جهة أخرى ستدخل في منافسة مع إيران في مجال النفط، لأن أي بلد يرغب بمرور الأنبوب من أرضه. وتكمن الأزمة الأفغانية هنا في الوضع الأمني المتدهور يوميا، ولذلك لا يمكن العمل لا في المناجم ولا في أنابيب الغاز.

وبسبب الاتفاق النووي بين إيران والغرب ستنخفض أسعار النفط في الأسواق. لأن إيران تصدر حاليا 1.2 مليون برميل يوميا، وكان الرقم قبل وضع العقوبات 2.2 مليون برميل يوميا. وعند رفع العقوبات بناءً على الاتفاق النووي يرتفع التصدير الإيراني مما يزيد عرض النفط إلى الأسواق وهو ما يسبب انخفاضا في أسعاره. ولأن أفغانستان تصرف الكثير في استيراد النفط يمكنها بعد ذلك استيراد النفط من إيران بسعر أقل.

وسيجلب الاتفاق النووي تعاونا بين أمريكا وإيران في أفغانستان. وعلى حد تعبير محمد رضا بهرامي السفير الإيراني في كابول سوف يفتح رفع العقوبات الباب على الاستثمار الإيراني في أفغانستان، ويدعم البلد في مجال النقل. فقد تم وقف العمل، المدعوم هنديا، على معبر شاه بهار الإيرانية على مقربة من معبر غوادر الباكستانية بأسباب منها العقوبات الأمريكية على إيران. الآن وفي حال رفع العقوبات وانهماك الهند في التعاون مع إيران سوف يبدأ العمل على شاه بهار وهو ما سيؤثر كثيرا على أفغانستان في مجال النقل.

وفي المجال التجاري تزداد التجارة مع العالم والهند، لأن التُجار الأفغان يواجهون مشاكل كثيرة في باكستان، ورغم تحسن العلاقات بين البلدين تبقى هذه المشاكل على حالها. من جهة أخرى وبسبب اتفاقية “أبتا”، والعلاقات الهندية الباكستانية لا يمكن للتجار الأفغان أن ينخرطوا عبر باكستان في معاملات تجارية مباشرة مع الهند.

ويمكن لأفغانستان أن تلعب دور الوساطة في نقل الأمتعة الهندية إلى آسيا الوسطى، لأن الهند يمكنها بناء صلة مع تركمنستان عبر إيران فقط، لكنها تحتاج إلى أفغانستان في الوصول إلى طاجكستان وهي بلد له علاقات وثيقة مع الهند.

في المقابل هنك آراء سلبية تبعث على القلق، ومنها أن إيران يمكنها بعد رفع العقوبات أن يطلق عنان مواجهتا مع داعش في أفغانستان. وفيما تم ذلك بدون تنسيق مع الحكومة الأفغانية فإن إيران سوف تلجأ إلى مجموعة أخرى لتقاتل داعش. وهناك من يرى بأن أفغانستان بعد هذا الاتفاق سوف يصبح ميدانا للمنافسات والسياسات الإقليمية بالوكالة.

النهاية

[1] Iram Khalid & Rehana Saeed Hashmi, Iranian Nuclear Deal: Future Perspectives and Implications for the Region, Pakistan Vision, Vol. 15, No.1

[2] Arms Control, Timeline of Nuclear Diplomacy with Iran.

[3] Albright, D. (2007). Iran’s Nuclear Program: Status and Uncertainties, Washington DC: Congress Committee on Foreign Affairs.

[4]  دول 5+1 هي خمسة دول الأعضاء الدائمة في مجلس الأمن إضافة إلى ألمانيا.

 [5] راجع الرابط التالي:  http://www.aljazeera.com/news/middleeast/2013/11/shifting-focus-impact-iran-nuclear-deal-2013112481732726811.html

[6] لمزيد من التفاصيل راجع الرابط التالي:

http://www.nytimes.com/2015/07/23/world/middleeast/iran-nuclear-deal-saudi-arabia.html?_r=0

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *