الموقف الإيراني حيال السلام الأفغاني

صرح مؤخرا وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف في خطاب له موجه إلى البرلمان أن إيران لن تقبل بمصالحة الأجانب في أفغانستان وأن إيران لن تُساهم في عملية السلام. وكان قد كتب في تغريدة بعد إيقاف المفاوضات بين هيئة طالبان ووفد الولايات المتحدة الأمريكية ما نصه: (أنا قلقٌ جدا حيال أفغانستان. على الأجانب الذين هُزموا في أفغانستان أن يخرجوا من البلد وأن يتوقف الاقتتال، وخصوصا في الوقت الراهن الذي يستطيع الأجانب فيه أن يُجددوا الحرب ويستغلوا الموقف)، كما أضاف أن إيران مستعدة لبذل الجهود لإحلال السلام في أفغانستان. وعقب ذلك في تاريخ 17/سبتمبر من العام الجاري أوفدت حركة طالبان بلجنة  إلى إيران مكونة من أربعة أشخاص على رأسها عبدالسلام حنفي نائب المكتب السياسي لطالبان بقطر، والتقوا بكبار المسؤولين في إيران.

سنسلط الضوء في هذا المقال على موقف إيران تجاه السلام الأفغاني؛ في ظل العلاقات المتدهورة المتبادلة بين إيران من جهة وطالبان والولايات المتحدة الأمريكية من جهة أخرى.

علاقات إيران المتدهورة بالولايات المتحدة الأمريكية وطالبان

يرجع تاريخ تدهور العلاقات الأمريكية الإيرانية إلى الفترة ما بين 1979 -1981م حينما هجم مجموعة من الشباب الإيرانيين على السفارة الأمريكية بطهران وأسروا مجموعة من الموظفين الأمريكيين، وقد أدى ذلك إلى قطع العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين. وفي الفترة التي تلت أحداث الحادي عشر من سبتمبر صار برنامج إيران النووي سبب للاختلاف مع الولايات المتحدة الأمريكية وحليفاتها، وما زال هذا الخلاف مستمرا. مع وجود تدهور في العلاقات إلا أنه قد وُجدت فرص أيضا لتحسين العلاقات بين الطرفين، رغم أنها كانت نادرة، ومن هذه الفرص الهجوم الأمريكي على أفغانستان.

علاقات إيران بطالبان لم تكن حسنة منذ تأسيس إمارة طالبان الإسلامية. ترى إيران في طالبان جماعةً متشددة غير قابلة للتقارب مع التيار الشيعي بإيران، وقد بلغ برود هذه العلاقة ذروته عندما قُتل 9 دبلوماسيين إيرانيين في ولاية بلخ الأفغانية من قِبل طالبان، وعقب ذلك لم تتردد إيران في دعم قوات التحالف الشمالي بأفغانستان ضد حركة طالبان.

ولأجل تدهور علاقات إيران بطالبان فإن إيران أيدت الهجوم الأمريكي على أفغانستان وإسقاط حكومة طالبان عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وبالإضافة إلى ابتهاج إيران بسقوط حكومة طالبان، قامت إيران بمساعدات مخابراتية للجانب الأمريكي في حربه ضد طالبان، وافتتحت إيران بذلك ميدانا جديدا للتعاون المُتبادل مع الولايات المتحدة الأمريكية.

تغيُّر المواقف أم الانحيازات الاضطرارية؟

مساعي إيران المبذولة لفتح قنوات تعاون مع الجانب الأمريكي لم تُجدِ كثيرا، وخصوصا عندما ثار اللغط حول برنامج إيران النووي وواجهت إيران تحديات اقتصادية صعبة، مما حدا بإيران للتفكير في طرق مخابراتية وعسكرية مُبتكرة للتوغل في المنطقة بشكل أقوى. بروز جماعة داعش في العرق وسوريا جعلت إيران تبحث عن محالفين جدد. أحدثت داعش فرعا لها باسم خراسان وله نشاط في أفغانستان، وهذا الفرع يشتمل على شباب ينتسبون للتيار السلفي وهو تيار قادر على خلق مخاطر إستراتيجية على الحدود الإيرانية الشرقية. الجانب الإيراني يقلق من تزايد نفوذ حركة خراسان وتحولها إلى أقوى جماعة مقاتلة في أفغانستان. ولذا صارت حركة طالبان مرشحة مناسبة للصداقة مع إيران وذلك لأنها خالفت حركة داعش منذ بدء تأسيسها.

وفق التقارير المنشورة، ساندت إيران حركةَ طالبان في الفترة التي تلت عام 2014م بمعونات عسكرية ومخابراتية، إلا أن إيران أخفت علاقاتها بطالبان إلى ما قبل بدء مفاوضات السلام. وبعد بدء المفاوضات بين طالبان وإيران أزاح الجانبين الستار عن العلاقات الدبلوماسية. أرادت طالبان أن تحصل على امتيازات أكثر من مفاوضاتها مع الجانب الأمريكي، ورأت طالبان أن إعلانها عن علاقاتها مع إيران يجعلها في موقف أفضل. وهكذا أرادت إيران بعلاقاتها العلنية مع طالبان واستقبال وفودها على أرضها أن توصل رسالة إلى الولايات المتحدة الأمريكية بأنها تملك تأثيرا ونفوذا على الحركة وتقدر على الاستفادة منها ضد الجانب الأمريكي. وهكذا خرجت العلاقات المتدهورة بين طالبان وإيران من مساحة التدهور وقامت من جديد.

القلق من المستقبل

اختيار طالبان على أنها خطر أصغر من خطر داعش ليس السبب الوحيد لتغير رأي إيران حيال طالبان. يتفق كل من الجانب الإيراني وجانب طالبان على أهمية خروج الأمريكيين من أفغانستان وتشكيل حكومة جديدة في أفغانستان. ولكن ما هو نوع الحكومة المطلوبة؟ هذا هو الموضوع الذي يقلق منه الجانب الإيراني. مازالت إيران قلقة حيال نمط تفكير طالبان. في مراسلاتها السرية مع الولايات المتحدة الأمريكية ذكرت إيران أنها رأت من طالبان – في المفاوضات – إقبالا كاملا على موضوع إنشاء الإمارة الإسلامية وعدم الاستعداد للقبول بأقل من ذلك.

والخلاصة أن إيران ترغب أن يكون لطالبان سهم في الحكومة الأفغانية القادمة، إلا أنها لا ترغب في استلام طالبان لأزمة الحكم بشكل كامل. ولهذا تؤكد إيران على شمولية مفاوضات السلام لكل فئات أفغانستان وبمحورية الحكومة الأفغانية.

العلاقات مع طالبان وتأثيراتها على عملية السلام

ليس من المؤكد أن تكون إيران صادقة في ادعائها أن طالبان تؤكد على الرجوع الكامل لتأسيس الإمارة الإسلامية، إلا أن استخدام إيران لقنوات التواصل مع طالبان لفتح نوافذ تفاوض جديدة مع الجانب الأمريكي أمرٌ واضح. تريد إيران أن تُظهر قدرتها على استخدام طالبان في مكافحة داعش، كما توصل رسالة إلى الجانب الأمريكي بأن علاقاتها مع طالبان علاقات جيدة وتستطيع إحضارها لطاولة التفاوض، وتحذرها من مطالبات جماعة طالبان بالرجوع الكامل إلى نظام الإمارة الإسلامية.

مدى نفوذ وتأثير إيران على طالبان ليس واضحا. الجانب الأمريكي لا يُسلم بأن إحضار طالبان إلى طاولة التفاوض الإيرانية سيلعب دورا هاما كما أن الولايت المتحدة الأمريكية لا تؤمل في أهداف مشتركة حيال هذا الصدد. ولذا لم يُشر زلمي خليلزاد إلى سهم إيران – كدولة من دول المنطقة – في عملية السلام.

إذا بقيت إيران خارج عملية السلام، فكيف ستكون عواقب محادثات السلام؟ سنقدر على معرفة الإجابة بعد ظهور مدى تأثير إيران على حركة طالبان وقادتها. الشيء الثابت في هذا الصدد هو أن إيران ترغب في المساهمة في عملية السلام، كما أنها لم تُفوّت نصيبها من المساهمة في الحرب الأفغانية.

النتائج

إيران تخاف من تحول أفغانستان إلى وكر من أوكار داعش. ولذا فهي مضطرة لقبول أدنى الضررين والتصادق معه، وطالبان خير مرشح لذلك بسبب عداوتها مع الولايات المتحدة الأمريكية وعدائها لداعش وعلاقاتها المتدهورة مع السعودية. إلا أن إيران لن ترضى أبدا بانتصار طالبان في هذه النزاع، وهو أمر معلوم لطالبان. ولذا يؤكد الجهاز الدبلوماسي الإيراني على أهمية مشاركة جميع فئات الشعب الأفغاني في مفاوضات السلام بأفغانستان. المفاوضات السرية بين طالبان والولايات المتحدة الأمريكية غير مَرضيّة لدى الجانب الإيراني وذلك لأنها قد تتمخض عن نتائج يعسر على إيران هضمها.

إذا استمرت محادثات السلام بين طالبان والولايات المتحدة الأمريكية على نحو لا يتطابق مع أهداف إيران، فإن إيران ستحاول إفساد المفاوضات، ويتوقف نجاحها في الإخلال بعملية المفاوضات على عدة عوامل منها: مدى نفوذ وتأثير إيران على طالبان، ومدى الدعم الإيراني لطالبان. مع أن هناك مزاعم تفيد وجود دعم إيراني كبير لطالبان، إلا أن التدقيق في هيكلة تنظيم طالبان والخلفية العدائية بين الطرفين تجعلنا نشك في هذه المزاعم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *