صناعة الأدوية في أفغانستان؛ الفرص والتحديات
وفق التقرير المنشور حديثا من وكالة بي بي سي الإخبارية صرح مسؤولو وزارة الصحة العامة بأفغانستان أن صناعة الأدوية في البلد قد تطورت وخطت خطواتٍ نحو الكفاءة والاستغناء. كما أضافوا أن عددا من مصانع الأدوية قد بدأت بالإنتاج مما كان له آثار وإنجازات في هذا الصدد. يا تُرى إلى أي حد تقدمت هذه الصنعة في البلد، وما مدى جودة الأدوية؟ وكيف يتم إكمال الاحتياج الدوائي؟ وما هي الفرص والتحديات في هذا المجال؟ أسئلةٌ نُجيبُ عنها في هذا المقال.
نظرة سريعة على حالة الأدوية في أفغانستان
وفق التقارير فإن سكان الولايات بما فيها العاصمة يواجهون مشاكل من ناحية جودة الأدوية، وتُباع في مُعظم الصيدليات أدوية منتهية الصلاحية أو أدوية دنيئة الجودة. هناك عوامل ساعدت على ازدياد الأدوية نازلة الجودة منها قلة الكوادر الفنية، وقلة مصانع الأدوية، وعدم وجود آلات وأجهزة لفحص الأدوية، واستيراد الأدوية من الخارج عبر الطرق المخالفة للقانون واستيراد المواد الخام لصنع الأدوية من الخارج.
ولذا فقد الكثيرون ثقتهم في الأطباء وصاروا يُعالجون مرضاهم في الخارج. يُلاحظ أن أصل الإشكال ليس في عدم وجود الأطباء المحترفين وإنما يرجع الإشكال في الغالب إلى قلة الأدوية عالية الجودة. استطاعت الحكومة بالاستفادة من إمكانياتها المُتاحة أن تفرض رقابة نسبية على الأدوية منتهية الصلاحة والأدوية عديمة الجودة حيث أُطلقت حملات توعية حيال هذا الصدد في شتى أنحاء البلد وتم إغلاق الصيدليات التي تبيع الأدوية منتهية الصلاحية.
حسب الإحصائيات، تُستورد إلى أفغانستان سنويا أدوية بقيمة 650 مليون دولار، في حين أن الكثير من هذه الأدوية المستوردة ليست على مستوى الجودة المطلوبة.
الاحتياج الدوائي والجودة
تُكمل أفغانستان نسبة 95% من احتياجها الدوائي بالأدوية المُستوردة من الخارج، ومعظم الأدوية المستوردة تُستورد من باكستان وبنغلاديش وإيران والهند والدول الأوروبية. بشكل عام يُلاحظ أن الأدوية المُستوردة على ضربين، نوعٌ قد يكون عالي الجودة إلا أنه ليس مُسجلا ضمن قائمة وزارة الصحة العامة، ومن أمثلة ذلك أدوية السرطان التي تدخل أفغانستان بالتهريب، وعلى الإدارات المعنية بوزارة بالأدوية في وزارة الصحة أن تُسجل هذه الأدوية حتى تُساهم الشركات المُستوردة في إكمال الاحتياج الدوائي. والنوع الثاني من الأدوية هي الأدوية المُسجلة إلا أن الاستغلاليين يستوردونها بطرق غير قانونية ومُهربةً من باكستان إلى أفغانستان عبر الحدود الشرقية والجنوبية ويسعى مستوردو هذه الأدوية إلى استيراد ما انتهت صلاحيته ومن ثم يُعيدون طباعة تاريخ صلاحية جديد عليها مع تغليف وتعليب جديد ثم يتم إدخالها تهريبا إلى أفغانستان. من جانبٍ آخر فإن مصانع الدواء داخل أفغانستان غير قادرة على إكمال الاحتياج الدوائي بالبلد.
مصانع الأدوية داخل أفغانستان
مع أن شركة أجنبية باسم BRS قد وقعت مذكرة تفاهم مع الحكومة الأفغانية حيال الخدمات الصحية وصناعة الأدوية، كما أنه تم منح التصريح لعدد 56 شركة داخلية لصناعة الأدوية، إلا أن عددا من هذه الشركات مازالت تُجري أعمالها الإنشائية، كما أن عدد 45 شركة منها قد بدأت نشاطها في ولايات كابل وهرات وننجرهار وقندهار ومزار شريف. مصنع صنع محلول مصل الدم في حال إعادة إنشاء حاليا بعد توقفه لما حل به من تخريب إبان الحرب الأهلية، ويُتوقع استئناف نشاطه في المستقبل القريب.
تحتاج صناعة الأدوية في الداخل إلى استثمار ضخم، ومن جانبٍ آخر فإن هذه الصناعة لها آثار إيجابية طويلة المدى على البلد. في بلد تضرر من الحروب لعدة عقود مثل أفغانستان هناك حاجة إلى تأسيسات ذات ثبات واستقرار، والاستثمار في هذا القطاع الهام لا يُعد هدرا للأموال بحال من الأحوال. مع أن هناك تحديات مثل قضية التدهور الأمني وقلة المواد الخام والكوادر الفنية والطاقة الكهربائية وقد عرقلت هذه التحديات عملية صنع الأدوية في الداخل، إلا أن المستثمرين الداخليين قد استغلوا إمكانياتهم لتطوير هذا القطاع، على سبيل المثال عُملت استثمارات ضخمة في ولاية قندهار في قطاع الأدوية على نحو ليس له نظير في دول المنطقة. أدوية الأعشاب والطب اليوناني التي لها تاريخ طويل من الاستخدام في البلد قد ساهمت كذلك في تلبية الاحتياج الدوائي إلى حد ما، إلا أن العاملين بإنتاجها يشكون من عدم وجود الأجهزة والإمكانيات. قد تكون الأعشاب الدوائية متوفرة في أفغانستان، إلا أن هذه الصناعة كذلك قد استندت على المواد الخام المستوردة بسبب قلة الكوادر والأجهزة الحديثة.
النتائج
الدواء شيء استخدمه الإنسان منذ القدم للعلاج والوقاية من العلاج، وكل دولة تسعى إلى إنتاج أدوية عالية الجودة لمكافحة الأمراض، كما أن إنتاج الأدوية يرفع معدل تصديرات البلد. بلدٌ مثل أفغانستان التي تقع في موقع إستراتيجي يستطيع من خلال الاستثمار في مجال صنع الأدوية أن ينفع شعبه ومن جانبٍ آخر فإن هذا الاستثمار سيقلل من المبالغ التي تُستوردُ بها الأدوية من الخارج – والبالغ قدرها 650 دولار – وتقدر عندها على استخدام هذه المبالغ في تصدير الأدوية محلية الصنع، ولأجل ذلك على الحكومة أن تزيد الضرائب على الأدوية المستوردة وتقلل الضرائب على المواد الخام المستخدمة في صنع الأدوية.من جانبٍ آخر، معظم السكان المحليين لا يستخدمون الأدوية المحلية، وإذا سعت الدولة في توفير الأجهزة والوسائل لإنتاج الأدوية في أفغانستان فإن ذلك سيجلب ثقة الشعب في الإنتاج المحلي، ولن يكون بعيدا حينها – إذا زاد وعي العامة – أن يستبدلُ السكانُ بالأدوية المستوردةِ الأدويةَ محلية الصنع وسيدعم ذلك اقتصاد البلد. كما على الدولة أن تساعد الشركات العاملة بهذا المجال في التسويق. ولأجل أن تصل أفغانستان إلى حالة الاكتفاء الذاتي في مجال صنع الأدوية على الحكومة أن تُربي الفنيين في هذا المجال وتمنح الطلبة المنح الدراسية المخصصة لدراسة الصيدلة، كما يمكن توظيف أخصائيّي الصيدلة الأجانب في أفغانستان، الذين لديهم خبرة طويلة في مجال صنع الأدوية.