تفجير (هسکه مینه) وسلسلة الخسائر في أرواح المدنيين
شهدت ولاية ننجرهار يوم الجمعة 18/أكتوبر/2019 حادثا أليما ومفجعا. وقع الحادث في أحد المساجد بمديرية جودري أثناء أداء المصلين لصلاة الجمعة.
أودى الحادث بحياة 70 شخصا وجُرح أكثر من 100 شخص، ولم يتم تبني التفجير من أي جهة، وقد أنكرت حركة طالبان تورطها في الحادث.
تم شجب التفجير على الصعيد المحلي والدولي من قبل الحكومة الأفغانية ومنظمة الأمم المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية والصين وروسيا والهند وباكستان وإيطاليا وإيران والسفير الأمريكي في كابل وقيادة الناتو في أفغانستان.
كما وسمت منظمة العفو الدولية الحادث بأنه يدخل ضمن جرائم الحرب، وأضافت أن تزايد عدد الضحايا المدنيين في أفغانستان يستوجب اهتماما دوليا أكبر.
مع استحضار ما مرت به البلاد خلال عقد من الزمن فإن محادثات السلام وصلت إلى تطورات واعدة في الأشهر القليلة الماضية، إلا أن المحادثات قد أُوقفت منذ نحو شهرين، والمواطنون الأفغان هم من يدفعون ضريبة عرقلة السلام بدمائهم في مثل هذه الأحداث.
سنسلط الضوء في هذا المقال على حادث (هسكي مينه)، والضحايا المدنيين، كما سنلقي نظرة على تقرير مكتب يوناما حيال الضحايا المدنيين في أفغانستان، ما هي الاستشرافات حيال ما ستؤول إليه أوضاع البلد الراهنة.
حادث هسکه مینه
هذا الحادث أحد الحوادث التي لم يتبنها أي طرف، والسنوات الخمس الماضية شهدت حوادث مشابهة كثيرة لم يُعرف مرتكبوها حتى الآن. بدأت الحكومة وكذلك المجتمع الدولي تحقيقات حيال الحادث، إلا أن التجارب تفيد أن التحقيقات لن تثمر أي نتائج إيجابية، وبشكل عام نقول إن هذه الحوادث والحرب الجارية تودي بحاية الأبرياء وحسب.
سافر الرئيس محمد أشرف غني إلى موقع الحدث لتعزية المصابين، ووعد بالعثور على المتورطين في الحادث، كما أكد على أن الحكومة المركزية ستُقدم رعاية خاصة للمصابين وذويهم، وكلف الرئيس مستشاره في الأمن القومي حمد الله محب بمتابعة شؤونهم.
كما طالب مجلس الشيوخ بإعلان العزاء الوطني، وقامت مؤسسة إحساس الخيرية بتقديم المساعدات الإنسانية للمتضررين بالمنطقة.
وصلت جميع الأطراف المتورطة في الحرب بأفغانستان إلى قناعة بأن أزمة أفغانستان لن تُحل عبر الطرق العسكرية، وإنما عبر الحوار والمفاوضات، وإذا كانت الطرق العسكرية ناجحة في حل الأزمة لَحُلت – ولو بشكل نسبي – إلا أننا نرى أن الحرب تزداد ضراوة كل يوم، ويدفع ضريبتها عامة أفراد الشعب.
حادثة هسكي مينة ومثلها الكثير من الأحداث ضريبة تسببت فيها الحرب، ويدفع هذه الضريبة المواطنون الأفغان، وكلما زاد تأخير مفاوضات السلام ارتفعت قيمة هذه الضريبة.
ارتفاع عددالضحايا في صفوف المدنيين
طيلة مدة 18 عاما التي خلت، لم تهتم الأطراف المتورطة في الحرب بأرواح المدنيين، ولذا يسقط كل عام بالإضافة إلى المتقاتلين آلاف الضحايا المدنيين.
وفق الإحصائيات المنشورة من مكتب الأمم المتحدة لإعادة إنشاء أفغانستان (يوناما) فإن إجمالي الضحايا الذين سقطوا خلال الفترة من 2009م إلى عام 2019م يبلغ 90 ألف شخص.
بعد توقيع الاتفاقية الأمنية مع الولايات المتحدة الأمريكية عام 2014م بدل أن تتحسن الأوضاع الأمنية؛ ازدادت الأوضاع سوءا وارتفع معدل سقوط الضحايا. وفق إحصائيات يوناما فإن عدد الضحايا الذين سقطوا سنويا في فترة حكومة الوحدة الوطنية يبلغ 10 آلاف شخص، والأوضاع الأمنية تزداد سوءا يوما بعد يوم، مما يُنذر بوقوع كارثة، وحدث (هسكي ميني) نموذج واضح على ذلك.
المنظمات المهتمة بالضحايا المدنيين تُلقي باللائمة على المعارضة المسلحة، إلا أن القوات الحكومية والأجنبية متورطة في ارتفاع الضحايا المدنيين أيضا، ويتم التستر على دورهم في هذا الصدد.
الغارات الجوية التي تشنها الطائرات القوات الأجنبية تُطلق النار على المدنيين في المدارس والمساجد والتجمعات والأفراح، وقد أودت بحياة الألوف من المدنيين خلال السنوات الماضية.
التقاریر الاخیره حول ضحایاالمدنیین
تفيد الإحصائيات المنشورة من مكتب يوناما أن عدد الضحايا المدنيين قد وصل ذروته في الربع الثالث من عام 2019م.
بشكل إجمالي، بلغ عدد الضحايا المدنيين في الأشهر التسعة الأولى من العام الميلادي الجاري 8239 شخصا (2563 قتيل و 5676 جريح)، وهو يُعد أكبر رقم منذ عام 2014م. كما تم تسجيل أكبر عدد من الضحايا في الربع الأخير من العام. عدد الضحايا في الأشهر التسع الأولى من العام الجاري زاد عن عدد الضحايا في الأشهر التسع الأولى من العام الميلادي الماضي بنسبة 42%. كما أن عدد الضحايا في شهر يوليو من العام الجاري بلغ رقما غير مسبوق منذ عام 2009م. حصل انخفاض في عدد الضحايا في الأشهر الستة الأولى من العام وقد كان ذلك في معظمه بسبب قلة الضحايا الذين سقطوا من جراء هجمات المعارضة المسلحة، إلا أن إيقاف مفاوضات السلام في الربع الثالث من العام الجاري تسبب في زيادة معدل الضحايا المدنيين. كما أن عدد الضحايا الذين سقطوا جراء هجمات القوات الحكومية خلال الأشهر التسع الأولى من العام الميلادي الجاري قد زاد ووصل ذروته بسبب شن القوات المساعدة للحكومة غارات جوية ومداهمات ليلية. قال مبعوث الأمم المتحدة في أفغانستان تداميتشي ياماموتو: ” ارتفاع عدد الضحايا المدنيين بسبب الحرب في أفغانستان يُبين أهمية مفاوضات السلام التي من شأنها أن توقف إطلاق النار وتمهد الطريق لاستقرار سياسي دائم، ولا يوجد أي طريق سوى هذا”. كما أضاف قائلا: “الإيقاع بالضحايا المدنيين غير مقبول إطلاقا، وخصوصا أن الجميع يرون عدم كفاءة الحلول العسكرية في حل الأزمة الأفغانية”.
وفق التقرير المشار إليه فإن نسبة 41% من الضحايا هم نساء وأطفال. في الأشهر التسعة الأولى من العام الميلادي الجاري بلغ عدد الضحايا الإناث 923 امرأة (261 قتيلة و 662 جريحة)، وبلغ عدد الضحايا الأطفال 2461 طفلا (631 قتيلا و 1830 جريحا ).
إلى أي اتجاه تسير الأوضاع الراهنة؟
عندما تم إيقاف مفاوضات السلام تم تحويل بوصلة الاهتمام إلى الانتخابات الرئاسية الأفغانية بدلا عن السلام، وتم إجراء الانتخابات بتاريخ 28/سبتمبر/2019م. يُخمن أن عدد الذين سجلوا أسماءهم للتصويت يبلغ 9 ملايين شخص، إلا أن عدد من أدلوا بأصواتهم في الانتخابات يبلغ مليونيْ شخص، وقد قُدّر أن يكون الإعلان عن النتائج الابتدائية في تاريخ 19/أكتوبر/2019م، إلا أن ذلك قد أُجل إلى أمد غير محدد.
ومع توقف محادثات السلام لوحظ ازدياد تردد المسؤولين الأمريكيين على أفغانستان، وخصوصا المناصرين لبقاء القوات الأمريكية في أفغانستان. في هذا السياق حضر وزير الدفاع الأمريكي إلى أفغانستان في سفر غير معلن يوم الجمعة الماضية وظهر في مؤتمر صحفي مع وزيري الداخلية والدفاع الأفغانيين، وصرح بأن حركة طالبان قد تم قمعها أكثر من أي وقتٍ مضى، كما أثنى على القوات الأمنية الأفغانية وثمّن تحول وضعهم من الدفاع إلى الهجوم، كما وعد بأن تقدم بلده المساعدات طويلة المدى لأفغانستان.
وفي الصدد نفسه قدم وفدٌ من مجلس الشيوخ الأمريكي إلى أفغانستان برئاسة نانسي بيلوسي، وتم لقاؤهم بالرئيس الأفغاني والرئيس التنفيذي والمسؤولين العسكريين الأفغان، وأثنت رئيسة الوفد على جهود القوات الأفغانية، وقالت إن تضحية القوات الأفغانية ليست للمحافظة على أفغانستان فحسب وإنما تصب كذلك في المحافظة على الاستقرار العالمي.
المسؤولون الأمريكيون منذ إيقاف مفاوضات السلام يستخدمون لغة الحرب حين الحديث عن القضية الأفغانية ويُلاحظ كذلك تدهور الأوضاع الأمنية بأفغانستان وارتفاع معدل الضحايا المدنيين والذي يُعد حادث التفجير الأخير في جلال آباد أوضح مثال له، وكل ذلك يدلنا على أن مناصري استمرار الحرب الأفغانية في الداخل والخارج يستغلون الأوضاع المتأزمة الراهنة لصالحهم ولذا يُفضلون الإجراءات العسكرية على خيار تفعيل مفاوضات السلام، في حين أن استمرار الحرب في أفغانستان لن يودي بحياة الشعب الأفغاني فحسب، وإنما سيُسبب في المنطقة أزمات غير قابلة للسيطرة.