ذكرى المظاهرة الطلابية في الخامس والعشرين من أكتوبر/1965م بكابل

عندما أراد رئيس الوزراء الأفغاني الدكتور محمد يوسف أن يحصل على موافقة اعتماده من البرلمان – وقد كان أول رئيس وزراء من خارج الأسرة الحاكمة – أُثيرت مظاهرة طلابية بسبب عدم إجراء عملية جمع الأصوات للاعتماد بشكل علني ولمنع الطلبة من الدخول إلى البرلمان.

وفق رواية كتاب القصة الحمراء بدأت المظاهرة عندما أراد ثلاثون شخصا معظمهم من الطلاب أن يدخلوا إلى البرلمان في الثالث من شهر عقرب، وتم منعهم من الدخول من قِبل الحراس الأمنيين، ويُقال إنهم ألقوا بالحجارة على الحراس الأمنيين. ولأجل تعزيز جانبهم تحرك المعترضون باتجاه مدرسة حبيبية، وقد بلغ عددهم عندما وصلوا إلى المدرسة 50 شخصا. تم قرع جرس المدرسة من قِبل الدكتور همدرد ( خريج كلية الطب الذي عُين رئيسا للشؤون الصحية بوزارة الدفاع بعد استلام الشيوعيين للحكم في أفغانستان )، في البداية لم يُلق الطلبة بالا للموضوع ولم يتحمسوا للمشاركة في المظاهرة، وعندما أعلن أحد مدرسي الرياضيات – واسمه مسجدي خان – أنه سيذهب مع المتظاهرين إلى البرلمان؛ انضم إلى المتظاهرين عدد من الطلبة.

المظاهرة ونتائجها

تحرك المتظاهرون من مدرسة حبيبية باتجاه مقر البرلمان، وكان عددهم حينها يزيد على الألف، وتصدت لهم القوات الأمنية ومنعتهم من الاقتراب من البرلمان. تحركت الجموع مرة أخرى باتجاه مدرسة حبيبية، وتوقفوا في منطقة سُميت فيما بعد باسم بيت العلم والثقافة الشيوعي، حيث ألقى محمد طاهر بدخشي [1] بيانا حماسيا على أسماع المتظاهرين. واتجه المتظاهرون مرة أخرى باتجاه البرلمان إلا أن القوات الأمنية لم تسمح لهم بالورود. في هذه الأثناء قرر المتظاهرون السير صوب جامعة كابل من طريق منطقة (كارتة جهار) لأجل تعزيز أعدادهم بطلاب الجامعة ومن ثم العودة بعدد أكبر إلى البرلمان. احتشد المتظاهرون في جامعة كابل حول مقبرة موقظ الشرق العلامة جمال الدين الأفغاني، وألقى كل من المهندس عثمان، وعين علي بنياد، والدكتور ياري [2] وأحد إخوة الدكتور محمودي كلمةً حثوا فيها المتظاهرين على مقاومة الحكومة. توقف المتظاهرون مرة أخرى أمام كلية الطب، وتحدث أمام المتظاهرين كل من سلطان علي كشتمند، وأستاذ علم النفس محمود بريالي، وآخرون. تحرك المتظاهرون من طريق كارته سخي إلى منطقة شهر آرا، ومروا بمستشفى (قواي مركز)، والمقر السابق لوزارة الداخلية، ودوار صدارت، ودوار بشتونستان مرددين شعارات مضادة للحكومة حتى وصلوا إلى منطقة (سباه كمنام)، واستمرت الخُطب هناك أيضا.عبر المتظاهرون بعدها من مناطق سينما بامير، و شاه دو شمشيره، و جسر بل باغ عمومي، والهلال الأحمر ووصلوا إلى منطقة دهمزنك. يُقال إنه تم إلقاء قنابل الغاز المسيل للدموع على المتظاهرين لأجل تفريق جموعهم، وقد عمد المتظاهرون إلى طريق فرعي يوصل إلى شارع دار الأمان المتصل بالبرلمان، وفي نقطة اتصال منطقة سراي غزني بشارع دار الأمان تصدت لهم القوات الأمنية، واتجه المتظاهرون بعدها صوب (كارته جهار). في شارع سراي غزني العام أُشيع بين المتظاهرين أن الشرطة أوقفت عددا من المحتجين في مخفر منطقة (كارته سه) ويجب إطلاق سراحهم. تحرك المتظاهرون باتجاه المخفر، وأصدر الجيش أوامر للمتظاهرين بالتفرق، وعندما لم يستجب المتظاهرون لأمر الجيش تم إطلاق النار باتجاه الأعلى أولا ثم تم إطلاق النار على المتظاهرين. وقد كان بيت الدكتور محمد يوسف أعظم قريبا من محل الحدث. تتحدث الروايات عن تقاذف بالأحجار بين المتظاهرين وأفراد الشرطة، ويُحكى أن أحد أفراد الشرطة أصيب بجروح بالغة بسبب قذفه بالحجارة من قِبل المتظاهرين. هناك مزاعم مختلفة حول عدد ضحايا المظاهرة. يقول مؤلف كتاب القصة الحمراء حيال الضحايا ما نصه: ” يُقال إن نحو 40 إلى 50 شخصا استُشهدوا في المظاهرة، والحقيقة أنه لم يسقط أكثر من شهيدين وقليل من الجرحى”. لم يُسمِّ الكتاب أسماء الشهداء والجرحى، إلا أن بعض الكتاب ذكر اسم الشهيدين وهما حسن خياط وشكر الله، موضحين أن الأول كان متدربا في محل خياطة والثاني كان طالبا بثانوية الزراعة بكابل.

دوافع المظاهرة

مع أن اليساريين يعتبرون هذه المظاهرة من ابتكاراتهم، إلا أن آخرين يرون المظاهرة ناشئة عن حالة منتشرة من السخط وأن قادة حزب الشعب الديمقراطي استغل ضعف وعي الطلبة ووجهوا المظاهرة إلى ما يجر عليهم بعض المصالح والمآرب. قال محمد إبراهيم عطائي في كتابه (نظرة مختصرة في تاريخ أفغانستان المعاصر) : “أحداث الثالث من شهر عقرب لم تكن مهولة إلى الحد الذي يُزعم، وقد قامت الجماعات اليسارية وخصوصا الشيوعيون بنشر المبالغات حيال هذه المظاهرات”..[3] يرى آخرون أن الوضع الاقتصادي والاجتماعي لم يكن مستقرا في فترة حكومة ظاهر شاه، وكانت السيطرة على أمور البلد بيد آل يحيى، وقد أثار ذلك حفيظة الكثيرين في البلد وخصوصا فئة المتعلمين والمثقفين، وقد كان هؤلاء في حالة مستعدة للمعارضة السرية ضد الحكومة الملكية عند بزوغ أي فرصة، وقد كانت أحداث الثالث من شهر العقرب إحدى هذه الفرص. عند تصويب الدستور عام 1964- والذي ضمن حق حرية التعبير وحرية الأنشطة السياسية – انتفضت أحساسيس الناقمين على الحكومة الملكية مرة أخرى. وعلى إثر تفعيل الدستور الجديد بدءا من تاريخ (1/جنوري/1965) أعلن حزب الشعب الديمقراطي الأفغاني حضوره بقيادة نور محمد تره كي، وقد كان هذا الحزب يشارك في كل حراك ومظاهرة مُعارضة للحكومة مع سعي لتوجيه الحراك لصالح الحزب.

آثار الحدث

أول نتيجة للحادث كان استقالة الدكتور محمد يوسف بعد أيام قليلة من المظاهرة، وتم تعيين محمد هاشم ميوندوال عوضا عنه. شارك ميوندوال في عزاء قتلى الحادثة ووعد بإلقاء القبض على المتورطين في القتل وتطبيق العدالة فيهم.

لو دققنا النظر لوجدنا أن استقالة الدكتور محمد يوسف يُبين أخلاقية الحكومة في تلك الفترة، حيث إن الحكومات التالية بعد عقد الديمقراطية لم تشهد استقالة أي من رؤساء الوزراء أو رؤساء الجمهورية رغم مقتل وجرح الآلاف من المواطنين.

الأثر الثاني للحادث هو استغلاله من قِبل حزب الشعب الديمقراطي الأفغاني. يتم الاحتفال بذكرى هذا اليوم كل عام وقد استمرت هذه الاحتفالات حتى عام 1974 والذي اعتلى فيه محمد داود كرسي الرئاسة وكان أول رئيس للجمهورية، وبعد انقلاب عام 1978 ازدادت مظاهر الاحتفال بهذا اليوم.

الأثر الثالث لهذا الحدث هو إشاعة ثقافة المظاهرة في أفغانستان. وفق شهادة بعض الكتّاب فقد كانت هذه المظاهرة أول احتشاد منظم وواسع في تاريخ أفغانستان المعاصر.

النتائج

في تاريخ 20/سبتمبر/1964 صوّب مجلس الاستفتاء الشعبي الدستورَ الذي كان فاتحة لعقد من الديمقراطية، وفي التاسع من شهر ميزان في العام نفسه تم اعتماد الدستور من الملك محمد ظاهر شاه. وفي الدستور الجديد حل نظام الملكية الدستورية مكان الملكية المطلقة. وفي أقل من 13 شهرا أقيمت مظاهرة ضد الحكومة إلا أن الحكومة قمعت المظاهرة.

يدلنا هذا الحدث على أن الحكومة لم تتسم بالحنكة والحكمة في تحمل حرية الشعب، كما أن التيارات الثقافية لم تكن واعية بأفضل الطرق لاستغلال الحريات. الأول يُطلق النار على المتظاهرين، والثاني يود أن يلعب دور مشرّعي البرلمان ويُحدث التغيير من وسط قاعة مجلس النواب.

آخر ما يُذكر هنا هو أن ظاهر شاه اعترف رسميا بتشكيل الأحزاب، إلا أنه لم يُوقع على قانون نشاط الأحزاب، مما أدى إلى عرقلة نمو الديمقراطية الفتيّة في البلد. أما الأحزاب اليسارية التي كانت تتمتع بالدعم الخارجي فقد زعزعت الاستقرار السياسي واستغلت الأجواء التي كانت مخيمة على أفغانستان.

[1]  محمد طاهر بدخشي هو أحد مؤسسي الحزب الديمقراطي الشعبي بأفغانستان، ومن ثم صار قائدا لمنظمة الثوار الأفغان

[2]  الدكتور أكرم ياري هو مؤسس حزب شعلة أو حزب شباب أفغانستان المتقدم

[3]  عطائي، محمد إبراهيم: انظر: تاريخ أفغانستان المعاصر، نشر ميوند، تاريخ الطبع: 1389هـ ش

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *