الذكرى السبعون لتأسيس حلف شمال الأطلسي، وقضية أفغانستان

استضافت بريطانيا في الثالث والرابع من ديسمبر/2019 قمة دول حلف شمال الأطلسي. حضرَ القمة قادة الدول الأوروبية، والرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ومندوبي الدول الأخرى المنضوية في حلف الناتو، ومندوبي الأمم المتحدة والبنك الدولي.

في اليوم الثاني للقمة اشتملت أجندة المجلس النقاشَ حول قضية السلام الأفغاني ونتائج الإنتخابات الرئاسية بأفغانستان، وقد خلصت القمة إلى التأكيد على دعم حلف الناتو للقوات الأفغانية الأمنية، والترحيب باستئناف المفاوضات بين الولايات المتحدة الأمريكية وطالبان، كما طالب المجلسُ بالمسارعة في إعلان نتائج الانتخابات، وقبول نتائجها من قِبل كافة الأطراف في أفغانستان.

بالإضافة إلى قضية الدعم المالي للقوات الأفغانية، أعلنت بعض دول حلف الناتو عن اعتزامها تعزيز دعمها التربوي والاستشاري للقوات الأفغانية. كما أكد السكرتير العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ أن قوات حلف الناتو ستبقى في أفغانستان ما دامت هناك حاجة لبقائها.

في هذه الورقة سنتحدث عن حضور قوات حلف الناتو في أفغانستان، ودور الحلف في قضية السلام الأفغاني، وقمة الذكرى السبعين لتأسيس حلف الناتو المنعقدة في لندن، وعلاقة قرارات القمة بمستقبل السلام في أفغانستان.

حلف الناتو و دورها فی افغانستان

الناتو NATO منظمة سياسية عسكرية أُسست بعد الحرب العالمية الثانية في الرابع من أبريل/1949م تحت مسمى “حلف شمال الأطلسي” ، من قبل دول أوروبا الغربية والولايات المتحدة الأمريكية لمنع أي أخطار احتمالية من قِبل دول أوروبا الشرقية، والاتحاد السوفييتي السابق.

بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، عندما هجمت الولايات المتحدة الأمريكية في السابع من أكتوبر/2001م على أفغانستان وأسقطت حكومة طالبان، سُلمت مسؤولية المحافظة على أمن أفغانستان لقوات الآيساف ISAF، بعد أخذ التصريح للهجوم الأمريكي من قِبل الأمم المتحدة، وقد سُلّمت قيادة قوات الآيساف إلى حلف الناتو عام 2003م.

نشطت القوات الدولية في أفغانستان وقامت بمهمتها العسكرية المسماة بـ PRT بدعم أمريكي وبقيادة حلف الناتو حتى عام 2014م، وقد اشتملت أنشطتها على دعم في مجال إعادة التأهيل كذلك، إلا أن الدعم لم يكن في مجال البنية التحتية.

أظهر الهجوم الأمريكي على أفغانستان عام 2001م أن الهدف هو حل قضية أسامة بن لادن والقضاء على إمارة طالبان، وتأسيس الجيش الأفغاني واستحداث حكومة ديمقراطية في أفغانستان تُرسي دعائم الأمن والسلام، وقد وقفت دول حلف الناتو ودول المجتمع الدولي بجانب الولايات المتحدة الأمريكية في السعي لتحقيق هذه الأهداف، إلا أن هذه الأهداف لم تُحقق بالكامل، والسبب هو أن الولايات المتحدة الأمريكية تابعت أهدافا أخرى لها في المنطقة، ولذا مازالت الحرب مستمرة في أفغانستان وتُسقطُ المئات والآلاف من الجرحى والقتلى. رغم أن عدد القوات الأمريكية وقوات حلف الناتو في أفغانستان قد انخفض من نحو مئة ألف حتى وصل إلى نحو 14000 جندي، إلا أن الحرب مازلات مستعرة بشدة، وبالإضافة إلى طالبان فإن تنظيم داعش كذلك بدأ نشاطه في أفغانستان، ونتيجة للعمليات العسكرية التي شنتها القوات الأفغانية شرق أفغانستان ضد عناصر داعش بدعم من القوات الأمريكية وقوات حلف الناتو فقد تم استئصال داعش من ولاية ننجرهار الشرقية – حسب تصريح القوات الأفغانية، إلا أن الرئيس الفرنسي امانوويل ماكرون قال في القمة المشار إليها آنفا أن تنظيم داعش خطرٌ يهدد أمن العالم، وأن هناك دعايات لصالح داعش في عدة دول، كما طالب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالاتحاد ضد داعش وذكر أن هذا التنظيم يُعد خطرا يهدد أمن أفغانستان، أما الرئيس الأمريكي – بخلاف تصريحات المذكورين – قال إن مقتل رئيس داعش يعني زوال التنظيم. 

حِلف الناتو والسلام

الحرب التي بدأتها الولايات المتحدة الأمريكية في أفغانستان بدعم من حلف الناتو لأجل تأسيس حكومة ديمقراطية مع أنها كانت قائمة على قدم وساق بحضور أكثر من مئة ألف جندي أجنبي في أفغانستان حتى عام 2014م، لم تنتهِ حتى الآن، ولم تقضِ هذه الحرب على طالبان، كما أنها لم تجلب السلام للبلد. القوات الأجنبية تركت أفغانستان مستعرة بنيران الحرب وأسلمت قيادَ الحرب للقوات الأفغانية، وخرج عشرات الآلاف من الجنود الأجانب من أفغانستان؛ إلا أن نحو 14000 جندي أجنبي مازالوا حاضرين في أفغانستان وينتمون لـ 29 دولة أجنبية. مع اعتلاء دونالد ترامب كرسي الرئاسة الأمريكي، أعلن عن مخطط أمني جديد لدول جنوب آسيا وكانت نقطة تركيز المخطط موجهةً نحو أفغانستان. المخطط المذكور جعل أفغانستان ميداناً للحرب وتم تصعيد الهجمات والغارات الجوية والعمليات العسكرية التي أسفرت عن مقتل الكثير من المدنيين الأفغان، وحسب تقرير (يوناما) الأخير فإن حصيلة عام 2018م فقط بلغت 10993 شخصٍ من القتلى والجرحى المدنيين الأفغان. الرئيس الأمريكي في أواخر عام 2018م علم أن الحل الوحيد للقضية الأفغانية هي التفاوض والتحاور، ولذا بدأ مفاوضات السلام مع طالبان، وعيّن السفير الأمريكي السابق زلمي خليلزاد مندوبا خاصا للتفاوض مع طالبان، ومنذ ذلك الحين عُقدت تسع مجالس تفاوض مطولة في بين الجانبين، وكاد الطرفان أن يصلا إلى تفاهم نهائي، إلا أن الرئيس الأمريكي قبل مدة وجيزة أعلن إلغاء المفاوضات نتيجةً لتفجيرٍ يُنسب لطالبان وقد راح ضحيته جندي أمريكي واحد. موقف الرئيس الأمريكي أثار ردود أفعال واسعة على مستوى دول المنطقة والعالم. وفي تاريخ 28/نوفمبر من هذا العام أعلن الرئيس الأمريكي في زيارته المفاجئة لأفغانستان عن استئناف المفاوضات الأمريكية مع طالبان حيال السلام بأفغانستان، وبالتزامن مع هذا قدمَ زلمي خليلزاد إلى أفغانستان وبعد اللقاء بقادة الحكومة الأفغانية اتجه إلى قطر لاستئناف المفاوضات المباشرة مع مندوبي تنظيم طالبان.

الناتو ومستقبل أفغانستان

أشادت دول حلف الناتو في القمة الأخيرة بعملية استئناف مفاوضات السلام بين الولايات المتحدة الأمريكية وقطر، وفي هذا الصدد قال السكرتير العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ: “نحن ملتزموا بالاستمرار في دعم أفغانستان، وذلك لأننا نوقن بأن دعم القوات الأفغانية وتقديم المشورة لها هي أفضل طريقة لإحلال السلام، حتى تعلم طالبان أنها لن تنتصر في ميدان القتال. على مندوبي طالبان أن يجلسوا على طاولة المفاوضات وأن يتقدموا نحو الاتفاقات المشتركة.”

بالنظر في تصريح السكرتير العام لحلف الناتو الذي أبداه في الذكرى السبعين لتأسيس الحلف؛ نرى أنه يحمل رسالة الحرب بوضوح. ولا شك أن حضور دول حلف الناتو خلال مدة 18 سنة الماضية كان أمرا يصب في مصلحة هذه الدول، حيث أرسلت كل دولة بالتناوب جنودها إلى أفغانستان وتدربوا على الحرب القتالية في أفغانستان، كما أن التحكم بالملاحة الجوية كان في أيديهم وقد وُجدت لهم فرصة لتجريب الأسلحة الصادرة عنهم في أفغانستان، ولم يكن هذا التجريب على الحيوانات بل على البشر، كما أنهم كانوا يستطيعون

أن يجروا عمليات عسكرية في أي وقت شاؤوا من نهار أو ليل ودون استئذان وأن يقصفوا أي بقعة أرادوا. لذا يظهر أن دول هذا الحلف استغلت أرض أفغانستان كمُختبر، كما أن إحدى الدول المهمة المنضوية تحت هذا الحلف (الولايات المتحدة الأمريكية) لم تسمح للمجتمع الدولي أن تحقق وتقيّم جرائم الحرب المُرتكبة من قبل دول هذا الحلف في أفغانستان.

دول حلف الناتو مصممة على البقاء في أفغانستان، إلا أن هذا الحضور لن يستمر هكذا بإطلاق؛ وذلك لأن الشعب الأفغاني قرر أن يُغير أوضاعه البائسة. كما أن العديد من دول العالم وصلت إلى قناعة بإن السلام هو السبيل المُجدي في أفغانستان، لا غير. لا شك أن الحرب في أفغانستان لا تصب في صالح الشعب الأفغاني كما أنها لا تصب في صالح دول حلف الناتو، لذا على المنظمة المذكورة

أن تعيد النظر بجدية أكبر في قضية إحلال السلام بأفغانستان. وذلك لأن استمرار الحرب في أفغانستان لا تضر بالشعب الأفغاني ودول المنطقة فحسب، وإنما تُشكّل هذه الحرب تهديدات خطيرة لدول حلف الناتو كذلك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *