اصدار قانون توظيف ذوي الاحتياجات الخاصة، خطوة مؤثرة نحو تنمية قدرات المعاقین
في غرة شهر ديسمبر/2019م تم اعتماد آلية توظيف ذوي الاحتياجات الخاصة، بتوقيع من قِبل رئيس إدارة الإصلاحات الإدارية والخدمات المدنية في أفغانستان، محمد نادر نادري. يُذكر أن الآلية المذكورة تم إعدادها من قبل مفوضية الإصلاحات الإدارية والخدمات الملكية التابعة لمكتب حقوق الإنسان بأفغانستان، وبالاستعانة بالتجربة العالمية السابقة في هذا المجال.
ذُكر في الآلية أن على جميع الإدارات الحكومية – بما فيها جميع الوزارات – أن تجعل نسبة 3% من موظفيها من ذوي الاحتياجات الخاصة، تلبية لحقهم في العمل (في حين أن نسبة توظيفهم كانت موجودة في الآلية السابقة كذلك). وقد ذُكر كذلك في الآلية الجديدة بالإضافة إلى إجراء التسهيلات في إعلان الوظائف الشاغرة في الخدمات المدنية، وتعبئة الاستمارات، وأسئلة الامتحانات، أنه لن يُؤخذ امتحان من النسبة الخاصة بذوي الاحتياجات الخاصة للتقديم للعمل للرتبة الحكومية الخامسة والسادسة.
مع أن هناك امتيازات جديدة مُنحت لذوي الاحتياجات الخاصة في الآلية الجديدة مقارنة بالآلية السابقة؛ إلا أننا نستطيع الجزم بأن احتمالية تطبيق المذكور في الآلية ليست احتمالية كبيرةً، في ضوء الفساد الإداري المُخيم بأطنابه على الإدارات. إذا افترضنا أن آلية توظيف ذوي الاحتياجات الخاصة في الخدمات المدنية ستُنفذ؛ فإن سؤالا آخر سيبرز؛ وهو: كيف يستطيع الشخص المُعاق الذي سيُوظف في الرتبة الحكومية الخامسة أو السادسة أن يحل مشكلة تنقله وحضوره إلى مكان العمل بشكل يومي، في ظل صعوبة وعدم انتظام وسائل التواصل في البلد وخصوصا في العاصمة، وبراتب زهيد؟ والسؤال الثاني هو: هل تملك المباني الإدارية التي يُعتزم توظيف المُعاقين فيها التسهيلاتِ الضرورية للمعاقين من سلالم خاصة بالكراسي المتحركة، ودورات مياه مناسبة وغيرها؟ لا شك أن الإجابة منفية في معظم الحالات.
يُقر محمد نادر نادري رئيس إدارة الإصلاحات الإدارية والخدمات المدنية أن نسبة توظيف المعاقين الحقيقية في البلد حاليا لا تزيد عن 0.8%. بعبارة أخرى، من بين 400 ألف موظف تابع لهذه الإدارة، فإن 3000 شخص منهم فقط هم من ذوي الاحتياجات الخاصة. ويدلنا هذا الإقرار على قلة اهتمام الحكومة بالمعلومات الدقيقة حيال حقوق ذوي الاحتياجات في مجال العمل.
علاوة على ما ذُكر؛ لا تقتصر مشاكل المعاقين على قضية العمل وحسب؛ وإنما هناك مشاكل أخرى أصعب يواجهها ذوو الاحتياجات الخاصة، وللأسف قلما يُهتمُّ بها.
الوضع الحالي، في ضوء الإحصائيات
تم تعريف الشخص المُعاق في قوانين أفغانستان على النحو التالي: “المُعاق شخص فقد سلامته وقدرته على العمل لإصابة بدنية أو حسية أو ذهنية أو نفسية، مع تشخيص من المكتب الصحي المعني، على نحو يعوقه في المجال الاجتماعي والاقتصادي”.
وفق الإحصائيات؛ فإن 15% من سكان العالم معاقون، كما يُشكل المعاقون نسبة 10.3% من سكان أفغانستان، كما أن نسبة 80% من مُعاقي أفغانستان لم يُصابوا بالإعاقة خلال الحرب، ووفق أنظمة وزارة الحكومة في شؤون الشهداء والمعاقين لا يُعدّون ضمن المعاقين بسبب الحروب؛ ولذا فإنهم لا يتلقون أي امتيازات من قِبل الحكومة مقابل إعاقتهم.
هناك أكثر من مليون معاق في أفغانستان؛ وقد تم تسجيل نحو 140 ألف منهم في وزارة الحكومة لشؤون الشهداء والمعاقين، ويتلقى هؤلاء رواتب، في فئتين. المعاقون بالكامل والذين تبلغ نسبة عجزهم أكثر من 60% يستلمون في العام مبلغ 60 ألف أفغاني، كما أن المعاقين الذين تتراوح نسبة عجزهم بين 30- 60% يستلمون في العام 30 ألف أفغاني، وبقية المُعاقين لا يستلمون شيئا. السؤال المطروح هنا هو: مادام المعاقين لا يتفاوتون من ناحية حصولهم على فرص العمل، وكلهم بحاجة إلى الدعم من الحكومة؛ فلماذا يستلم البعض رواتب والبعض الآخر لا يستلمون؟
تدعي لجنة الصلي الأحمر أن نحو 162 ألف شخص معاق في أفغانستان مُسجلون لديهم، وأن نحو 950 شخص يُضافون إلى هذا العدد كل عام.
المشاكل الاجتماعية التي يواجهها المعاقون
بالإضافة إلى المشاكل المتعلقة بالعمل والمعيشة؛ يواجه المعاقون الأفغان مشاكل اجتماعية أيضا جعلت حياتهم أشد صعوبة. إحدى هذه المشاكل هي مشكلة السخرية والاستهزاء. نجد بعض الألفاظ المُهينة تُطلق على فئة المعاقين مثل: أعرج، أعمى، وغيرها. إذا كنا نشعر بثقل الإهانة في المرة والمرتين، لا شك أن الإهانة المتكررة للمعاقين ثقيلة جدا عليهم، وذلك لكونهم متضررين أكثر من غيرهم من الناحية المعنوية والنفسية.
المشكلة الأخرى التي يعاني منها ذوو الاحتياجات الخاصة في أفغانستان هي شكوكهم حيال قدراتهم. في مجتمعنا هناك شك حيال قدرات ذوي الاحتياجات الخاصة، بل يُظن بهم أنهم مُعاقون تماما ومعطلون عن أي عمل. في حين أن أبواب الازدهار والتطور مفتوحةٌ بالكامل أمام ذوي الاحتياجات الخاصة في الدول الأخرى.
عدم اهتمام المجتمع بمهارات المعاقين يُعد كذلك إحدى المشاكل الحادة في هذا الصدد. إذا عُرّف المجتمع بمهارات ذوي الاحتياجات الخاصة، وصار ذلك من الثقافة الشائعة في المجتمع، سيصبح المعاقون معتمدين على أنفسهم وستخف مسؤولية إعالتهم على الحكومة والمجتمع.
إيذاء الحالة المعنوية وإظهار الشفقة في غير مكانها أيضا من جملة المشاكل الاجتماعية التي يواجهها ذوو الاحتياجات الخاصة. لا يقتصر الأمر في بلدنا على عدم تقدير مهارات ذوي الاحتياجات الخاصة، بل نجد أن الكثيرين بدافع الشفقة – وإن كانت مقرونةً بحسن النية – يؤذون معنويات المعاقين ويحطمون شخصيتهم.
ما یجب العمل به
إصدار آلية توظيف المعاقين يُعد خطوة مشكورة وجيدة. إلا أن الاكتفاء بسن القوانين في بلد به أكثر من مليون شخص، ولا توجد به ثقافة التعامل بلباقة مع المعاقين لن يحل مشكلة ذوي الاحتياجات الخاصة. ولأجل حل مشكلة ذوي الاحتياجات الخاصة هناك حاجة إلى إجراء مشروع وطني، كما أن الحكومة بمفردها لا تقدر على إنجاز هذه الأمانة. على الحكومة والمؤسسات المدنية والمنصات الإعلامية وأئمة المساجد وأساتذة المدارس والجامعات والكُتاب وبقية فئات المجتمع أن يتعاونوا ويتآزروا في تنفيذ مشروع تطوير قدرات ذوي الاحتياجات الخاصة؛ حتى تسهل حياتهم، ويخف عبء إعالتهم عن الحكومة وعن ظهر المجتمع.
هناك ضرورة للخطوات التالية؛ لأجل تطوير قدرات المعاقين في أفغانستان:
۱ –على الحكومة أن تضع إستراتيجية جامعة بالاستعانة بالتجارب العالمية ومع وضع حالة أفغانستان الخاصة في الحسبان؛ لأجل تطوير قدرات ذوي الاحتياجات الخاصة، وتُشرك هذه الإستراتيجية مع جميع الجهات المعنية. كما أنه من الضروري تخصيص قدر مناسب من الميزانية الحكومية السنوية لذوي الاحتياجات الخاصة.
2- على وزارتي المعارف والدراسات العليا أن تتخذ إجراءات خاصة لتسجيل وقبول المعاقين ضمن طلبة المدارس والجامعات؛ مع منحهم امتيازات خاصة بهم.
3 –على وسائل الإعلام أن تلعب دورا نشطا في هذا المجال؛ كما عليها أن تعكس صورة براقة تُظهر مهارات وقدرات ذوي الاحتياجات الخاصة؛ وتعقد حملات توعية واسعة للتعريف بحقوق ومهارات هذه الفئة المحرومة.
4–على أئمة المساجد وخطباء المنابر أن يحثوا الناس على دعم ذوي الاحتياجات الخاصة. كما على الأساتذة الجامعيين والمدرسيين أن ينقلوا لكافة المتعلمين رسالة أداء الأمانة تجاه تطوير قدرات المعاقين، ليصبحوا معتمدين على أنفسهم.
5– يستطيع التجار الأفغان أن يلعبوا دورا أهم من غيرهم عبر الإنفاق، بالتنسيق مع المؤسسات الخيرية والمجتمع المدني.
۶ – وفي النهاية على كافة أفراد الشعب أن يُشعروا ذوي الاحتياجات الخاصة بالتعامل الحسن أن لهم حقوقا تساوي حقوق غيرهم، وأن ذوي الاحتيجات الخاصة ليسوا في مرتبة أدنى من بقية افرادالمجتمع.