الحرب الأفغانية والسياسات الأمريكية المتقلبة

يزداد الموقف الأمريكي سلبية يوما بيوم تجاه الحرب الأفغانية. في هذا الوقت الذي دخلت فيه قضية السلام الأفغانى مرحلة حساسة وتكبدت الولايات المتحدة الأمريكية خسائر فادحة في أفغانستان؛ نشرت جريدة الواشنطن بوست تقريرا يفيد أن القصر الأبيض الأمريكي كذب مرارا على الشعب الأمريكي حيال الحرب بأفغانستان، وقد وصلت مُستندات تبلغ ألفي صفحة إلى أيدي المجلة، مما أوقع الحكومة الأمريكية في حرج. تصرح المنصات الإعلامية بأمريكا أنهم مع تكبدهم لخسائر عظيمة وإنفاقهم مصاريف كبيرة لم يُحرزوا أي تحسن في الأوضاع بأفغانستان؛ بل وقد أدت الأوضاع إلى فوز طالبان في أرض الحرب، حيث إن أكثر من 50% من أرض أفغانستان تقبع تحت تحكمهم، كما أن الحكومة الأفغانية الواقعة تحت الدعم الأمريكي في حالة ضعف متزايد؛ مع ازدياد في معدل الفساد وانتهاك حقوق الإنسان، مما يجعل يدي الولايات المتحدة الأمريكية فارغة من أي إنجاز قابل للعرض على الشعب الأمريكي. كيف هجمت الولايات المتحدة الأمريكية على أفغانستان؟ وما هي نتائج تلك الهجمة؟ وماذا يفيد تقرير الواشنطن بوست الأخير؟ وما علاقته بسياسات أمريكا المتقلبة تجاه أفغانستان؟ أسئلة نسعى للإجابة عليها في هذا المقال.

نبذة عن الهجوم الأمريكي على أفغانستان

عندما اجتاحت القوات السوفييتية أرض أفغانستان؛ حصل تقارب بين الشعب الأفغاني والحكومة الأمريكية لاشتراكهما في معاداة الاتحاد السوفييتي؛ مما حدا بالحكومة الأمريكية إلى دعم الأحزاب الأفغانية الجهادية، ونتج عن ذلك انهزام الاتحاد السوفييتي وانهياره وتفككه؛ وتبع ذلك سقوط جدار برلين ووصول عدد من دول العالم إلى الاستقلال. إلا أن الحرب الأهلية اشتعلت في أفغانستان عقب خروج قوات الاتحاد السوفييتي، ونتج عن ذلك إنشاء إمارة طالبان. وقد آوت الإمارة بعض العرب منهم أسامة بن لادن وبعض أصدقائه وقد تم إيواؤهم من قِبل حكومة رباني سابقا. في عام 1998م حصل خلاف بين السعودية وطالبان حيال قضية أسامة بن لادن، وقد نتج عن ذلك قصف أمريكي عدة مرات على أرض أفغانستان. وفيما بعد، اشتد الخلاف حول قضية أسامة بن لادن مع أحداث الحادي عشر من سبتمبر؛ وهاجمت القوات الأمريكية أرض أفغانستان بذريعة كون أسامة بن لادن هو المخطط لتفجيرات برجَي التجارة في أمريكا.

مانتج عن الحرب الجاری

أسقطت أمريكا حكومة طالبان؛ إلا أن طالبان دخلت في حرب طويلة أخرى. الحرب الأفغانية هي أطول حرب خاضتها الولايات المتحدة الأمريكية. والآن بعد مرور 18 عاما على الحرب؛ تفيد إحصائيات وزارة الدفاع الأمريكية أن عدد 2386 جنديا أمريكيا قُتلوا في أفغانستان كما جرح عدة آلاف، وأنفقت الولايات المتحدة الأمريكية نحو تريليون دولار في هذه الحرب؛ ومع ذلك لم ينتهِ ما يُسمونه بـ “الإرهاب”، ولم يُقضَ على طالبان، كما لم تُؤسَّس أي حكومة مستقرة في أفغانستان، بل اكتسبت الحكومة الأفغانية وسم أفسد نظام في العالم؛ كما أن 90% من المخدرات على المستوى العالم ناتجة عن أفغانستان، والوضع الأمني يزداد سوءا يوما بعد يوم، وقد استشهد عشرات الآلاف من أبناء الوطن، ومازال الوضع مُستمرا حتى الآن.

نظرة على التقرير المنشور من قِبل الوانشنطن بوست

ادعت جريدة واشنطن بوست بكشفها عن مستندات سرية أن الحكومة الأمريكية قد كذبت على شعبها مرارا خلال مدة 19 عاما الماضية، وورد في التقرير: “إن كبار المسؤولين السياسيين والعسكريين في الحكومة الأمريكية علموا يقينا أنهم عاجزون عن الانتصار في ميدان الحرب بأفغانستان، إلا أنهم أوصلوا رسالة إلى الشعب مفادها أن كل شيء على ما يُرام.” تقع المستندات المذكورة في نحو 2000 صفحة؛ وتشتمل على تفاصيل المشروع الفدرالي الذي يُقيّم الحرب الأمريكية بأفغانستان؛ وتضم المستندات محادثات أُجريت مع كبار المسؤولين الأمريكيين العسكريين والدبلوماسيين والإغاثيين وكذلك المسؤولين الأفغانيين. الجنرال دوغلس لوت كان أحد المستشارين الهامين بالقصر الأبيض الأمريكي في الشأن الأفغاني، فترةَ حكم جورج بوش؛ وقد قال في محادثته: “الأمريكيون لا يعرفون أصلا ماذا يفعلون في أفغانستان، وما هو سبب وجودهم في أفغانستان”. كما يُضيف: “إن وزير الدفاع الأمريكي، ووزير الخارجية، ومسؤولو الكونغرس لم يكونوا على قول واحد تجاه الحرب بأفغانستان”. وفق إحصائيات وزراة الدفاع الأمريكية فإن نحو 775000 جندي أمريكي أجروا مهماتهم العسكرية في أفغانستان، وبقي بعضهم مدة طويلة هنا. وقد قُتل من جملة هؤلاء نحو 3000 جندي كما جُرح نحو 20 ألف جندي خلال أداء مهمتهم بأفغانستان. مع أنه لم يتم الإفصاح عن هويات هؤلاء المذكورين، إلا أنهم أنهم وجهوا انتقادات شديدة نحو الحرب بأفغانستان وسياسات أمريكا الخاطئة تجاه هذه الحرب. ورد في التقرير أن التحقيقات الفدرالية تعي انهزام الرؤساء الأمريكيين الثلاثة (جورج بوش، وباراك أوباما، ودونالد ترامب) في الحرب بأفغنستان، كما أنهم فشلوا في تربية وتدريب القوات الأفغانية، والحفاظ على الأمن بأفغانستان، والقضاء على المخدرات التي يتم إنتاجها في البلد. ورد في التقرير كذلك أن المسؤولين الأمريكيين تعمدوا الكذب على شعبهم حيال الحرب بأفغانستان، وتكتموا على انهزامهم وأظهروا انتصارهم.

النتیجة

تفيد أعمال وتصريحات المسؤولين الأمريكيين أنهم وصلوا إلى طريق مغلقة في أفغانستان؛ كما أنهم فشلوا في تحقيق أهدافهم التي سعوا إليها من خلال الحرب؛ ويخافون حاليا من تكرر التجربة التي حصلت مع  الاتحاد السوفييتي؛ ولذا يرون أنهم بحاجة إلى إحداث تغييرات عميقة في إستراتيجياتهم، كما يريدون من خلال التفاوض مع طالبان وسحب قواتهم من أفغانستان أو تقليلهم أن يغيروا مخططهم. نوع التغيير المُرتقب وكيفية استغلاله من قِبل الأمريكيين للحفاظ على مصالحهم موضوع آخر، إلا أن الواجب على الأفغان حاليا هو أن يُحدثوا بدورهم تغييرا آخر يؤدي إلى إنهاء الحرب التي دامت لأربعة عقود. أول خطوة لذلك هو وجوب إيقاف الحرب مع الأفغان، تحت أي مسمى كان. والذين وقعوا في حرب مع شعبهم بسبب صداقتهم مع الأمريكان؛ عليهم أن يوقفوا حربهم. الأمريكيون في مفاوضاتهم مع طالبان قد يتوسلون بأي طريقة للوصول إلى مبتغاهم، وهذا هو الجانب الخارجي للمفاوضات، وذلك يُمهّد للمفاوضات بين الأفغان، ولذا فإن جميع الأطراف المعنية بالمفاوضات الداخلية ( طالبان والحكومة الأفغانية والأحزاب) مكلفة تجاه ربها وتجاه شعبها أن يلفّوا بساط الحرب التي حُمّلت على الشعب الأفغاني قسرا، وأن يستفيدوا من الفرصة السانحة، ويكرروا النجاح الحاصل في القرن العشرين حيث أُطيح بالاتحاد السوفييتي، والنجاح الحاصل في القرن الحادي والعشرين حيث لُقِّن الأمريكيون في ميدان الحرب درسا لم يُلقنوا مثله في التاريخ. ونأمل أن يحصل ذلك، حتى يثبُت أن الأفغان حتى في مجال السياسة هم صُنّاع التاريخ.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *