نظام الإختبارات العامة للإلتحاق بالجامعات بحاجة إلى تعديلات
في يوم الاثنين الموافق 27/يناير/2019م صرّح عبدالقدير خموش رئيس الإدارة الوطنية لامتحان القدرات المسمى بامتحان الكانكور، أن الإدارة بتطبيقها لنظام مسح بصمات المشاركين في الامتحان سيسدون الطريق أمام الاستغلاليين الذين كانوا يتلاعبون بالنتائج، وبالتالي لن يقدر أحد على أداء الامتحان عوضا عن شخص آخر. بعد تأسيس الحكومة الجديدة عام 2001م برئاسة حامد كرزاي، أولِيَ اهتمامٌ بوزراة التعليم العالي إلى جانب بقية المؤسسات الحكومية، وأُنشئت جامعات جديدة وأُتيح لآلاف الناس المشاركة في امتحان القدرات الذي من خلاله يتم قبولهم في الجامعات الحكومية والأهلية. إلا أن التعليم الجامعي في أفغانستان لم يصل إلى المستوى المطابق للمعايير الدولية، بل مازال أضعف من المستوى المشهود في الدول المجاورة. مع تحقيق بعض الإنجازات في مجال التعليم الجامعي في أفغانستان، إلا أن الانتقادات الموجهة لجودة التعليم العالي في البلد كثيرة. لا ترتبط جودة التعليم الجامعي بامتحان القدرات وحسب، ولكن لا يمكن إغفال دور هذا الامتحان في انخفاض الجودة العامة للتعليم الجامعي. سنحلل في هذا المقال مشاكل امتحان القدرات والتعديلات اللازمة الكفيلة بإصلاح جودته.
المشاکل الموجودة
جميع من يتخرجون في المدارس يسعون إلى إكمال مسيرتهم التعليمية في الجامعات. إلا أن الوصول إلى هذا المراد ليس مُتاحا للجميع، ومن أراد الدراسة في الجامعة فعليه اجتياز قنطرة امتحان القدرات، أو بإمكانه أن يدرس في الجامعات الأهلية إن استطاع أن يوفر رسومها النقدية. وللأسف فإن كلا الخياريْن لا يخلوان من صعوبات في الواقع المعيشي الأفغاني. أما اجتياز امتحان القدرات للالتحاق بالجامعات الحكومية فأمر عسيرٌ وعليه منافسة شديدة.
من مشاكل التلاميذ في المدارس الثانوية انخفاض جودة الدروس، حيث إن الطلاب في هذه المرحلة بالإضافة إلى دروس المدرسة يُعدّون أنفسهم لامتحان القدرات. ومن المشاكل كذلك كثرة المواد الدراسية التي يدرسها الطلاب في المدرسة، حيث يتوجب على من يريد اجتياز امتحان القدرات أن يدرس أكثر من 70 كتابا دراسةً فاحصة، في حين أن تقسيم الطلاب إلى تخصصات في المرحلة الثانوية قد يَحل قدرا من هذه الإشكالية. عدم معرفة الطلاب بنظام الامتحان، وخوفهم منه من جملة الصعوبات الأخرى التي يواجهها الطلاب. الاضطراب في حد ذاته يقلل من جودة الأداء ويقلل فرص النجاح في الامتحان. ومن الصعوبات كذلك عدم التنظيم والانضباط في ساحة الامتحان، والصخب والضجيج. يُمنح الطالب في الامتحان مدة قدرها 160 دقيقة، عليه أن يحل فيها عدد 160 سؤال، ولنا أن نتساءل: هل هذا يُعد منطقيا مع استحضار أن سؤال الرياضيات الواحد قد يتطلب عشرة دقائق لحله؟ من المشاكل التي أحدثها نظام امتحان القدرات الحالي عدم وضع المهارات والمواهب في أماكنها المناسبة. نجد مثلا أن من لديه مواهب وقدرات في العلوم السياسية والقانونية لا يلتحق بكلية الحقوق بسبب عدم حصوله على الدرجة المطلوبة، ويلتحق عوضا عنها بكلية الآداب. وهذا يُفسد موهبة الطالب ورغبته في آن واحد. كما أن العديد من المواد الدراسية التي يدرسها الطالب في المدرسة وخلال الاستعداد لامتحان القدرات، لن تنفعه بعد اجتيازه للامتحان ودخوله في البيئة الجامعية.
الحاجة لإحداث التعديلات في نظام الإختبارات العامة
بما أن امتحان الكانكور شأن وطني، وُجدت ضرورة لإنشاء إدارة مستقلة لتولي شؤونه ومنع التلاعب بنتائجه. في تاريخ 13/أغسطس/2018م صدر مرسوم رئاسي جعل إدارة امتحان القدرات مستقلة عن وزارة التعليم العالي. خلال فترة حكومة الوحدة الوطنية أُحدثت تعديلات إيجابية على نظام الامتحان. من جملة هذه التعديلات اعتماد نظام البصمة الإلكتروني والذي منع إلى حدٍ كبير عملية الغش والاحتيال في أداء الامتحان. وقبل اعتماد هذه التقنية كان بإمكان الشخص أن يمتحن عوضا عن شخصٍ آخر. حاليا ومع وجود هذه التقنية هناك إشاعات تقول بأن النتائج مازالت يُتلاعب بها، ويُرجى من المسؤولين الموقّرين أن ينتبهوا لهذا الأمر.
توصيات وحلول
التعديلات التي أحدثتها حكومة الوحدة الوطنية في مجال التعليم العالي ليست كفيلة برفع جودة التعليم العالي إلى المستوى المطلوب، كما أن نظام امتحان القدرات مازال بحاجة إلى عدد من التعديلات الرئيسة. بداية ينبغي وضع امتحان قدرات بسيط يجتازه كل من يكمل المرحلة المدرسية المتوسطة، ويتم تقسيم الطلاب إلى عدة مجالات بحسب هذا الامتحان، ويُتاح فيه للطالب اختيار المجال الذي يحبه. ومن الضروري أن تُعد المناهج الدراسية على نحو ينفع الطلاب أكبر النفع في مجالهم الذي يختارونه. ثم في امتحان القدرات العام بعد الثانوية ينبغي التركيز على الأسئلة الاختصاصية المتعلقة بالمجال الذي يمتحن فيه الطالب. وهذا فيه فائدتان: أولا يتمكن الطالب من الاستعداد الجيد للامتحان، حيث يكون على دراية بالموضوعات المُتضمنة فيه، وثانيا: ينتفع الطالب بكل ما يدرسه ويستفيد منه في الدراسة الجامعية. تحديد أسهم القبول في الجامعات بات أمرا مثيرا للجدال في السنوات الأخيرة. ربما يفيد هذا التقسيم في الجانب السياسي إلا أنه في الجانب التعليمي مضر ويخفض جودة التعليم الجامعي كما أنه يفتح الباب للفساد والوساطة ويُضيع جهود وحقوق الطلاب المجتهدين الراغبين في الالتحاق بالجامعات الحكومية الأفغانية. وأفضل سبيل يمكن للحكومة أن تستبدله بتقسيم الأسهم هو تحسين جودة التعليم المدرسي في المحافظات التي يقل نجاح الطلاب فيها. مهما أوجدت الشفافية في امتحان القدرات فلن تتحسن جودة التعليم الجامعي، ما لم يتم تحسين جودة التعليم المدرسي. وذلك أن أساس التعليم الجامعي الجيد يكمن في التعليم المدرسي القوي. لذا من الضروري أن تُبذل الجهود من قِبل جميع الجهات الحكومية والأهلية لتحسين جودة التعليم في المدارس.
مع أنه يُقال أن تدخل ذوي النفوذ والسلطة في شؤون الامتحان ونتائجه قد قلّ إلا أنه لم يُزل بالكامل، وهناك تقارير موثقة تفيد تدخل مثل هذه الشخصيات في شؤون الامتحان. لذا يتوجب على الحكومة أن تمنع وقوع هذه التدخلات بالكامل.
الخلاصة
تأسيس إدارة امتحان القدرات واعتماد نظام البصمة الإلكتروني خطوتان إيجابيتان تهدفان إلى تعزيز الشفافية إلى الحد الممكن في نظام قبول الطلاب في الجامعات، إلا أن هذا الشأن بحاجة إلى المزيد من الإصلاحات والتعديلات. وبعض هذه التعديلات تتعلق بالمرحلة المدرسية، مثل تقسيم الطلاب إلى عدة تخصصات في المرحلة الثانوية حتى يسهل استقطاب الطلاب إلى التخصصات الجامعية بما يوافق مواهبهم ومهاراتهم. ينبغي تصميم نظام امتحان القدرات في أفغانستان على نحو لا يُتيح لإرادة الأفراد أن تتدخل وتتلاعب بنتائجها. وعوضا عن تعيين نِسب القبول للولايات ينبغي العمل على تحسين جودة التعليم المدرسي، خصوصا في المناطق التي يُلاحظ تدني جودة التدريس فيها. تسييس أنظمة التعليم في أفغانستان قد يؤدي إلى نتائج وخيمة، حيث إن ذلك سيخفض جودة التعليم وسيجعل التعليم أداة بيد الفئة الحاكمة. تطوير جودة التعليم المدرسي ومنع تلاعب ذوي النفوذ بنتائج امتحان القدرات من الأمور الضرورية التي لا بد منها للوصول إلى مستوى مقبول من التعليم الجامعي.